القهر المستدام، والحصاد المر الذى حصده المصريون على مدار عشرات السنوات، مرجعه إلى التوجه العلمانى، وهيمنة النخب العلمانية: فكريا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا وأخلاقيا وإداريا، على تسيير آلة الدولة المصرية ومؤسساتها. فدولة الملك كانت علمانية ليبرالية، ينخر كل من الفساد والعمالة للمستعمر فى كل ركن من أركانها, ودولة عبد الناصر كانت علمانية يسارية ومستبدة وظالمة وإقطاعية، ودولة السادات كانت علمانية ليبرالية وكذلك مستبدة وفاسدة، ودولة حسنى مبارك كانت علمانية وكانت مستبدة وفاسدة وعميلة. كلها كانت أنظمة علمانية وكانت مستبدة وكانت فاسدة، وأكثرها كان عميلا لتوجهات تغريبية وغريبة عن المصريين وتوجهاتهم، ولم يجن منها المصريون إلا الجوع والقهر والهزيمة والتخلف؛ باعتبار مانحن عليه الآن؛ فالعبرة بالنتائج. وكلها كانت أنظمة تستند إلى مساندة ودعم الرموز العلمانية منزوعة القيم: المفكر العلمانى والكاتب العلمانى والمثقف العلمانى والسياسى العلمانى والفنان العلمانى. كلها كانت أنظمة يدافع عنها باستماتة المفكر العلمانى والمثقف العلمانى والكاتب العلمانى والمبدع العلمانى والفنان العلمانى والناشط العلمانى؛ فكان من الطبيعى أن تكون جميعها معادية للفكر الإسلامى والتوجه الإسلامى والحضارة الإسلامية، والتى هى روح الدولة المصرية. وكل الأنظمة العلمانية السابقة بسدنتها العلمانيين السابقين واللاحقين تآمروا وتوافقوا على كون المكان الطبيعى للمفكر الإسلامى والمثقف الإسلامى والناشط الإسلامى هو خلف أسوار السجون والمعتقلات، وعلى كون المصريين ليس لهم الحق أو الأهلية فى أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، أو أن يختاروا لأنفسهم بأنفسهم، وعلى كون المرجعية الإسلامية لمصر مكانها كتب التراث وذات الصدور. حتى تعايش المصريون مع واقع مهين فرضته الوثنية العلمانية وكرسته الأنظمة العلمانية الاستبدادية والفكر العلمانى المتغطرس: أنت إسلامى إذن أنت مشروع إرهابى خارج من المعتقل للتو أو عائد إليه بعد قليل أو هاربا منه إلى حين أو مهدد به حتى تقدم فروض الولاء والطاعة للعلمانية والعلمانيين. وأنت مصرى إذن أنت ليس لك الحق أو الأهلية فى الاختيار أو الترشح أو الترشيح، وأن الإسلام لا مكان له إلا كتابك أو صدرك؛ ذلك لأن النخبة العلمانية المسبتدة الخائنة أدركت أن هوى المصريين إسلامى وأن هوية مصر إسلامية فكان على كل مصرى أن يختار بين أمرين كلاهما مهين: معتقلا نزيلا أوتابعا ذليلا. الأمر الذى كان يؤشر ومازال بجلاء إلى جوهر العقلية العلمانية الاستبدادية السقيمةالتى حكمت مصر خلال الأنظمة البائدة, ورحم الله القائل: إذا كنت تقتل من يخالفك فى الرأى ففى عقل العقل الذى اسمه السكين وإذا كنت تعتقل من يخالفك فى الرأى ففى رأسك العقل الذى اسمه الجدار. ولم يكن العلمانيون المستبدون وإلى الآن يتبنون(فى الغالب) أكثر من هذين الموقفين: التصفية الفكرية أو الجسدية أو المعنوية أو الحبس والاعتقال الفكرى أوالجسدى أو المعنوى والمعتدل منهم يكتفى بالإرهاب الفكرى أو المعنوى. ولذلك كانت الثورة فى حقيقتها وجوهرها ثورة على الإرث العلمانى المتراكم البغيض التى خلفته الأنظمة العلمانية الاستبدادية منذ مصر الملك، المستعمرة الليبرالية، مرروا بمصر عبد الناصر السوفيتية اليسارية والقومية، ثم مصر السادات الليبرالية الأمريكية ثم مصر مبارك الليبرالية الصهيونية؛ حيث تعرضت دولة المصريين ذات المرجعية الإسلامية لجريمة تجريف كبرى مع سبق الإصرار والترصد. ولما خرج المصريون بكل طوائفهم وطبقاتهم للتصويت بعد الثورة فى الاستفتاءات والانتخابات البرلمانية والنقابية لم يكن يغيب عن وعيهم الجمعى هذه الحقيقة، أنهم لم يجنوا من وراء تلك الأنظمة العلمانية الاستبدادية مجتمعة إلا القهر والفقر والجهل والتخلف، وأنهم حرموا من حقهم فى بناء دولة ينعمون فى ظلها بنعمة الإسلام. أكبر حقيقة فى مصر الآن هى أن كل الأنظمة السابقة كانت أنظمة علمانية بامتياز، علمانية العقيدة، علمانية الفكر،علمانية الثقافة، علمانية السياسية، علمانية الاجتماع، علمانية الاقتصاد، علمانية الأخلاق، كانت علمانية فى كافة الأنشطة وكافة المجالات، معادية لهوية مصر الإسلامية فى معظم الأنشطة ومعظم المجالات. لذلك آن الأوان أن ترتدى الدولة المصرية حلتها الإسلامية الأصيلة، وأن تستعيد هويتها التى سعى العلمانيون سعيهم وكادوا كيدهم وبذلوا جل جهودهم لسلخ مصر عنها أو سلخها عن مصر. هذا ما صرخت به غالبية المصريين فى وجه العلمانية والعلمانيين المستبدين: نحن نريد مصر الإسلامية الحرة ولا نريد مصر العلمانية المستبدة. فقد خرج من الشعب المصرى أكثر من سبعين فى المائة ليقولوا نعم لمصر الإسلامية فى الاستفتاء ويقولوا نعم لمصر الإسلامية فى البرلمان بغرفتيه ويقولون نعم لمصر الإسلامية فى النقابات وسيقولون نعم لمصر الإسلامية، التى تحمى حقوق الأقليات فى انتخابات الرئاسة القادمة وفى كل انتخابات قادمة لأن ذلك هو المزاج المصرى العام، والذى رشح على الكثيرين من إخواننا المسيحيين. حتى الذين لم يصوتوا للإسلاميين، كثيرون منهم يريدون الدولة المصرية ذات المرجعية الإسلامية، ولم يكن إحجامهم عن التصويت للإسلاميين لرفض المرجعية الإسلامية بقدر ماكان رفضا للمنهج أو الأسلوب الذى يتم من خلاله تفعيل تلك المرجعية. الشعب يريد دولة مصرية ذات هوية إسلامية، هذا ما فوض فيه الشعب أعضاء مجلس الشعب، وهذا ما لا يجوز لأى من أعضاء مجلس الشعب أن يخالفه وإلا كان خائنا للأمانة التى استأمنه عليها الشعب، وهذا ما سيفوض فيه الشعب رئيسه القادم بيقين. وعلى كل سمسار علمانى دخيل ومدخول القصد والهوية أن يفسح الطريق للمصريين الأصلاء حتى ينتخبوا وكلاءهم لأنفسهم بأنفسهم وإلا لا يلومن إلا نفسه إذا عاين السحق تحت أحذية الملايين. الحرية هى الحل. [email protected]