اليوم.. تبدأ انتخابات الرئيس الجديد، وعندنا خمسون مليون ناخب نتمنى أن يذهبوا إلى الصناديق ليمارسوا حريتهم فى الاختيار، ليمارسوا حقهم فى تقرير من يحكمهم، أى ليؤدوا دورهم فى صياغة مستقبل مصر، فالرئيس لا شك يؤثر تأثيراً بالغاً فى توجيه دفة السفينة، إما إلى مزيد من التخلف، وإما إلى مزيد من التقدم، إما إلى مزيد من الجمود والتكلس كما كان العهد مع صاحب الضربة الجوية. يا عزيزى.. كلنا مسؤول.. ولاعذر لنا فى التكاسل أو عدم الاكتراث، فأول الواجبات هو أن تذهب للاختيار. ثانى الواجبات أن تختار بضميرك.. تختار بموضوعية.. أن تحكّم عقلك فلا تنساق وراء الدعاية المفرطة، ولا تفتنك فقط الشخصية الجذابة، ولا تخدعك الخبرة الطويلة. بعض المرشحين مثلاً تمطرنا حملته بالحديث عن برامجهم الطموحة وبأنهم سيحققون المعجزات، ويفشل الجميع فى التفرقة بين الأهداف والبرامج، فالهدف غاية تريد الوصول إليها، أما البرنامج فهو خطوات عمل أو خطة تقودك إلى الهدف.. كلنا نستطيع الزعم بأننا سنستعيد الأمن فى 24 ساعة أو أقل.. هذا ليس برنامجا.. هذا هدف والسؤال هو: ما الخطوات والخطط والبرامج التى ستضمن الوصول إلى الهدف، وأى خطة لابد أن تحدد بالإضافة للهدف الأعمال والخطوات والتكاليف والمعوقات ومصادر التمويل ومؤشرات المتابعة ومقاييس النجاح. التاريخ النضالى للمرشح ومشاركته فى المقاومة ثم فى الثورة على مدى السنين الطويلة أمر يحسب لأى إنسان فى ميزان عطائه للوطن ودفاعه عنه بمواجهة الاستبداد والفساد. هذا أمر مهم جداً وبالتالى فكل الثوار فى 25 يناير لهم الحق كل الحق فى أن نعترف بفضلهم، وأن نعظّم أقدارهم وأن نستفيد من تجاربهم وآرائهم، ومن المؤكد أن بينهم من تتوافر فيه الصفات المطلوبة لقيادة سفينة البلاد، وسوف نختاره رئيساً بالتأكيد، على أنى أود التأكيد على أنه ليس كل الثوار يصلحون رؤساء، وإلا كان عندنا ملايين الرؤساء، فالنضال والثورة يؤكدان الإخلاص والشجاعة، ولكنهما لا يدلان بالضرورة على حسن الإدارة أو الحنكة فى قيادة السفينة. ولذلك فإننا حين نختار لا نختار فقط تاريخاً نضالياً وسجلاً ثورياً، وإنما نختار قدرة على القيادة ورؤية واضحة للمستقبل.. مرة أخرى نريده قائداً قديراً وسياسياً ماهراً وإنساناً ناضجاً إلى أعلى درجات النضج، رئيساً لا يسكره نصر، ولا تسحقه هزيمة. وقد كتبت ذلك من قبل وهأناذا أقدم الدليل على ما قلناه سابقاً، فالذين أسكرهم النصر فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة تمادوا فى غيّهم وتوسّعوا فى أحلامهم السلطوية حتى باتوا لا يرون إلا أنفسهم، فخسروا أنفسهم وخسروا الشارع، وخسروا الكثيرين من مؤيديهم. الرئيس أيضاً يُعرف من معاونيه.. «قل لى من معاونوك أقل لك من أنت» ولذا أنا أطالب السادة المرشحين جميعاً أن يعلنوا فوراً عن كبار معاونيهم، فهذا الإعلان يساعد فى الاختيار. إن القائد الذى يسىء اختيار معاونيه سيكون مصيره الفشل هو ومعاونوه. أمر آخر جدير بالانتباه، وهو مسألة المرشحين المحسوبين على النظام السابق. لا شك أن لديهم الخبرة الطويلة وربما قصص النجاح، وأكيد قصص أخرى للإحباط كأى إنسان فى موقع المسؤولية. أحياناً يقول مثل هذا المرشح إنه مرشح جاهز وعنده قصة نجاح وشارك فى العمل السياسى لسنين طويلة.. كل هذا جميل، ولكنى أنصح هؤلاء بأن يتحدثوا أكثر عن كيف يخلعون عباءة النظام السابق، فهو نظام أقر الجميع بفشله، وعليهم إقناعنا أيضاً بأنهم قادرون على التفكير الجديد والسياسات الجديدة والسعى لتحقيق أهداف جديدة.. عليهم إقناعنا بأنهم مؤمنون بأهداف الثورة وقادرون على تحقيقها. وماذا أيضاً؟ أنا لا أريد أن أكتب دليل الناخب الذكى فى الاختيار، أو «كيف نختار رئيساً بدون معلم؟» ولذا أكتفى بهذا القدر، وإلى عودة فى جولة الإعادة إن شاء الله.