د. عبد المنعم إبراهيم الجميعي أميرة من الأسرة الخديوية أسماها والدها »نازلي زينب«، وكانت الأسماء المزدوجة عادة شائعة لدي أسرة محمد علي، نشأت نازلي تحمل مزيجا من العادات الشرقية التي اكتسبتها خلال تواجدها في مصر والآستانة،ومن الثقافة الأوروبية خاصة الفرنسية خلال مصاحبتها لوالدها »الأمير مصطفي فاضل« في الإقامة بالخارج خلال فترة الصراع بينه وبين »الخديو إسماعيل« من أجل عرش مصر، لذلك تربت علي النمط الأوروبي وتثقفت بالثقافة الغربية، وكانت تتكلم الفرنسية كإحدي بنات السين ذوات الثقافة العالية والأدب الرفيع هذا الي جانب انها كانت تجيد اللغات الانجليزية والتركية والعربية والألمانية. أقامت في قصرها بعابدين أول صالون ثقافي في تاريخ مصر المعاصر شهد ذروة دورها في الحياة الثقافية بمصر، وقد اجتذبت في هذا الصالون صفوة المفكرين والأعلام من أبرزهم: »جمال الدين الأفغاني الشيخ محمد عبده سعد زغلول قاسم أمين حسين رشدي« وغيرهم من قادة الفكر والرأي والسياسة الذين لعبوا أدوارا مهمة في تاريخ مصر الحديث والمعاصر. كماضم الصالون بين جنباته كبار المسئولين الانجليز أمثال »اللورد كرومر« المعتمد البريطاني في مصر و»هاري بويل« السكرتير الشرقي و»اللور كتشنر« والمستشرق »رونالد ستورز« وغيرهم وفي هذا الصالون نوقشت مسائل الإصلاح الاجتماعي وأحوال المرأة المصرية، كما نوقشت طرائف العلوم والفنون خلاصة الفكر الراقي وفيه دافعت نازلي فاضل عن الزعيم »أحمد عرابي« وثورته ولم تمل الكلام عن نزاهة اغراضه،كما سعت لتخفيف العقوبة علي »إبراهيم الورداني« قاتل »بطرس غالي« المعروف بصداقته للانجليز وفي صالونها تولدت المشاعر القومية بعد فترة من الكبت السياسي والفكري والأدبي خاصة انها كانت علي صلات مع جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين ومحمد فريد وغيرهم من كبار الساسة المصريين. لقد وصف البعض نازلي بأنها أميرة التنوير وصاحبة الدور الرائد في نهضة مصر الحديثة حيث أدت دورها الطليعي في خدمة الحياة الفكرية المصرية، وهيأت المناخ الفكري لحركة التغيير التي كانت تترقبها مصر كامرأة مثقفة لها دور نشط في الحياة الثقافية لبلادها، ووصفها البعض الآخر بأنها كانت أميرة مدللة تحتقر المصريين والحق أن الغموض والتناقض الذي لحق بهذه الأميرة ربما لأنها تنسب الي الأسرة المالكة التي لحق بها الكثير من الافتراءات بعد قيام ثورة يوليو، فليس من المعقول أن يقبل رجال يضرب بهم المثل في الوطنية وحب مصرأن يكون لهم صداقة بسيدة لا تحترم المصريين، لقد كان صالون نازلي فاضل بجانب كونه منبرا ثقافيا يتدارس فيه رواده القضايا الثقافية والسياسية وأحوال البلاد، فقد كان يمثل جبهة فكرية ترد علي مزاعم المستشرقين الذين قاموا بنشر كتب ومقالات تنال من مصر، وتهاجم شعبها، وتصوره في صورة مجتمع متخلف جاهل، وأبرز الأمثلة علي ذلك تصدي الصالون لكتاب »سر تأخر المصريين« الذي كتبه قاض فرنسي اسمه الدوق »داركور« كان يعمل بالمحاكم المختلطة فاستحثت الأميرة نازلي قاسم أمين علي الرد عليه بشكل يقوم علي المنطق والحجج وليس علي العبارات المنبعثة من الانفعال العاطفي فقام قاسم أمين بكتابة كتابه »المصريون« للرد علي هذا الدوق برهن فيه علي قدرة مصر علي النهوض ونفض غبار التخلف. وهكذا استطاعت الأميرة نازلي التي تفوقت علي نساء عصرها في الشرق أن تؤدي دورها الطليعي في خدمة الحياة الفكرية في مصر وأن تهيئ المناخ الفكري لحركة التغيير والتنوير التي كانت تترقبها مصر حتي وافاها الأجل في الثامن والعشرين من سبتمبر 1913. لقد كانت نازلي فاضل من مظاليم التاريخ حيث لم تحظ باهتمام من أحد، ومن هنا فإن كتابة هذا المقال ربما يوضح مكانتها كأحد رواد التنوير في مصر.