لا أخفى انزعاجى وحتى تعاستى، كغيرى من عشرات الآلاف من المصريين، من المناظرات والسجالات والمشاحنات التى تصل أحيانا إلى حد المشاجرات، بين أنصار ثورة 25 يناير ، وأنصار ثورة 30 يونيو، التى تحفل بها صفحات الجرائد والمجلات والبرامج الحوارية فى الفضائيات، وتمتد أحيانا إلى الندوات واللقاءات السياسية، وربما اللقاءات غير السياسية، بل لعلنى أشعر بشئ كبير من القلق من استمرار هذه المشاحنات، ولا أجد لها مبررا ولا صلة بين ما نعانيه الآن، وما يتوجب أن نلتف حوله ونتوجه اليه، كى نتصدى بشكل تكاملى ، للعدو الحقيقى لبلدنا، الذى يتهددنا جميعا بلا مواربة، ولا تفرقة بين من يتحيزون لثورة 25 يناير، ولا يرون فى الساحة غيرها، ويسبغون عليها ما ليس فيها،ويلصقون بثورة 30 يونيو ومؤيديها، كل النقائص الساسية وغير السياسية، وبين من يتحيزون لثورة 30 يونيو ويحرمون خصومها ومعظمهم من مؤيدى ثورة 25 يناير، من كل الفضائل السياسية والأخلاقية والوطنية، ليبقى دون إجابة، السؤال الاستنكارى الذى طرحه الرئيس «السيسى» أثناء حملته الانتخابية: هو ما ينفعش الواحد يؤيد الثورتين مع بعض؟ويظل من هم مثلى ممن شاركوا فى الثورتين،واعتبروا ثورة 30يونيو تصحيحا لاخطاء فادحة وقعت فيها ثورة 25 يناير وامتداداً لأهدافها نهبا للقلق والانزعاج ، من فرط التوتر الذى تحدثه مثل هذه المشاحنات فى المجتمع، وللدور الذى تلعبه فى صرف الأنظار عن المعارك الحقيقية التى تتطلب الاصطفاف الوطنى لخوض هذه المعارك، سواء كانت معارك للبناء أو للتصدى للإرهاب الذى يصر على إفشال أى خطوة نحو الأمام ، فضلا عن جر وطننا إلى ظلام العصور الوسطى. لا أحد يستطيع أن ينكر الرغبة العارمة فى التغيير،التى تلقت مساندة من الثورة التكنولوجية فى الاتصالات والإعلام والمعلومات، هى التى منحت ثورة 25 يناير التأييد الشعبى الجارف لها، بعد أن ضاقت كل فئات الشعب من حالة الجمود السياسى والاستبداد، والفساد الإدارى والسياسى والنهب المنظم لثروات البلاد، الذى رفع معدلات الفقر، وزاد من نسب البطالة ،وحرم الغالبية العظمى من المصريين من أبسط حقوقها فى الحريات الديمقراطية والاجتماعية، مما دفع الرئيس الأسبق «مبارك» للرضوخ لإرادة الثورة بالتخلى عن الحكم، بعد أن بات واضحا انحياز الجيش بقيادة المشير «طنطاوى» للثورة والثوار، وهو الانحياز الذى حسم الموقف لصالح الثوار، وقد أدرك هؤلاء الثوار هذه الحقيقة ، وكان الهتاف الذى عم كل الميادين «الجيش والشعب ايد واحدة» تعبيرا مؤكدا عن مدى عمق هذا الادراك. وفى كتابها «خيارات صعبة»أوردت وزيرة الخارجية الأمريكية أثناء ثورة يناير «هيلارى كلنتون»، إنطباعها عن شخصية المشير «طنطاوى» بعد لقاء جمع بينهما، فقالت إنه ضابط محترف بمعنى الكلمة، وذو شخصية وطنية تحمل إخلاصا بالغا للثقافة والتقاليد العسكرية، وإنه يدقق فى حديثه فى اختيار كل كلمة، بما فى ذلك ابداء عدم الارتياح لاعتماد مصر على المعونة الأمريكية، والرفض للتهديد السياسى والاقتصادى للمجلس العسكرى الذى كان يتولى السلطة فى البلاد، وأكدت الوزيرة الأمريكية أن الوزير طنطاوى نفذ كل الوعود التى تعهد بها بعد رحيل مبارك، ومن بينها حماية المؤسسة العسكرية من التفكك والانهيار، وحماية الشعب، وبرغم انه كان مؤيدا للفريق أحمد شفيق فى الانتخابات الرئاسية، فحين فاز عليه منافسه الإخوانى «محمد مرسى» بنسبة طفيفة ،فإن المشير طنطاوى لم يغير النتيجة، وأعلنها كما هى، وبرغم هذه الشهادة لشخصية تعلم ببواطن الأمور،فقد بات معروفا للجميع أن الأجواء الفوضوية المخربة التى سادت فى أنحاء الميادين قبيل تقلد مرسى لمقعده الرئاسى، والتى اتخذت من الجيش وقيادته هدفا لهجومها القبيح وغير المسئول، وصكت اثناءها الشعار الكريه «يسقط حكم العسكر»، كانت بتحريض سافر من جماعة الإخوان وأنصارها من الكتاب والصحفيين وأساتذة الجامعات والإعلاميين ، ومن قوى الإسلام السياسى الحليف للجماعة، وغيرهم ممن يطلقون على أنفسهم الاشتراكيين الثوريين وجناح من 6 إبريل، وليس ضروريا أن يحسب بين هؤلاء جحافل المنتفعين من خيرات الجماعة ،لسبب بسيط ، هو أن القابلين للبيع والشراء والرشوة ، من السهل أن تتغيراتجاهات آرائهم! تلك هى القوى والجماعات التى تتمسك بأن 25 يناير هى ظاهرة ثورية متكاملة، وأن 30 يونيو هى حركة صححت اخطاء هذه الثورة المكتملة، وأن ماجرى فى 3 يوليو هو انقلاب عسكرى عليها، وأن التطور السليم طبقا لقواعد الديمقراطية التى يفهمونها ،أن يترك الرئيس الاخوانى لاستكمال مدته الدستورية 4 سنوات ، ويغير كما جاء عبر الانتخابات! المنطق السابق يتجاهل كل الحقائق ،ومن بينها السخط الشعبى العارم على عام بائس وفاشل من حكم الإخوان ، و على مؤسسات الدولة التى جرى هدمها عمدا خلال عامين بأيديهم وبتحريضهم،والجهل التام بالمكانة الرفيعة السامية التى يوليها المصريون لجيشهم وقادته الوطنيين، والرفض الكامل للمسعى الحثيث لتغيير هوية الدولة وواقعها الجغرافى،باستخدام جيوش من المليشيات التكنولوجية ، يوظفون المال والبلطجة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى والدعاية السوداء الكاذبة وحتى القتل لتحقيق أهدفهم ، وكانت هذه الأسباب وغيرها هى الحافز لثورة 30 يونيو الشعبية التى انحاز إليها الجيش، تماما كما فعل مع ثورة 25 يناير، فبأى منطق تسحب الثورية من الأولى لتغدو انقلابا، فيما تقتصر الثورية فقط على الثانية، إلا إذا كان الغرض مرضا كما يقول المثل الشعبى الحكيم. ومن بينها ايضا العداء الذى أبدته القوى الشبابية الثورية للاحزاب السياسية، والاختلافات العميقة التى سادت صفوفها، والارتباك والغرورفي خطابها السياسى اللذين لم يجلبا سوى الفوضى، والخراب ،، والمستوى الثقافى المتدنى لبعض رموزها، وسقوط هذه القوى الثورية فى أسر جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسى، ومنظماته وامواله، فباتت ذراعا ثورية مدنية لهذا التيار، تدافع عن سياساته الاقصائية وأهدافه الأممية التى ترفض الاعتراف بالأوطان، وتخوض معاركه ،وتبرر له فى كل وقت ومكان ،الارهاب الذى يواجه به الدولة والمجتمع، وتهون من المعركة التى تخوضها الشرطة وقوات الجيش للتصدى له،وتتصيد للحكومة اخطاءها وتبالغ فيها، وتحرض على كل قرار يستهدف العمل على استقرار الأمن،وتحرف للإعلام الخارجى مقصده وأهدافه، هذا فضلا عما تكشف من تورط بعض رموز القوى الثورية فى عمليات تخريب للمنشآت العامة والممتلكات الخاصة ،وتلقيه لأموال طائلة من منظمات دولية ليست فوق مستوى الشبهات. ولهذه الأسباب وغيرها تمترس بعض المتحمسين لأن الثورة المكتملة هى ما حدث فى 30يونيو و3 يوليو التى صححت موجة ثورية فى يناير، انقلبت إلى قرصنة ومؤامرة مكتملة الأركان، ولا ينبغى الصمت على من يواصلون السير فى ركابها. وإذا كان الهدف هو خدمة الصالح العام، فعلينا بالاعتراف أن نسبة الوعى السياسى والحقوقى قد ارتفعت بشكل ملحوظ فى وسط الجماهير بعدالثورتين، وأن نزوع المواطنين لتحرير المجتمع من الاستبداد السياسي بكل أنواعه، وإقامة نظام حكم لدولة الحق والقانون والمؤسسات، والمشاركة الشعبية التى تضمن العدل الاجتماعى، والمساواة و تصون الحريات ،بات من المسلمات، ومن المسلمات أيضا أن أهم المعوقات التى تحول دون تحقيق ذلك ، هو الحرب الإرهابية التى تخوضها قوى الظلام ضد الشعب المصرى وجيشه وشرطته، بما يحتم توحيد الجهود فى جبهة مدنية موحدة كظهير شعبى لمن يملكون مخزونا لا ينفد من الاستعداد الدائم للتضحية فى سبيل كسب هذه المعركة، وليس منا من يبقى بعد ذلك، خارج هذه الجبهة الموحدة، التى تضم أعدادا هائلة ممن يؤمنون بالثورتين، ويرفضون صرف الأنظار عن المعركة الحقيقية.