إنه بكل بساطة إرهاب يستهدف وأد أي فرصة في مهدها لرئيس إسلامي, قبل أن تنقلب الفرصة إلي نجاح محتمل. ينمو ويتحول إلي كابوس لا يحتمله الثورجية الذين تاجروا بالثورة قبل أن ينقلبوا عليها. وعندما أتت لهم الديمقراطية بمن يكرهون, أصبحوا يقولون إن الديمقراطية لا تعني صندوق الانتخاب. وكنت قد ذكرت الأسبوع الماضي أن العلمانيين عندما شاركوا في الثورة علي مبارك, كان ذلك علي خلفية خناقة داخل البيت العلماني الواحد, أو خلاف بين وجهي العملة الواحدة علي طبيعة الدولة الأمنية المستبدة.. هل تكون بوليسية أم وسائطية؟ كانت خناقة علي الميراث, سعي خلالها أنصار الدولة الوسائطية إلي تأمين نصيبهم من الكعكة, قبل أن يجهز عليها أقاربهم من أنصار الدولة البوليسية. ولم يتصور الطرفان أن يأتي الغريب( الإسلامي) لينازعهم في الميراث. وفور أن وجدوا أنفسهم عاجزين عن الصمود أمام هذا العدو المشترك, وبعد أن فشلت كل محاولاتهم الانقلابية عليه عسكريا وقضائيا, لم يبق أمام الطرفين إلا خيار الإنقلاب البلطجي, فعادا للتحالف معا, وجندا كل ما لديهما من إمكانات مادية ودعائية لمعركة فاصلة تعيد لهما إحكام قبضتهما علي مصر, وبعد ذلك يتعاركان فيما بينهما علي الميراث. المهم إقصاء الغريب أولا. إن ما قامت به ميليشيات الإرهاب في الأيام الأخيرة هو تجسيد صارخ للحقد العلماني الأعمي علي الإسلاميين, وللعنصرية السياسية التي حظرتهم سياسيا وإعلاميا قبل الثورة, وتطورت بعد الثورة إلي محاولات لا تتوقف لوأد الديمقراطية التي أتت بهم. إن الثورجية يبحثون دائما عمن يستقوون بهم ضد خصومهم.. أي طرف يستقوون به إلا الشعب. استقووا قبل الثورة بالإخوان ضد نظام مبارك, وكانوا كثيرا ما يتهمون الإخوان بالتقاعس عن النزول إلي الشارع للثورة ضد النظام, لعلمهم أنها مهمة مستحيلة دون مشاركة إخوانية, وهو ما أكدته ثورة يناير. وفور خلع مبارك, وانتفاء الحاجة إلي الإخوان, أطلقوا عليهم حربا إعلامية ضارية, لم تتوقف يوما واحدا طوال العامين الماضيين, لشيطنتهم واغتيال شعبيتهم, وإزاحتهم من الطريق حتي تستفرد الدولة الوسائطية بالسلطة. هذه المرة استقووا بالقضاء وبالمجلس العسكري علي الإخوان, وجاء حل البرلمان و الإعلان الدستوري المكمل كثمرة لهذا الاستقواء. وعندما وصلت الأمور إلي الاختيار بين مرسي وشفيق, خدعونا فقالوا إنهم عصروا علي أنفسهم ليمون من أجل التصويت لمرسي. وهنا نصل إلي إجابة السؤال الذي أنهيت به مقال السبت الماضي. فالحقيقة أنهم صوتوا لمرسي من منطلق نفعي بحت لا علاقة له بالثورة. المسألة ببساطة أنهم إعتبروا شفيق( القريب) عقبة أمام تكويشهم علي السلطة أكبر من مرسي( الغريب), لأنه إذا فاز شفيق بالرئاسة فسيأتي ومعه دولة مبارك البوليسية بكل عنفوانها وجبروتها, وجماعة جمال مبارك بكل نفوذها وسطوتها, وسيتخلص بجرة قلم من المجلس العسكري. أما مرسي, فقد كانت نظرتهم له أنه لا حول له ولا قوة, وأنه لن يجرؤ علي مواجهة المجلس العسكري, وأنه سيكون مجرد خيال مآتة بينما المجلس هو الحاكم الفعلي, وأن وجود رئيسين للمركب سيؤدي إلي غرقها وتحميل مسئولية ذلك للرئيس المنتخب, أو علي الأقل فإن يد الرئيس المغلولة ستؤدي إلي فشله, وهو المطلوب. ولذلك جاء قرار الرئيس بإحالة قادة المجلس إلي التقاعد في أغسطس الماضي بمثابة ضربة قاسية مفاجئة ومؤلمة, أصابت المخطط الجبهوي في مقتل. ومنذ ذلك الحين وبعضهم يعلن ندمه صراحة علي المشاركة في الثورة, بينما البعض الآخر يخطط لإعادة العسكر إلي الحكم والانقلاب علي مرسي, هذه المرة من خلال الاستقواء بمئات الآلاف من بلطجية العادلي وأمن الدولة, وأطفال الشوارع والعشوائيات. وكل ما جري من أحداث عنف وقتل وحرق وسلب ونهب علي يد الميليشات العلمانية الإرهابية, يصب في هذا الاتجاه. أما وسائط التضليل من صحف وفضائيات, فهي لم تقصر في التحريض والتأجيج بما يضمن استمرار العنف, وفي توجيه اللوم علي كل ما يجري فقط إلي الرئيس والإخوان, وهو استخفاف بالعقول يشير إلي خاصية أخري متأصلة في الهوية العلمانية, إضافة إلي الاستبداد والكبر والعنصرية, ألا وهي البجاحة التي هي نقيض الحياء.. فكلما قل الحياء زاد التبجح. وطبقا لمن يمارسون هذا الاستخفاف, كان منطقيا للشعب أن يصبر علي حكم العلمانيين سبعين سنة, والذي لم يجلب لها سوي الخراب والفساد والتخلف وانتهاك كرامة الانسان, ولكن غير مقبول الصبر علي رئيس إسلامي سبعة أشهر.. صحيح أن العلمانيين ليس لديهم اليوم أية حلول لمشكلات وأزمات مصر, ولكن المهم إسقاط أو إفشال مرسي أولا, ثم بعد ذلك نفكر في الحلول. خذ أيضا من مظاهر الاستخفاف تصريح مرشح خاسر أن شرط الحوار هو وقف نزيف الدم واحترام إرادة الشعب, وهو نفسه الذي قال من قبل إنه لن يعترف بالدستور حتي لو وافق عليه الشعب.. أو عضو الجبهة الذي يهدد بتصعيد العنف إلي حد إسقاط النظام والرئيس والجماعة. وهنا تبدو المشكلة واضحة في أن كل من صدرت عنهم هذه الأقوال لا يعترفون أصلا أن هناك شعبا سوي من يتفقون معهم, وأن الملايين التي تقف وراء الرئيس والنظام لا وزن لها, وبالتالي فإن إسقاط الرئيس والنظام والجماعة بالبلطجة والارهاب, أمر قابل للتحقق. هؤلاء لا يفهمون أن القضية بالنسبة لهذه الملايين ليست مرسي أو الجماعة. القضية هي: كيف يمكن أن تقوم لمصر قيامة بعد اليوم, وهي تبدأ عهدها الجديد بوأد الديمقراطية في مهدها؟ المزيد من مقالات صلاح عز