إخلاء رفح من الأهالي، أو بالتحديد سكان الشريط الحدودي، يتطلب في نفس الوقت إخلاء الفساد من مصر كلها، إذا كنا جادين في محاربة الإرهاب من جذوره، لأن ما يجرى في سيناء هو انعكاس للفساد الإرهابي، الذى شهدته مصر، حقيقة، منذ أراد الرئيس السادات أن ينفتح على العالم اقتصادياً، على أمل أن يعيش الشعب في رخاء عظيم وأن تشهد الدولة تنمية كبيرة.. وكان هذا مفهوماً بسيطاً، ولا أريد أن أقول سطحياً، لكيفية تنمية الدولة ورخاء الشعب، وكان ذلك استسهالاً من الرئيس السادات لاستبدال الاقتصاد الاشتراكي السوفيتي، الذى كان سائداً أيام الرئيس عبدالناصر، بالاقتصاد الرأسمالي أو الأمريكاني الحر، بدلاً من الاستمساك بالقوانين التي تهيئ الدولة للمناخ الاقتصادى الحر أو المنفتح، التي تحافظ على مقدرات الدولة ومكاسب المواطنين، أو اتخاذ إجراء واحد للحفاظ على الصناعة الوطنية أو الرأسمالية الوطنية، فكانت النتيجة هذا الانفتاح السداح المداح بتعبير الكاتب الراحل الأستاذ أحمد بهاء الدين، الذى كان الإرهاب باسم الدين، ملازماً أو موازياً لهذا وكونا معاً ما يمكن أن نطلق عليه بالفساد الإرهابي! ويوم اغتيال الرئيس السادات كان ذروة الإرهاب والفساد معاً، حيث كانت مظاهرات 17 و18 يناير ضد الغلاء ولصوص الانفتاح، قبل الاغتيال بثلاث سنوات الذى استمر حتى الاغتيال، وكان من المفترض على الرئيس المخلوع مبارك أن يضرب الإرهاب والفساد معاً ولكنه استمر غافلاً عن الفساد، واستخدم حكاية ضرب الإرهاب كوسيلة لضرب الحياة السياسية كلها، وبالتالي حماية الفساد والمفسدين، وعاشت مصر 30 عاماً، هي حكم مبارك، في ظل فساد سياسي واقتصادي وإرهابي، وهو ما كان يجب أن يحاكم عليه مبارك وابناه ورموز نظامه، وليس الحصول على أجندات وأقلام من مؤسسة الأهرام، أو اتهامه بقتل المتظاهرين، كما لو أننا كنا نتوقع أن وزير داخليته حبيب العادلي في حاجة إلى قرار مكتوب من مبارك لقتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير.. وأعتقد أن ذلك كان استسهالاً أكثر منه استمساكاً بما أشاعه هذا النظام من فساد في كل الدولة! ورغم، قناعتي، بأن أسباب الإرهاب والتطرف الديني لدى الشباب وقادتهم، ليست فقط في الفساد الاقتصادى والسياسي ولكن للفساد الفكري والتعليمي والثقافي أكثر من أي شيء آخر، إن لم يكونوا هم السبب الحقيقي، لأن هؤلاء الإرهابيين أصبحوا متطرفين دينياً في دولة مثل السعودية ولم يعيشوا في فقر أو عوز اقتصادي يدفعهم للتطرف مثلما يستسهل البعض بالترديد أن الفقر والأزمة الاقتصادية في مصر هما السبب في التطرف الديني، كما أن الحريات العامة أو الخاصة بما فيها الحريات السياسية وحرية التفكير والتعبير، والرغد الاقتصادى والخدماتي من تعليم وعلاج، والمكفول لكل من يعيش في أوروبا وأمريكا، لم تمنع ظهور الإسلاميين المتطرفين هناك وارتكاب أفظع الجرائم.. وبالتالي الإرهاب في العقول وليس في البطون! وإذا كنت على يقين أن الجيش المصري سيتمكن من هزيمة الإرهابيين في سيناء، مثلما تمكن من هزيمة الإسرائيليين وحقق انتصار أكتوبر العظيم، إلا أن الاستمساك بأسباب الإرهاب مجتمعة ستظل هي المهمة الأصعب، ومن أبرزها الفساد الإرهابي في كل ربوع الدولة، الذى يتجسد في الاقتصاد والتعليم والعلاج والثقافة وكذلك في السياسة.. فالمجال الاقتصادى مازال فاسداً، والتعليم مفسداً، والعلاج قاتلاً، والثقافة غائبة، والسياسة ميتة.. يضاف إلى ذلك طريقة تلقينا للدين الإسلامي المتخلفة سواء في الجامع أو المدرسة أو الجامعة، وأنه لا سبيل لاجتثاث الإرهاب في المستقبل إلا بمواجهة كل أشكال الفساد الإرهابي في الدولة! من الشارع: إن السماح بشخص مثل أحمد عز، أمين تنظيم الفساد والمفسدين في الحزب الوطني في نظام مبارك، بالعودة إلى الحياة السياسية والترشح في الانتخابات البرلمانية القادمة، ولما لذلك من دلالات ومؤشرات بعودة النظام القديم، في ظل الهجمة الإعلامية الممنهجة لتشويه ثورة 25 يناير، وتسميتها بمؤامرة 25 يناير ضد الدولة.. ليس في صالح ثقة الناس في الرئيس السيسي.. ولا في صالح مصداقية الناس في تحسين الأحوال المعيشية والاقتصادية.. لأن السماح لهذا الطفل المعجزة وغيره ممن أفسدوا النفوس قبل الفلوس، بالعودة للحياة السياسية والاقتصادية، هو نوع من الفساد الإرهابي الذى مازال يعشش في خرابات النظام المخلوع، وندفع ثمنه من أرواح ودماء أبنائنا في الجيش والشرطة مع كل جريمة إرهابية!