الحرب فى بر مصر الدائرة على قدم وساق.. والدماء التى لا تجف.. والوطن وقدرته على التقدم للأمام وتحقيق أهداف شعبه المعلنة فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية... كل هذا مستهدف بكافة الوسائل... العنف... الإحباط... الحوارات المسمومة... الدعاية السوداء... هزيمة الإنسان فى مصر داخلياً وهزيمة الثورة والحلم... وتأتى ضربة الإرهاب والعنف الأخيرة لتتكامل مع حملات التشويه والإحباط وفقدان الرجاء في صناعة وطن يتسع للجميع ويقتسم كل أبنائه فى خيراته وثرواته وصناعة قراره. الناس فى مصر يهاجمهم الإحباط والشعور بالعودة الى ما قبل التغيير والثورة والخروج من الشرنقة... الكثيرون يعودون الى الانكفاء على ذاتهم والبحث عن مخرج بالطريقة الشخصية المعتادة عبر خمسين أو ستين عاماً مضت... حزب الكنبة عاد الى الجلوس أمام التليفزيون ومصمصة الشفاه وانتقاد كل شىء ثم الانصراف الى الشأن الخاص... الشباب فى بلادنا لا يرون أنفسهم... لا يرون مخططاً حقيقياً للمستقبل.... تحاصره سوق العمل المحدودة المغلقة... يحاصره تعليمه المنخفض وانعدام القدرة على التطوير... تحاصره مطالبات الحياة بالتحقق والوجود... تحاصره أحلامه التى رآها ماثلة أمامه ثم اختفت تدريجياً حتى أصبحت سراباً وعاد سيرته الأولى فى عدم الاكتراث. أبناء العهد البائد من رجالات الوطنى المنحل الصف الثانى والثالث يسيرون اليوم فى الشوارع يظهرون زهواً ويتفوهون حكمة وروايات وحكايات عن عهدهم البائد العظيم... وأن تلك السياسات هى التى وفرت الاستقرار... والشعب اليوم يبحث عنهم وأنهم عائدون بناء على رغبة الجماهير... يروجون أوهاماً ويصنعون إطارات جديدة لأنفسهم ويتحركون فى «المؤتمر» و«الجبهة المصربة»... والمصريين الأحرار... ويوزعون اللحمة والسكر... ويتحدثون عن الحكومة وكأنها حكومتهم والسياسات القائمة وكأنها برنامجهم... ولم لا وهم يجدون من يبحث عنهم ويدخلهم فى أحزاب وتحالفات بل ويوفر لهم سيولة مالية ويمنحهم قبلة حياة جديدة يصنعونها السير بأستيكة على أعوام الثورة والحلم... لا تندهش وانظر حولك فى القاهرة فى دوائرها المختلفة وفى ريف مصر ستجدهم يتقافزون كهاموش البرك والمستنقعات... إنهم حرامية الدقيق والفراخ والدعم وسارقوا المدافن والشقق والأراضى.... وناهبو ثروات الوطن ودماء الشعب. ثورتان قامتا ونظامان تم اسقاطهما ورئيسان تتم محاكمتهما وأعوام الثورة تمضى... وشعارات الثورة مازالت مرفوعة.... ولكن الفساد يبقى أبياً بعيداً عن المساءلة... الفساد صامد لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه.. دهاليز الفساد وملفات فتحها يحتاج لإرادة سياسية وإرادة فنية وإدارية فى مواجهة البيروقراطية المصرية العتيدة البليدة العاتية... الفساد لا يختبئ إلا فى أضابير الإدارة وبحمايتها وبطرقها المتعددة المبتكرة... إعادة بناء الجهاز الإدارى والبيروقراطى فى مصر هدف كبير من أهداف الثورة يراد دائماً إهداره... البيروقراطية المصرية وتراثها الرائع فى القهر والتسلط والنهب يلقى بظلال قائمة على حياة المصريين وتقطع طريق الأمل والرجاء أمام الأجيال الصاعدة والشباب. أما الإخوان والمتعاطفون معهم ومن لف لفهم فبإصرارهم بث كل الدعايات المسمومة وملاحقة كل خبر وحدث عبر عملية إعلامية منظمة وممنهجة تدل دلالة قاطعة لكل ذى نظر عن حجم المالية الضخمة التى تتحرك خلف تلك الحملات من أجل بث اليأس والاحباط ونشر السخافات مما يفسح الطريق نحو وأد أى قدرة على الحراك أو التنظيم ويقتل تتابعات الثورة التى لا تنتهى فى عام أو عامين فحدث الثورة حدث مستمر وقدرته على الكمون والانقضاض هى ما تشكل قدرته على الحياة والاستمرار لتحقيق الأهداف التى خرج لها الناس واستمرار هذا النوع من البث والاحباط هو انتكاسة لقدرة الناس على بلوغ أهدافهم. تبقى الممارسات الحكومية الخاطئة... فمن عدم تعيين أبناء الفقراء فى وظائف الجامعة والنيابة العمومية الى الاعتماد على وجوه قديمة عكرة ذات ماض فى العهود البائدة الى استمرار دولة الجمود البيولوجى والإعمار المنتهية وصولاً لكارثة ممارسات الشرطة السيئة فى معاملة المواطنين فى الأقسام وعودة تلفيق التهم والاستقواء على البسطاء وأيضاً فساد المخالفات المرورية وهى مسألة يتعايش معها الجميع يومياً...كل هذا يفتح أبواب الهزيمة وعدم الاكتراث والعودة الى الشرنقة لتصبح الغلبة للفساد والمال السياسى والتوجهات المتطرفة. الثالوث غير المقدس من أبناء الوطنى المنحل والإخوان والمتعاطفين معهم والبيروقراطية المصرية يشكلون تحالفاً غير معلن لإجهاض الثورة وإجهاض حلم الحرية والديمقراطية والتسامح والتعايش والشفافية وحقوق المواطنة... هذا التحالف الشيطانى يعمل تحت مظلة العنف والإرهاب وقتل الإرادة المصرية... مواجهته يمتلكها الشعب المصرى بإرادته التى فاجأت وأسقطت الطغاة والجبارين... إرادة الثورة والتغيير والحضارة هى خيارنا الوحيد فى مواجهة الفاشية والفساد والإرهاب... لن يسقط المصريون فى فخ رجالات الخديو توفيق ودعاياتهم المسمومة وإرهاب الإنجليز وعملائهم... المصريون سوف يظلون على صمود عرابى وثبات وشجاعة سعد وحيوية واستمرارية وتحضر مصطفى النحاس... المصريون سوف يصلون لوطنهم الذى يملكونه ويحكمونه بأنفسهم جميعاً.