إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين قد سرقت ثورة يناير من أجل خطف السلطة في مصر وإقصاء كل القوى المناوئة لها فإن الجماعة الإعلامية قد سرقت ثورتي يناير ويونية من أجل مصالح أعضائها، خاصة البارزين منهم بحكم الانتشار وليس القيمة.. يعني الإعلام بمنطق شعبولا وعكشة وموسي وليس بقيمة أم كلثوم وأحمد بهاء الدين مثلاً.. وفي تصوري أن ما وقع على مصر من أذى وما تتعرض له من مخاطر بسبب حالة الغباء والتخلف والعنف الإخوانية ليس أقل خطراً مما تتعرض له على يد جماعة الإعلاميين الذين تركوا مصر في غرفة الإنعاش تعاني من ذبحة اقتصادية وتعليمية وثقافية بسبب تضخم الشرايين السكانية وانتشار فيروس الإسلام السياسي وتلوث الدم بالفساد.. تركوا كل ذلك وتفرغوا لإغراق الناس في الجدل حول «هل ما حدث في يناير ثورة أم مؤامرة»، وهل شباب يناير ثوار أم نحانيح؟.. تفرغ أعضاء الجماعة الإعلامية، خاصة مشاهير الغفلة منهم لشد الناس باتجاه مستنقع الإقصاء والتطرف وعدم قبول الآخر والصراع المذهبي من خلال طرح موضوعات أقل ما توصف به أنها تنم عن جهل وتخلف هؤلاء الذين يطلون على جمهور المصريين كل ليلة بألسنتهم المسممة وطلتهم الممجوجة وكل صباح بأقلامهم الصدئة وأفكارهم الفارغة.. وأمام هذا المشهد المأساوي توجد دولة تواجه العنف الإخواني بكل ما تملك من قوة أمنية وتحاول قدر استطاعتها تجفيف منابع الإرهاب والعنف في مصر, أما فيما يتعلق بالجماعة الإعلامية التي اختلط في تكوينها الإعلامي بالمثقف بالشخصية العامة نظراً لأن الإعلام بعد يناير 2011 أصبح سوقاً رائجة لنخاسة الذمم التي تدر على أصحابها أموالاً طائلة من الداخل ومن الخارج.. فإن الدولة عاجزة عن التنظيم وعاجزة عن تسمية الأشياء بأسمائها فيما يتعلق بالمشهد الذي لم يعد إعلامياً وإنما أصبح «دولة إعلام» موازية في وجودها للدولة بمفهومها السياسي.. دولة الإعلام خارج سيطرة دولة السياسة والإدارة - رغم تحالفهما المؤقت - والضحية بين الدولتين ذلك المجتمع الذي تعرض ومازال لعدوان الإرهاب والإعلام وعجز الدولة عن الحماية والنتيجة أننا أمام مجتمع «فاشل» في أن يتعرف على نفسه ويحدد منظومة قيم يعيش عليها ويتفاعل إيجابياً من أجل مستقبله.. وأعتقد أن كارثة الكوارث وأم الكوارث أن نصل إلى حالة «المجتمع الفاشل» وهو المصطلح الذي ابتكره بعبقرية الباحث الكبير دكتور - حيدر إبراهيم - لأن الدولة الفاشلة من الممكن إصلاح فشلها أو الثورة عليها من أجل التغيير - أما المجتمع الفاشل فإنه يصل إلى حالة الفشل بعد عقود طويلة من تراكم الجهل والتخلف والفساد والاستبداد السياسي والتضليل الثقافي والإعلامي - وقمة الفشل عندما تتجه الجماعة الإعلامية مدججة بمثقفي آخر الزمان ومحللي الأفراح والأحزان للسطو على هذا المجتمع المهلهل واللعب به وبمقدراته مثلما يتقاذف محترفو القتل في داعش رؤوس ضحاياهم.. مشكلة المجتمع الفاشل أنه يحتاج إلى نصف قرن للخروج من مستنقع فشله بعكس الإرهاب الذي يمكن أن تتخلص منه الدولة في عام أو عامين أو خمسة أعوام على الأكثر، ولذلك فالجريمة المتورط فيها الجماعة الإعلامية بالاستمرار مع سبق الإصرار في تمزيق المجتمع الممزق وتفتيت الهوية الرخوة وزعزعة إيمان الناس بحقيقة وطنيتهم وعقيدتهم هي جريمة أبشع في نتائجها وآثارها من الفعل الإرهابي والجماعة الإرهابية - لقد أسقطنا حكم الإخوان المتخلف خلال عام واليوم نواجه عنفهم وسنتغلب عليهم - وستبقي أمام الدولة المشكلة الأكبر.. كيف نتقدم ونتطور كمؤسسات وكمجتمع.. كيف نتحرر من الجهل والتخلف والانقسام.. متى نصل كبشر إلى حالة حضارية نحترم معها القانون ولا نخشاه ونحترم معها الحاكم ولا نهابه.. والسؤال الأخير للدولة القائمة الآن.. هل يمكن أن نأمل في تحقق ذلك في ظل خطرين يطحنان مصر.. إرهاب الجماعة الإخوانية وحماقة الجماعة الإعلامية.. أشك.