تلك هى مبادئ الوفد.. وتلك هى أخلاق الوفديين.. ها هو الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد ينعى رحيل الدكتور نعمان جمعة الرئيس الرابع للوفد، منذ نشأته عام 1918، أى منذ سعد زغلول ثم النحاس باشا.. ثم فؤاد سراج الدين.. لذلك جاء الدكتور نعمان جمعة رئيساً للوفد عام 2000، بعد رحيل زعيمه الراحل سراج الدين فى أغسطس 2000. وقفز الدكتور السيد البدوى وحزب الوفد فوق كل الأحداث وخصص صفحة كاملة ينعى فيها الدكتور نعمان.. ويستعيد مواقفه العديدة بداية منذ انضم للوفد وهو بعد طالب بمدرسة المساعى المشكورة الثانوية وكان بذلك ضمن الطلبة الوفديين بينما كان عمره لا يتجاوز 14 عاماً. ولا ينسى الوفد، ولا كل الوفديين نضال الدكتور نعمان جمعة من أجل عودة حزب الوفد للعمل السياسى عام 1978.. ولا قيادته لمجموعة القانونيين من أجل عودة الوفد بحكم قضائى شهير للعمل من جديد عام 1984.. وكيف وقف فى المؤتمر الصحفى ليعلن عودة الوفد، لأن قطبيه الرائدين فؤاد باشا وإبراهيم فرج باشا كانا ممنوعين من العمل السياسى وقتها.. وهنا أصبح د.نعمان سكرتيراً عاماً مساعداً لأول هيئة وفدية وسرعان ما أصبح نائباً أول لرئيس الحزب.. رغم أن الحزب كان يضم يس بك سراج الدين شقيق فؤاد باشا ورغم وجود كثير من عائلتى سراج الدين والبدراوى بين قيادات الوفد. ورغم ما حدث من خلافات فكرية وبالذات حول طريقة إدارة الحزب، عندما كان د. نعمان رئيساً للوفد ولمدة 5 سنوات وتلك الأزمة الطاحنة التى تعرض لها الحزب وقتها.. ورغم قرار الجمعية العمومية بفصل الدكتور نعمان.. إلا أن كل ذلك لم يجعل الوفد ولا الوفديين ينسون دور ومواقف الرجل فى إعادة الوفد بجانب فؤاد باشا وإبراهيم باشا والدكتور وحيد رأفت ولذلك خرجت صحيفة الوفد تنعى إلى الأمة ولكل الوفديين رحيل الدكتور نعمان.. وتلك هى مبادئ الوفديين وأخلاق الوفد، على مر السنين. ففى مثل هذه الأيام بالضبط أى فى أكتوبر 1923 حدث الانشقاق الأول عن الوفد.. عندما خرجت مجموعة من قياداته على سعد زغلول وعلى الوفد، خرجت بقيادة عدلى باشا يكن لتؤسس حزب الأحرار الدستوريين، وخرج معه من القيادات عبدالعزيز باشا فهمى القانونى والقاضى الشهير وأجد الثلاثة الذين ذهبوا لمقابلة المعتمد البريطانى سير ريجنالد وينجت يوم 13 نوفمبر 1918 ليطالبوا لمصر بالاستقلال.. وأصبح حزب الأحرار هو ثانى أكبر الأحزاب المصرية حتى ثورة يوليو 1952. أقول رغم هذا الخروج ظلت العلاقات قوية بين الزعمين سعد زغلول وعدلى يكن.. حتى قيل يومها إن الأمة انقسمت بين سعد وعدلى.. ولم يسمح الزعيمان لأى من رجالهما بالهجوم على الطرف الثانى. ثم ها هوأشهر سكرتير عام للوفد وهو مكرم عبيد باشا وكان أقرب الرجال الى قلب الزعيم مصطفى النحاس باشا، ومكرم هو الذى انشق من الوفد وأنشأ حزب الكتلة الوفدية بل هو وللأسف وبإيعاز من رجل القصر الملكى الثعلب أحمد حسنين باشا، هو الذى أصدر ما عرف باسم الكتاب الأسود. وفى سرادق العزاء الذى أقيم على رحيل صبرى باشا أبوعلم وكان وقتها سكرتيراً عاماً للوفد فوجئ الجميع بهذا الرجل الكبير مكرم عبيد يدخل السرادق ليعزى الوفديين فى رحيل سكرتيرهم العام.. ونهض النحاس باشا مسرعاً وأخذ مكرم عبيد بين أحضانه وهو يقول له صبرى باشا مات يا مكرم.. وهنا يجهش الرجلان النحاس ومكرم فى نوبة بكاء شديدة.. وينهار كل الوفديين بالبكاء.. ويتحول السرادق الى بكائية كبيرة.. فقد قفز زعيم الأمة النحاس باشا فوق أحزانه وقفز مكرم باشا فوق فراقه لزميله فى النضال صبرى باشا أبوعلم ونسى الكل.. ما فات.. فالمبادئ الوفدية لا تنسى.. ولا تتجزأ. هذه المبادئ الوفدية العريقة هى نفسها التى جعلت الدكتور السيد البدوى يقفز فوق جراح الوفد وما حدث وأصدر رئيس الوفد بياناً ينعى فيه للوفديين.. نضال أحد الوفديين الأصلاء.. وأن يتصدر هذا البيان مع خبر الوفاة الجريدة الإليكترونية للوفد.. وأيضاً صحيفة الوفد الورقية التى كان يكتب فيها د.نعمان مقاله الشهير نبضات. ونفس هذه المبادئ هى التى حركتنى اليوم لأكتب مقالى هذا رغم ما كان بينى شخصياً وبين الدكتور نعمان من خلاف فى أيامه الأخيرة.. وهذا هو التعبير الحقيقى عن مقولة إن «الخلاف لا يفسد للوفد قضية!!». وهو نفس ما جعلنى فى سرادق العزاء لفقيد الوفد الدكتور محسن بدراوى والد الوفدى العريق فؤاد بدراوى ما جعلنى أنهض وأتجه الى حيث جلس الدكتور نعمان بمجرد جلوسه لكى أحييه.. وأسأله عن صحته.. ونهض الرجل من مقعده. تلك هى مبادئ الوفد.. وتلك هى أخلاق الوفديين رحم الله الدكتور نعمان جمعة الرئيس الرابع للحزب العريق.