أعاد حادث الاغتيال الآثم الذى راح ضحيته الشهيد المقدم محمد مبروك ضابط الأمن الوطنى أمام منزله والمسئول عن ملف التطرف الدينى بوزارة الداخلية للأذهان صورة الإرهابيين على الشاشة والأفلام المهمة التى تنبأت بخطورة تسلل هذه الجماعات المتطرفة وأفكارها المتشددة التى تقوم على السمع والطاعة والإقصاء والعنف والدم أبرزها فيلم « الإرهابى» وهذه الجملة الشهيرة التى قالها أحمد راتب لعادل إمام فى الفيلم «لا تجادل ولا تناقش يا على» وأعمال سينمائية أخرى كشفت الوجه الخفى للإرهاب والمتطرفين. لم يكن فيلم الإرهابى هو الأول بل سبقته تجارب وأعقبته أخرى مثل، الإرهاب، وطيور الظلام ودم الغزال، وعمارة يعقوبيان.
هذا التحقيق يقترب من صورة التطرف الدينى على شاشة السينما المصرية، وكيف عالجتها وهل جاءت المعالجة نمطية بها مبالغة وتشويه أم واقعية وصادقة وما هو دور السينما فى المرحلة المقبلة من إنتاج أعمال فنية تواجه هذه الظاهرة وتناقشها.
وهل ستعود السينما لطرح قضايا مهمة أم ستستمر فى الغيبوبة السبكية ؟
المخرج مجدى أحمد على قال في البداية أنه حاول فى العديد من أفلامه أن يشير إلى خطورة التطرف الدينى حتى لو كانت فى شخصيات ثانوية بالفيلم لكنه يرى أن هذه العناصر المتطرفة ضحايا غياب توجه مجتمعى نحو التنمية الحقيقية خاصة فى ظل انهيار الدولة طوال الثلاثين عاما الماضية.
أضاف مجدى فى أوقات كثيرة كانت الدولة المبنية على الفساد والسلطة فى عهد مبارك طرف فى صناعة هذا التطرف، حيث لجأت إلى أساليب المحاباة والاختراق لهذه التيارات، حتى تستخدمها فزاعة للقوى الغربية والداخلية أنهم سيكونون البديل فى حالة انهيار النظام كما حدث بعد ثورة يناير.
السينما المصرية - والكلام لمجدى أحمد على - لم تستطع أن تعبر بشكل عميق ودقيق عن حقيقة أفكار هذه التيارات الدينية المتطرفة، أو قدمت تحليلا عميقا للظروف المختلفة التى تنتج عنها شخص متطرف سواء اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، بل جاء تقديم المتطرف الدينى على الشاشة الفضية من خلال دوجما غابية متكررة وبصورة نمطية مثل تلك التى كان يقدم بها الشخص اليهودى على الشاشة بأنه «أخنف وبخيل وشعره أشعق ووجهه قبيح» لكن بعد 30 يونيو وانكشاف التيارات الدينية على حقيقتها وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين وما تمارسه من إرهاب حقيقى، يحتاج المجتمع المصرى إلى توثيق هذه المرحلة من خلال الأعمال السينمائية والدرامية الأكثر بحثا وتغلغلا فى حقيقة التطرف الدينى فى مصر وأسبابه حتى نتخلص منه.
ومن الأقلام التى حاربت التطرف الكاتب والسيناريست بشير الديك الذى قال: إن السينما المصرية كانت مخلصة دائما فى أن تعكس الواقع الذى يعانى منه المجتمع، وأنتجت أفلاما كثيرة منذ أواخر التسعينيات حتى الألفية التى تحارب الإرهاب والتطرف الدينى خاصة الذى اشتد بعد حادثة مقتل السياح الأجانب فى الأقصر، وقدمت الكاتبة حسن شاه قصة فيلم «الإرهاب» فى 1989 الذى قامت ببطولته نادية الجندى وفاروق الفيشاوى وكان الغرض منه تحليل سيكولوچية الإرهابى بعد حادث المنصة.
أضاف «الديك»: إن إرهاب التسعينيات يختلف عن الإرهاب الذى يواجه المجتمع المصرى الآن، حيث حدث له تغييرات نوعية كبيرة، وأصبح إرهاربا دوليا يضم جماعات تستخدم الأسلحة الثقيلة والجرينوف والمدافع المضادة للطائرات وتحارب الجيش المصرى فى سيناء، ومن ثم لم يعد كافيا أو مقنعا أن ترى أفلاما مثل الإرهاب والكباب والإرهابى فقط، بل نحتاج إلى أفلام تواكب التطور الذى حدث وأيضا استيعاب هذا النوع من الإرهاب الذى أصبح يعمل لصالح المخابرات الأمريكية، والتخلص من الصورة النمطية التى كانت تصور الإرهابى فقط على أنه صاحب لحية طويلة وجلباب أبيض لأنها أصبحت معالجة فنية تثير الضحك.
أما نادر عدلى - الناقد السينمائى فيقول: إن السينما المصرية كان لديها وعى مبكر جدا بتقديم هذه الظاهرة مع بداية الثمانينيات.
أما قمة المواجهة السينمائية فى تقديم صورة التطرف الدينى فجاءت من خلال عادل إمام فى فيلم «الإرهابى» وطيور الظلام»، وتمت إجازتها لقوة نجومية عادل إمام، ذلك عندما بدأت الجماعات الإسلامية فى استخدام العنف وأيضا بدأت الدولة تستشعر خطورة هذه الجماعات ومن ثم شجعت هذه الأفلام التى تناقش الإرهاب والتشدد الدينى.
وتتفق الدكتورة مها الشناوى - أستاذ الإخراج بالمعهد العالى للسينما مع الناقد نادر عدلى ولكنها أضافت : أن الأفلام المصرية ناقشت التطرف الدينى، ولكن أغلب المعالجات كانت تقديم صورة واقعية على مستوى الشكل وليس المضمون وأتصور أن فيلم «الإرهابى» هو الوحيد الذى قدم هذه الجماعات الإسلامية من خلال دراسة وبحث لدوافع الأشخاص الذين ينتمون.
أما الدكتور ناجى فوزى - رئيس قسم السينما بالمعهد العالى للنقد الفنى - فينقلنا إلى نقطة أخرى ويرجع ظهور التطرف الدينى فى السينما المصرية إلى اغتيال السادات، ولكن ظلت معالجات السينما حذرة فى مناقشتها للإرهاب والعنف وتطرف الجماعات الدينية، حيث كانت لا تحدد الجهة أو المصدر وراء هذه الأعمال الإرهابية كفيلم «الإرهاب» 1989 لنادر جلال، إلى أن اشتدت ذروة الإرهاب واغتيال «فرج فودة» لتقدم السينما أول فيلم صريح «الإرهابى» ليقول إن العملية الإرهابية التى واجهتها مصر فى أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات مسئول عنها أصحاب اتجاهات الفكر الدينى التى تؤسس للعنف والتكفير وتحل الدماء والأموال.
بينما ترى الدكتورة عزة هيكل - الناقدة الفنية - العكس تماما وتقول: إن مشهد اغتيال ضابط الأمن الوطنى فى مدينة نصر، يجسد الصورة النمطية التى استخدمتها الأفلام دائما فى معالجة ظاهرة التطرف الدينى، حيث اعتاد المؤلفون على تقديم نموذج ضابط أمن الدولة العنيف المتجهم الفاسد والمتهم أيضا بأنه السبب وراء وصول الإرهابى للتطرف الدينى والعنف، وفى المقابل يتم تقديم هذا المتطرف على أنه يعانى من الفقر والجهل والموعود بأوهام لن تتحقق فى الدنيا ولا فى الآخرة.
أكد هيكل أن السينما قدمت الشخصيتين فى الأغلب بنفس النموذج النمطى، ومن ثم لم تستطع هذه الأفلام توثيق مفهوم التطرف الدينى بشكل دقيق إلا فى عدد قليل منها.
ولكن فى نفس الوقت هناك عدد قليل من الأفلام كالمصير والإرهابى حاولا تقديم صورة التطرف الدينى بشكل مختلف، فعندما قدم يوسف شاهين شخصية ابن رشد المستلهمة من التاريخ استطاع أن يرصد من خلالها بشكل أعمق فكرة التطرف الدينى وأنها بدأت ارتباطها بالسلطة، وركز على هذا الثالوث من «مال - دين - سلطة» الذى يشكل المجتمعات منذ بداية الحضارات.
أضافت أن «المصير» وضح أن أى سلطة تحتاج إلى قوة تساندها إما أن تكون سلطة دينية تفرض بها سيطرتها فى حالة سقوط السلطة الأمنية القمعية كما حدث فى مصر بعد الثورة، وإن كان شاهين قدمها آنذاك بلا وعى وليس عن قصدية، حيث لمس وبقوة تلك الثنائية الذى يخشى أى مبدع أن يقع بينها وهى فكرة الاختيار بين السلطة العسكرية الأمنية والسلطة الدينية، لأن المبدع فى كل الأحوال رافض لتلك السلطتين.
وفى نفس الوقت ترى د. عزة أن السينما بحاجة إلى البعد عن السطحية المفرطة فى تسكين شخصية المتطرف الدينى فى نموذج الفرد الفقير الذى تم التلاعب بعقله واستغلال حاجته، لأن هناك أغنياء يتوجهون إلى هذا التطرف لأنها أصبحت تعطيهم نوعا من التميز ومن الطبقية المجتمعية، فإذا كان مجتمع المثقفين يتميز بصفات معينة، فهؤلاء المتطرفون لديهم ما يعتقدون أنه يميزهم عن الآخرين وهو أنهم أكثر تدينا وإيمانا وتقربا من الله على الآخرين، وهو ما عبرت عنه كل القيادات الدينية أو السياسية المنتمية لتيارات الإسلام السياسى خلال العام الماضى.
أما د. محمد كامل القليوبى فكان له رأى مختلف تماما، حيث يرى أنه تم تصدير للمشاهدين أن الأفلام تعالج التطرف الدينى، ولكنها ليست كذلك، فهى مجرد أفلام سارت مع الموجة السائدة فقط، ولكن هذا غير صحيح لأنه حدث خلط بين الإرهاب والتطرف الدينى، فالسينما المصرية أو العالمية غير مهتمة بتقديم موضوعات عن التطرف الدينى، لأن متفرج السينما ليس متطرفا دينيا، وأن التطرف الدينى لا يعالج بأفلام ولكن بطرق أخرى كالتعليم وتطوير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فى البلاد.