مطالب بعودة «المبودسمان» بعيدًا عن ديوان «مرسي» الهزلي ..«سيدى الرئيس ..لا ملاذ لى بعد الله سواك فى رفع مظلمتى وعودة حقى الضائع».. بهذه العباره وغيرها تمتلئ صفحات كثيرة داخل الصحف ووسائل الإعلام المختلفة.. تحت عنوان استغاثة إلى الرئيس السيسى.. فمرة نجد صفحة منشورة من إحدى الشركات الخاصة تستغيث بالرئيس لاستعادة قطعة أرض مغتصبة منها وأخري تجد فيها من يستغيث من أجل بناء كنيسة أو جمعية خيرية في ظاهرة غريبة علي مجتمعنا انتشرت بشكل لافت بعد ثورة 30 يونية.. وهناك من يصرخ للرئيس من بطش أو ظلم من بعض رجال الشرطة. انتشار تلك الاستغاثات بهذا الشكل اللافت للانتباه يتطلب التوقف لمعرفة السبب على وجه التحديد.. والسؤال.. ماذا يعني انتشار تلك الاستغاثات؟ فهل ذلك يعنى ان سبل التواصل مع المؤسسات الحكومية المختلفة أغلقت ولم يعد أمام المتظلم بديل سوى الصراخ والعويل فى المطبوعات؟.. أم أن ذلك يعنى ان لدى المواطن إحساسا بأن المشير السيسى يملك عصا سحرية تمكنه من حل مشكلات 90 مليون مصرى، أم وجدوا في الرئيس الأمان والعدالة المفقودة. الواقع يكشف كما حدثنا المختصون الأداء السلبي للحكومة، وعجزها عن حل مشاكل الناس، بسبب ارتعاش اليد، والخوف من اتخاذ القرار الحاسم الذي يخدم المواطنين، وهو ما يجعل الكثيرين يطالبون بعودة ما كان يطلق عليه قديما «المبودسمان». والظاهرة ان كانت حديثة إلا ان جذورها ممتدة في التاريخ المصري، فهي تذكرنا بما كان يحدث مع الشيخ سليمان بن صالح الخراشي، أول شيخ للأزهر الشريف، وأول عالم أزهرى يعلي كلمة الحق، وينصر المظلوم ولا يخشى الظالم مهما بلغت درجة جبروته، وكان المصريون يكتبون استغاثاتهم تحت مسمى «يا خراشى» وهو نداء لرجل العادل ومن هنا انتشر هذا التعبير الذى يدل عل الاستغاثة ولهفة المحتاج لمن يعيد له حقه. وضعنا تلك الاستغاثات أمام الدكتور فاروق أبوزيد عميد كلية إعلام ونائب رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا قائلا: «تلك الظاهرة تعكس أمرين فى غاية الأهمية الأول سلبى يؤكد بيروقراطية الأجهزة الحكومية وعدم استيعابها للتغييرات التى حدثت عقب ثورتى 25 يناير و30 يونية وما صاحبها من ضرورة إعلاء مصلحة المواطن، وعندما تسد كل السبل والطرق أمام الإنسان ويصعب عليه الوصول إلى الوزير المنوط به حل المشكلة فلا يبقى أمامه سوى رأس الدولة المصرية الملاذ الأخير، فيضطر للجوء إلى الإعلام ليتم فضح التجاوزات التى حدثت بحقة عسى أن يصل صوته إليه غير مدرك لكم الأزمات الدولية والإقليمية التى يغرق فيها الرئيس. وعن المؤشر الإيجابى لتلك الظاهرة يؤكد أبوزيد: أنها أعادت للإعلان دوره الحقيقى فى خدمة المجتمع والمواطن، وكجسر للتفاهم والتواصل بين الحكومة والمواطن، لافتا إلى أن انتشار تلك الظاهرة بهذا الشكل يعد مؤشرا سلبيا على أداء الحكومة، ويكشف أيديها المرتعشة وخوفها من اتخاذ القرارات الحاسمة مدللا بما حدث من قيام اتحاد الصناعات بنشر سلسلة من الاستغاثات إلى الرئيس وكذلك العاملون فى قطاع النسيج وغيره من القطاعات الحيوية فى الدولة التى تناشد الرئيس التدخل لإنقاذهم من مشاكلهم. وأكد أبوزيد ان تلك الظاهرة غير موجودة فى الصحف الأجنبية بل يعتبرونها دليلا على فشل الحكومة فى القيام بدورها، خاصة انه فى دول العالم المتقدم لا توجد تلك الأجهزة البيروقراطية المعقدة والمتشابكة والمتضاربة فى قراراتها فى نفس الوقت بما يخلق نزاعات قضائية تستمر لسنوات طويلة دون أن يتم حسمها. الرؤية ذاتها يعضدها الدكتور ياسر عبدالعزيز الخبير الإعلامى والذى يؤكد أن تلك الاستغاثات تعكس ثقة كبيرة بشخص رئيس الجمهورية وإيمان عميقاً لدى المواطنين على تمسكه بالعدل وعودة الحقوق إلى المواطنين. واستطرد: «لكنها فى نفس الوقت تعكس تعنت وانغلاق القنوات الطبيعية لحل المشكلات فى المجتمع، وبسبب هذا الانسداد يكون هناك رغبة فى توصيل الشكوى إلى أعلى رأس فى الدولة المصرية. وانتقد عبدالعزيز أداء الجهاز الحكومى، مؤكدا أنه لا يزال غارقا فى البيروقراطية بعد سنوات طويلة من الجمود وعدم التطوير، مما نتج عنه آلاف المشاكل التى يغرق فيها الجهاز البيروقراطى وعجز عن حلها مما ترتب عليه تفاقمها بشكل مخيف. وطرح الخبير الإعلامى رؤية فى غاية الأهمية تعتمد على وجود شخص أو هيئة تعرف بإسم «المبودسمان» أى لجنة أو ديوان للمظالم يتم فيها بحث الشكاوى والتحكيم فيها من خلال لجان قضائية تتولى البت سريعا فى تلك المظالم. وأكد عبدالعزيز ان تلك اللجنة تختلف شكلاً ومضموناً عن فكرة ديوان المظالم الذى أنشئ فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى، بصورة هزلية بيروقراطية ولم يحقق الهدف الغرض المنوط به. ويؤكد عبدالعزيز ان «المبودسمان» سيكون هدفه معالجة القصور من قبل هيئات الدولة وسيتولى رد المظالم إلى أهلها بعد إجراء تحقيق شامل وعادل فى الواقعة محل النزاع. واستطرد: « دور الرئاسة ليس حل المشكلات الفردية وإنما وضع السياسات بعيدة المدى والمساهمة فى وضع التشريعات والإجراءات اللازمة لحل المشكلات التى يعانى منها المجتمع وفى مقدمتها ظاهرة الإرهاب التى تنال من خيرة جنودنا وأبنائنا كل يوم. وفى نفس السياق أكد المهندس باسل عادل، البرلمانى السابق أن تلك الظاهرة تعكس أزمة وخللاً كبيراً يعانى منه الجهاز الإدارى فى الدولة، الذى يعجز عن اتخاذ أى قرارات خوفاً من المساءلة والمحاسبة، وأن فى ذلك مؤشراً سلبياً على كثرة المظالم، التى من شأنها ان تنال من شعبية المشير السيسى ففى نهاية الأمر المواطن يحمل مسئولية مظلمته للدولة متمثلة فى شخص الرئيس وحكومته. وحذر «عادل» من تنامى تلك الظاهرة بشكل يكشف مدى التدهور فى الخدمات والحقوق التى يحصل عليها المواطن، مشددا على ضرورة الضرب بيد من حديد على من يثبت تورطه فى ضياع حقوق الناس، وهو الامر الذى لم يعد مقبولاً بعد ثورتين. الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد هى الأخرى عبرت عن أسفها من انتشار ظاهرة الاستغاثات فى الجرائد خاصة من قبل القطاعات الحيوية فى الدولة كقطاع النسيج متسائلة: «هل لو استطاع المواطن البسيط التواصل مع الجهة المسئولة فهل كان يمكن أن يفكر في ان يدفع آلاف الجنيهات من أجل أن تصل مظلمته إلى الرئيس. وعبرت عن دهشتها من استمرار التعنت من قبل أجهزة الدولة، رغم أن مجلس الوزراء أكد أكثر من مرة على ضرورة الاستجابة لمشاكل المواطن كما أن أول مطالب الثورة هو تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطن وتوفير الحياة الآدمية للمواطنين من عيش حرية عدالة اجتماعية. وتابعت فى تساؤلاتها قائلة: «لماذا تكتظ المحليات بآلاف الموظفين الذين يتقاعسون عن خدمة المواطنين وحل مشاكلهم، ولماذا يضطرون المواطن إلى اللجوء إلى الرئيس وسط مشاغله الكبيرة. وأكدت أن المصريين يبحثون عن الأمان منذ عقود طويلة ووجدوا هذا فى شخص المشير السيسى، لكنه لن يتمكن من حل مشاكل 90 مليون مواطن. ووجهت الكاتبة رسالة إلى كل مسئول فى الدولة قائلة «افتحوا النوافذ أمام المواطنين ولا تغلقوا السبل أمامهم، حتى لا يحدث الانفجار مثلما حدث فى عهد الأنظمة السابقة».