قالوا إنها أم الدنيا.. ومهد الحضارة.. وأرض الكرم.. وسموها «درة الشرق» و«تاج العلاء» و«قلب العروبة».. دا كان زمان. الآن لم يعد لمصر شيء من هذا كله.. فلا هي أم الدنيا.. ولا درة ولا قلب، حتي قول يوسف عليه السلام «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» لم يعد ينطبق علي مصر اليوم. فبعد مرور 8 أشهر من حكم الإخوان تطاولت علي مصر إمارة في نصف حجم شارع شبرا اسمها «قطر»، إما المشهد السياسي الداخلي فمروع، والمشهد الاقتصادي مفزع، والمشهد الأمني مخيف؛ أما حدود مصر فسداح مداح.. والسؤال: محمد مرسي رئيس مصر فين؟ وماذا يفعل؟.. وكيف يستحل راتبه ومواكبه وحرسه وقصوره؟ مرت 8 أشهر من حكم الرئيس محمد مرسي ولم يتحقق شيء من الوعود والعهود الرئاسية.. السلطة التنفيذية تفرغت لتحقيق سيطرة الإخوان واستحواذه علي مقدرات الدولة ومفاصلها، وصارت الجماعة فوق الوطن ولم تتوقف الكارثة عند هذا الحد.. فالخسائر الاقتصادية 100 مليار جنيه عام 2012، وأمام هذه الكوارث الاقتصادية جميعا يصبح السؤال الأكثر إلحاحاً هو الرئيس «مرسي» فين؟.. والحكومة فين؟.. وماذا يفعل هؤلاء جميعاً؟ ومن يطالع المشهد السياسي سيجده كارثياً أيضاً.. فالدماء تتفجر في بورسعيد والمنصورةوالقاهرة.. والمظاهرات لا تتوقف وسحل المواطنين لا ينتهي وقطع الطريق عرض مستمر وصدامات الشرطة والمتظاهرين صار معلماً من معالم شوارع مصر من الإسكندرية حتي أسوان.. والسؤال: «مرسي» فين.. والحكومة فين؟ ولو وسعت زاوية رؤياك ونظرت إلي حدود مصر ستجد عجباً.. ففي حدودنا الشرقية لا يوجد للدولة أثراً.. الأنفاق مع غزة تعمل بلا توقف وأغراب يتسللون إلي سيناء ويقيمون إمارات مسلحة ومناطق نفوذ. وفي الغرب الدولة غائبة تماماً لدرجة أن ليبيا عندما منعت دخول المصريين، ورد البعض بمنع إدخال الشاحنات المصرية لم نجد للدولة أثراً وظلت الأزمة مشتعلة وتراصت الشاحنات بطول عدة كيلومترات حتي تدخل قادة قبائل مطروح ونزعوا فتيل الأزمة. والسؤال للمرة الثالثة «مرسي» فين.. والحكومة فين؟ وصلت نسبة البطالة إلي 24٪ بين الشباب ووصل الدين المحلي إلي 1٫3 تريليون جنيه؛ أما الدين الخارجي فوصل إلي 35 مليار دولار؛ وقفز عجز الموازنة العامة للدولة إلي 200 مليار جنيه، وتراجع الاحتياطي النقدي إلي 15٫5 مليار دولار، والقطاع الزراعي انهار بشكل كبير بسبب انخفاض استزراع الرقعة الزراعية، والبناء علي مساحات كبيرة من الأرض الزراعية؛ وواصل قطاع السياحة مسلسل الانهيار ولم يعد يعمل سوي ب 15٪ فقط من طاقته، ووصلت خسائره إلي ما يقرب من 2 مليار دولار. ويقول الكاتب والمفكر السياسي الدكتور صلاح عيسي، «إن رئيس الدولة ليس لديه أي استعداد لإحداث إصلاح حقيقي في المجتمع وهو ما يزيد من الأمر تعقيداً بل إن الرئيس نفسه وراء افتعال الأزمات مع جبهة المعارضة بغرض تهميش دورها باتباع سياسة العناد مع كل من يخالفه في الرأي.. وهذا هو مكمن الخطر واستمرار الأوضاع بهذا الشكل السييء ينذر بكوارث قادمة». ويقول الدكتور محمود خليل - المفكر وأستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة؛ منذ تقلد الرئيس «مرسي» وحدث تراجع واضح في دور الدولة علي المستوي التنموي وهو أمر طبيعي؛ لكونه لم ير إلا جماعته ومن ثم يتفق مع الفكر الإخواني الذي يقوم علي مفهوم إقصاء الدولة وتغييب دورها تماماً وهو ما جعل المواطن مسئولا عن توفير كل الخدمات التي يحتاج إليها وجهاً لوجه أمام الشركات الخاصة التي تقدم خدمات الأمن ومروراً بالخدمات الصحية والتعليمية وانتهاء بالخدمات المعيشية؛ بخلاف تحميل المواطن فواتير الكهرباء والمياه مرتفعة التكلفة؛ فالحكومة تخلع يدها تماماً عن تلبية احتياجات المواطنين. ويستغرب الدكتور «خليل» من التفكير في استخدام الكروت الممغنطة كأداة لترشيد الكهرباء للمواطنين علي ان يشحن هذا الكارت بمبلغ مالي معين شهريا والأمر نفسه ينطبق علي المياه. وقال: يمكن إطلاق مسمي جديد علي مصر وهي دولة الكروت الممغنطة التي تطرح الآن علي بطاقات التموين ثم طرحت علي مستوي الحصول علي المحروقات أو المشتقات البترولية كالبنزين والسولار؛ ثم لينتقل من النشاط الاقتصادي إلي نشاط آخر بدرجة من الخفة والرشاقة التي يحسد عليها النظام الحاكم؛ وأتصور ان هذا الأمر سبب أساسي من الأسباب التي تدفع الشارع المصري إلي الاشتعال في اللحظات الحالية هو إحساس المواطنين بأن الدولة تخلع يدها شيئاً فشيئاً، والمواطن أصبح يشعر بغياب الدولة بصورة كاملة حتي في مجال الأمن، فالمؤسف ان هناك حديثاً هذه الأيام عن الميليشيات الخاصة كجماعات ومجموعات آلية. تقوم لحماية القوي والأحزاب والتيارات السياسية.. كما ان هناك حديثاً عن شركات الأمن الخاصة والمطالبة بضرورة تفعيل دورها في الحماية؛ فالكثير من المنشآت تتكفل اليوم بحماية نفسها سواء بميليشيات من العاملين بها أم من شركات الأمن الخاصة.. فنظام الحكم الإخواني بد للمواطنين بعد ثمانية أشهر من حكم الرئيس محمد مرسي، وكأنه خلع يده تماماً أو كأنه رفع علي الوطن قضية خلع.. فمصر مكروهة من جماعة الإخوان ويريدون أن يشطبو اسمها من التاريخ وانطلاقاً من العديد من الأفكار الراسخة لديها بأن جنسية المسلم هي عقيدته وليس الأرض التي ينتمي إليها وبالتالي هم يمتلكون مشروعاً إسلامياً يهدف الي تغييب مصر أو ان يجعلوها عاصمة للخلافة الإسلامية، والدليل علي ذلك هو التقارب من النظام الحالي ودولة إيران، فالمعروف ان مصر كانت عاصمة الخلافة في عصر الدولة الفاطمية وقد كانت وقتها دولة شيعية وبالتالي محاولة إيقاظ هذا الحلم يمكن ان يفسر هذا التقارب الذي حدث مؤخراً ما بين نظام الحكم الحالي والنظام الإيراني. وتوقع الدكتور «خليل» ان تشهد الفترة القادمة رحيل رأس نظام الحكم الإخواني وجماعته وقال: سوف تشهد الأيام القادمة نهاية الجماعة إلي الأبد.. فالجماعة عبر مراحل تاريخها المختلفة ابتليت علي مستوي التنظيم منذ نشأتها عام 1928 وحتي قيام ثورة 25 يناير 2011 بتوقيع ضربات منظمة إلي جماعة الإخوان كتنظيم هذه الضربات كانت تزيدها قوة، ولكن بعد الثورة جاء المشروع الإسلامي منذ الوهلة الأولي واكتشفنا ان هذا المشروع وهم كبير حاول الإخوان ان يروجو له كجزء من الدعاية الانتخابية لمرشحيهم في المجالس النيابية ثم كجزء من الترويج الانتخابي لمرشحهم في الانتخابات الرئاسية؛ ومع كل هذا سقطت الفكرة وعليه ستضيع الجماعة. ويؤكد الدكتور «خليل» انه لن يكون هناك مستقبل للإخوان في مصر. وقال: الشعب هو الذي سوف يقرر مصيره دون قهر أو فرض إملاءات من أحد.. وهذا ربما يحدث في خلال أشهر معدودات؛ لكنه قادر دائماً علي الإفراز. وأضاف ان كثيرا ما تتدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية في شئون مصر ومؤخراً أرسلت المندوب السامي جون كيري وزير الخارجية الأمريكي لإيجاد البديل المناسب الذي يمكنه إدارة شئون البلاد وللقاء مع كل الأطراف المتصارعة.. وكان آخر لقاء لوزير الخارجية الأمريكي مع مدير المخابرات العامة المصرية، وتناقلت هذا وسائل الإعلام ولكن هدف الزيارة كان للإطمئنان علي الحالة العامة للبلاد ومعادلة القوة بين الأطراف المختلفة المتصارعة في مصر. وأكد الدكتور «خليل» ان الكوادر الإخوانية التي تصدرت المشهد خلال الفترة الماضية فشلت. وقال: كوادر الإخوان فاشلة وعاجزة عن أن تفعل أي شىء أمام الاستحقاقات المعقدة التي تجول وتطول في المجتمع علي كافة نواحي الحياة. مضيفاً ان الصراعات والتفاعلات التي تحدث في الشارع المصري حالياً تؤكد ان المجتمع لم يمت وبالتالي يجب ألا نقلق منها؛ بل ينبغي ان نسعد بها ونطمئن بأن المستقبل سوف يكون بيد الشعب وحده، فقد إرادت الانتفاضة الشعبية ان تبعث برسالة معبرة بان الشعب المصري ليس جثة كما تصور البعض، وإنما مازال علي قيد الحياة. مؤكداً ان الرئيس محمد مرسي منذ يناير الماضي وهو لم يحكم البلاد منذ وقتها بل إن البلاد تدار من مكتب إرشاد جماعة الإخوان. ويقول الكاتب الصحفي سعد هجرس، تجربة الحكم الإخوانية أثبتت منذ تولي الرئيس محمد مرسي ضعف الرئيس في إدارة شئون الدولة لاستخدامه نفس الأساليب التي كان يستخدمها العهد البائد، حيث إن الرئيس يتخذ كل السياسات العاجزة المرتبطة بتخلف شديد في المهارات، نظراً لاتباعهم الأسلوب البيروقراطي الاستبدادي التي عادة ما تلجأ إليها جماعة الإخوان ورئيسها سواء باستخدام أجهزة القمع أو ميليشيات الجماعة بما لا يؤهلهم للتعامل مع المشاكل المجتمعية والسياسية المتأزمة حالياً. وأضاف أنه وصل الأمر لصدور العديد من الفرمانات التي تفتقد لسياسات واضحة المعالم، بينما لم يحاول الرئيس التفكير في حلول سياسية سليمة تنقذ البلاد من كبوتها، وبالتالي تزداد حالة الاحتقان في الشارع المصري، وهو ما أدي إلي ظهور غضبة الشعب كرد فعل علي هذه السياسات القمعية الخاطئة التي يتبعها الرئيس مع مختلف المحافظات الغاضبة التي بدأت بالقاهرةوالإسكندرية للتسع دائرة التمرد وتطول بورسعيد والمنصورة والمحلة وطنطا اعتراضا علي النظام الحالي الذي يؤمن بنظرية المؤامرة، وينظر الي معارضيه كمتآمرين عليه، وهو ما يساعد بالتأكيد علي تفاقم الأزمات التي يعاني منها المواطنون. ووجه «هجرس» رسالة للرئيس محمد مرسي: قائلاً: «ارحل أنت وعشيرتك فأنتم فقدتم شعبيتكم في الشارع وبقاؤكم في السلطة الآن أصبح أمراً غير جائز». وقال الدكتور أحمد يحيي - أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قناة السويس: السلطة الحاكمة أطلقت الكثير من الوعود ثم لم يتحقق شىء منها واهتمت بالصراعات السياسية والسيطرة علي مفاصل الدولة والحصول علي أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية، فلم يتخذ أي إجراء أو قرار يمكنه علاج مشاكل المواطنين خاصة ما يتصل بالعدالة الاجتماعية أو توفير سبل الحياة الكريمة أو علاج مشكلة البطالة أو الإسكان أو المرور بل زادت المأساة بظهور مشاكل جديدة في ظل هذه السلطة الحاكمة التي لم تنجح إطلاقاً في توفير الأمن للمجتمع والتي نتج عنه حالة البلطجة في الشارع المصري بالخروج علي القانون. وأضاف الدكتور «يحيي» أصبح الكل يعاني من مشكلة توفير الوقود ورغيف الخبز، علاوة علي المعاناة من ارتفاع الأسعار والشعور بالخوف من المستقبل، فضلاً عن تردي الأوضاع الاقتصادية والتي تمثلت في انخفاض الاحتياطي من العملة الصعبة إلي أدني مستوي وانخفاض التصنيف التأميني وعجز ميزان المدفوعات وانخفاض قيمة العملة المصرية حتي بلغ العجز في الميزانية العامة منذ الثورة وحتي الآن إلي ما يزيد علي 180 مليار جنيه، ومع هذا لم تقدم السلطة السياسية أي مبادرات حقيقية لحل هذه المشكلات المجتمعية؛ ناهيك عن غلق أكثر من 2000 مصنع وتشريد العمال وانخفاض الإنتاج وسوء توزيع الخدمات.. كل هذا يدفع البلاد نحو مزيد من الصراع والاضطرابات ويخلق حالة من الشعور بعدم الأمان أو الأطمئنان لهذه السلطة الحاكمة. ويتوقع الدكتور «يحيي» تصاعد الاضطرابات والاعتصامات. وقال: ربما يصل الأمر إلي عصيان مدني عام، إذا استمر قهر الإخوان وجشعهم نحو السلطة. الدكتور محمد زارع - المحامي ورئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، قال: الأزمة السياسية التي تعيشها مصر اصطحبت بأزمة اقتصادية واحتجاجات اجتماعية وتظاهرات يتخللها أعمال عنف وشغب تنتشر في مختلف المحافظات؛ وهو ما أظهر عجز الرئيس عن إدارة شئون الدولة عن تحقيق مطالب المواطنين.. ولكن إذا استمرت الأزمات السياسية بهذا الشكل المخيف وسيعلو سقف الاحتقان والعنف سيزداد وسيأكل الأخضر واليابس وستحول مصر إلي دولة خراب. أكد الدكتور «زارع» أنه مازال هناك آمل وفرص حقيقية للتغيير والتطوير. وقال الدكتور «زارع» نحن نحتاج لتدخل العقلاء والحكماء لرأب الصدع وتجميع شتات الشعب المصري ومحاولة النهوض بأفراد المجتمع ومؤسساته مرة أخري، وهو ما يتطلب توافر النوايا المخلصة واعتراف الرئيس بكل الأخطاء والسقطات التي حدثت في الماضي ومحاولة تداركها وفتح صفحة جديدة مع المعارضة والشعب المصري من أجل النهوض بالوطن. عصام الشريف - المنسق العام للجبهة الحرة للتغيير السلمي؛ قال: نظام الحكم الإخواني وجماعته يقتلون زهرة شباب مصر الثائر الذي خرج في جميع المحافظات دفاعاً عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وضد عودة دولة الظلم والقمع والاستبداد والاستغلال في ظل وزارة داخلية عادت لسابق عهدها لقتل وسحل وتعذيب واعتقال الشباب ومعارضي النظام؛ كما خرجت أيضا مدن ومحافظات بأكملها تهتف بملء الحناجر بسقوط النظام لتبدأ دائرة الاحتجاجات من بورسعيد عصياناً مدنياً شعبياً لم تشهد مصر مثيله كثيرا، كل ذلك في مقاومة واضحة لنظام لم يعد همه سوي مزيد من إفقار وتجويع الشعب وإرهابه وقمعه باستخدام سياسة الكرباج، وهو ما يدل بالتأكيد علي عجز الإخوان عن إدارة شئون الدولة فنجد الوزير محمد إبراهيم جزار داخلية الإخوان الجديد يقتل بلا رحمة أكثر من خمسين مواطناً بورسعيدياً في أسبوع واحد ويتهمهم بالبلطجة وكأن التاريخ يعيد نفسه ولا أحد في السلطة يتعلم شيئاً من أخطاء الماضي. وأضاف «الشريف» ان حالة العصيان المدني زادت بشدة في كافة المحافظات، فلم تكن بورسعيد استثناء في هذا الشأن بل دخلت المنصورة وطنطا والمحلة وغيرها علي خط المواجهة الأمامية ضد سلطة الحكم، حتي وصل الأمر لقيام ميليشيات الداخلية بمساعدة ميليشيات الجماعة تحت إشراف وزير الداخلية الحالي بدهس الشباب بمدرعات الشرطة وقتلهم بالرصاص الحي والخرطوش في مجزرة جماعية ضد شباب مدنية المنصورة البواسل، كل هذا أدي إلي زيادة حالة الاحتقان في الشارع المصري ضد سلطة الإخوان التي تستخدم العنف لقمع احتجاجات المصريين وتشريدهم وسحلهم والقبض عليهم، وكان آخرهم عمال مصنع «فرج الله» وغيرهم الكثيرين. وأضاف «الشريف» النظام الإخواني الغاشم فقد شرعيته، والنضال والمقاومة السلمية ستستمر من أجل إسقاطه ونحن في طريقنا لاستعادة ثورتنا وتحقيق أهدافها.