كان قرار الاصلاح الزراعي الذي اتخذه عبدالناصر بعد شهور من قيام ثورة يوليو هو واحدا من أعظم القرارات التي اسست شرعية لثورة يوليو التي حولتها من حركة مباركة الي ثورة، ذلك لان الثورة لا تكون ثورة الا إذا هي اعادت توزيع الملكية في المجتمع وما عدا ذلك من تحركات جماهيرية يمكن اعتبارها من قبل الهوجة التي تصدر ضجيجا ولا تنتج طحينا. دون الخوض في جدال نظري قد يطول فان ثورة يوليو قد قامت لعلاج أزمة الطبقة الوسطي المصرية التي لم تستطع ان تتطور في مجال الصناعة لان سوقها الوطني كان ضعيفا لا توجد به قوي شرائية فكان في الاصلاح الزراعي تحقيق لمبدأ العدالة الاجتماعية الذي ورد في برنامج الثورة وكان فيه ايضا ضم لقطاعات شعبية عريضة اصبحت تملك ما تستطيع ان تشتري به احتياجاتها وذلك ما انعش السوق الوطني وطور الصناعة المصرية لان المنتج المصري اصبح يجد له مشتريا. وقياسا علي هذا نستطيع ان نفهم بعض معالم الازمة التي تعيشها مصر هذه الايام فهناك تحرك جماهيري جبار قد حدث في 25 يناير وكان أحد شعاراته هو المطالبة بالعدالة الاجتماعية التي اختلت اختلالا شديدا تحت وطأة شعارات فاسدة مثل الانفتاح وتشجيع الاستثمار ودمج مصر في السوق العالمية.. فتحت وهج هذه الشعارات البراقة تم نزح الملكية المصرية من ايدي الطبقة الوسطي لكي توضع في يد شريحة فاسدة مفسدة! وهكذا فان الشعار الذي رفعته ثورة 25 يناير «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» لم يجد له ترجمة في واقع الملكية حتي الان فقد جنحنا بعيدا لكي نأتي بالاخوان الارهابيين الذين تتركز تجربتهم الاقتصادية في تجارة التجزئة واعمال البقالة،الذين باعوا لنا الوهم تحت شعار تحقيق العدالة الاجتماعية ثم لم نجد من هذه العدالة إلا السعي لتمكين اعضاء الجماعة الارهابية من مناصب الدولة الكبري والذين مارسوا علينا اكبر خداع عرفه التاريخ السياسي فقد اشاعوا انهم يحملون الخير لمصر وان المليارات علي الابواب وان لديهم مشروعا للنهضة وما ان حصلوا علي اصوات المواطنين حتي اعلنوا انهم لم يكن لديهم مشروع ولا يحزنون وتمخضت جعجعة الاخوان عن الاقتصاد الاسلامي وربا البنوك الي مجرد مباحثات مع صندوق النقد الدولي للحصول علي قرض من هذا الصندوق فكأنك أبازيد ما غزوت لان هذا عين ما كان يفعله نظام مبارك وحينما ثبت للجميع ان الاخوان الارهابيين كذبوا حينما اعلنوا ان لديهم مشروعا وان رئيسهم حنث باليمين الذي اقسمه علي احترام الدستور حينما اصدر إعلانا دستوريا علي مقاسه كما كان يفعل ترزية مبارك وأنه لا اجراءات خاصة بحل تناقضات الملكية واختلالات الملكية في مصر وانهم حتي اعجز من ان يصدروا قانونا بالحد الادني والحد الاقصي حينما تبين للشعب المصري ذلك قام بثورته الثانية في 30 يونيو لكي يزيح عن كاهله هذا الكابوس الذي جلبه لنفسه! وها نحن لانزال نسعي في تصحيح الخطأ الذي وقعنا فيه بكل ما يحمله هذا الخطأ من تكلفة بشرية واقتصادية ومن إهدار لعام كامل كنا نحتاج اليه أشد الاحتياج لتصحيح مساراتنا المختلة والتي اوصلتنا تحت شعارات تحرير الاقتصاد الي مشارف التسول الذي نقبل فيه المساعدات الاقتصادية من الاشقاء العرب ورغم ان هذه الدروس أوضح من ان يتوه فيها مبتديء الا اننا لانزال نواصل نفس الاجراءات التي افسدت تجربة مصر في النمو ولانزال عاجزين عن وضع تعريف وشرح لمفهوم العدالة الاجتماعية وحتي لا يطول بنا النقاش فإنني اذكر بأن قانون الاصلاح الزراعي قد صدر بعد شهور من قيام ثورة يوليو فكان خطوة حاسمة علي طريق تحقيق العدالة الاجتماعية.. أما العدالة الاجتماعية التي افرزتها ثورة يناير فقد سلمتها الي الإخوان الارهابيين الذين تبين انهم علي استعداد لحمل اية شعارات مادامت براقة ومادامت ستساعدهم للوصول الي السلطة لقد فشل الاخوان في تحقيق أي هدف لصالح جموع ابناء الشعب المصري وعاثوا فسادا وإفسادا والان هم شامتون فيما صدر من قرارات خاصة بخفض الدعم وارتفاع الاسعار.. نعم انها قرارات صعبة لكن كان لابد من البدء في الاصلاح.. نعم الدواء مر وعلينا جميعا ان نتذوقه.