«عيد الجهاد الوطنى» يوم حاول البعض طمسه من صفحات التاريخ المصري، لكن نضال رجال الوفد أبي أن يتركه منسيا، ليسجل هذا اليوم بحروف من الشجاعة والنضال الثورى، ثقة وضعها الشعب المصري فى زعيمه سعد زغلول ليسير خلفه ويدعمه فى المحافل السياسية، فيسجل يوم 13 نوفمبر ذكري اليوم الذى رفع فيه الشعب بقيادة زعيمه راية العصيان على الاحتلال البريطانى. فقد مثل الاحتفال بعيد الجهاد الوطنى تخليداً للثقة التى وضعها الشعب في أعضاء الوفد الشعبي الذى كان يضم «سعد زغلول وعبد الرحمن فهمى وعلى شعراوى»، من خلال التوكيلات التى جمعها الشعب لتفويض هذا الوفد للسفر إلى باريس وعرض قضية استقلال مصر عقب الحرب العالمية الاولى، كما أنه يوثق للموقف الشجاع الذى اتخذه زعيم الأمة سعد زغلول عندما ذهب الى مقر نائب الملك البريطانى فى قصر الدوبارة، قائلا للإنجليز: «اخرجوا من بلادنا». وظل الزعيم سعد زغلول يحتفل بعيد الجهاد فى بيت الأمة منذ ذلك اليوم حتي عام 1926 بحضور الحشود من الشعب باعتباره تسجيلاً لنجاح النضال الشعبي بقيادة زعيم الأمة، وكان آخر احتفال شهده الزعيم فى هذا العام حين امتلأ يومها السرادق الكبير الذي أقيم بجوار بيت الأمة بالمحتفلين ورجال الدولة والوزراء. وفى هذا الاحتفال الاخير لسعد زغلول دوت أصوات الهتافات تحية للزعيم، حيث كانت التحية نابعة من القلب حتي أن الهتاف لسعد استمر سبع دقائق كاملة، حتي أشار لهم الزعيم بالجلوس وجلس هو أيضا وعن يمينه رشدي باشا وعن يساره عدلي باشا, وبدأ الاحتفال بكلمه قصيرة للنحاس باشا ثم مكرم باشا, وما لبث أن انتهي من كلمته حتي صاح الجميع: سعد.... سعد. وعلى الرغم من التعب الذى كان يعانيه في هذا الوقت إلا أن تلبية إرادة الشعب وطلباته كانت هى غايته، فما كان منه إلا أن تقدم نحو المنبر قائلا: «أيها السادة.. يعز علي أن أري منبر الخطابة منصوبا, لا أستطيع له رقيا, وأن أجد مجال القول واسعاً ولا أملك لسانا قويا, وأن أشهد سامعين منصتين ولا أجد لي صوتا فتيا». وذكر الزعيم في خطابه فضل الذين اشتركوا معه في جهاده واختتم قائلا: «الكل عارف بخصوم الدستور, وما يظهروه وما يدبروه ولكن أطمئنكم بأننا أعددنا له في الداخل اتحادا متينا وفي الخارج حكمة وعقلا رزينا». وكان الاستماع لخطبة الزعيم حدثا ينتظره جموع الشعب المصري، فبعد أن انتهي سعد من خطابه ضج السامعون من جديد وطلبوا الزيادة وكان معظمهم من الطلبة فالتفت إليهم سعد وقال لهم مداعبا: لقد أضربتم اليوم جميعا عن تلقي الدروس...فأنا أيضا مضرب عن الخطابة». بعد وفاة «سعد» استمر الاحتفال بذلك اليوم, حتي إنه في عام 1938 نظم النحاس سرادقا كبيرا واحتفالا جليلا حضره 60 ألف مواطن فضلاً عن الصحف المصرية والأجنبية، فالجميع كان يعتبر عيد الجهاد هو أبرز تعبير عن احتضان بيت الأمة للشعب المصري وشبابه، ففي ذلك الاحتفال ردد عدد من الشباب هتافات وطنية طريفة من بينها «شمال يمين, شمال يمين فيرد الآلاف وإللي يعادي النحاس مين؟»، فدوي التصفيق واشتدت هتافات «الجامعة مع النحاس عاش رجال الوفد». وبعد أن وصل الرئيس إلي منصة الخطابة زادت الحماسة والتصفيق، وبعد افتتاح الحفل قال النحاس كلمته، واستمر الاحتفال ست ساعات متوالية لم يشعر خلالها أي من الحاضرين بطول المدة إذ نسوا الزمان واستعادوا الذكريات الجميلة مع كلمات النحاس. وقد ظل هذا التاريخ إجازة رسمية وعيداً قومياً يحتفل به المصريون والوفديون بصفة خاصة كل عام حتى قامت حركة 23 يوليو 1952 فتوقف الاحتفال به، لتمحى تاريخ نضال الزعماء الذى سبقها، ولم يبق بعدها من عيد أو ثورة الا تلك، وقد اندثر الاحتفال بعيد الجهاد بعد حل حزب الوفد فى تلك الفترة التى لم تكف كتب التاريخ عن وصفها بعصر القمع. ولما رحل الرئيس جمال عبدالناصر وجاء بعده الرئيس أنور السادات أعاد للحركة الوطنية مكانتها.. وبدأ بالمنابر الثلاثة ثم حولت إلي أحزاب فجدد الزعيم العظيم فؤاد باشا سراج الدين حزب الوفد وفتح له مقرات عدة في جميع ربوع مصر وازدهرت الحركة الوفدية في عهده، وكان يتم الاحتفال بعيد الجهاد الوطنى فى كل عام بمقر الحزب بحضور كبار رجال الدولة وأعضاء الحزب. على الرغم من تلك الاحتفالات التى يقيمها الحزب وأعضاؤه لم تفكر الدولة في اعتباره عيدا رسميا وتعالت الأصوات خلال حكم المعزول محمد مرسي لتنادى بعودة الاحتفال الرسمي للدولة بعيد الجهاد الوطني الموافق يوم 13 نوفمبر من كل عام، بوصفه عيدا وطنيا أسوة بثورتي 23 يوليو و25 يناير إلا أنه لم يستجب وكان الاحتفال الاخير بهذا العيد الذى أقامته لجنة الحزب ببورسعيد العام الماضي حيث عرض خلاله كلمة لرئيس حزب الوفد الدكتور السيد البدوى وسط هتافات الحضور «عاش الوفد ضمير الأمة»، مؤكدا فيها على النضال الشعبي الذى قام به الحزب على مدار العصور فى مواجهة الاستبداد والقمع.