في مثل هذا اليوم، منذ 14 عاماً، التقطت عدسة المصور الفرنسي شارل إندرلان مشهداً هز كيان ومشاعر العالم أجمع، وهو "مشهد احتماء محمد الدرة بأبيه من نيران العدو الصهيوني خلف برميل إسمنتي، وإشارة الأب لمطلقي النيران بالتوقف، ومن ثم ركوض الدرة على ساقي ابيه شهيدًا".. تلك ال45 دقيقة التى توقف العالم فيها عن الدوران. إنه محمد الدرة، الذي يصادف اليوم ذكراه الرابعة عشرة، الوجه الذي حفر بالذاكرة، فصار رمزاً للانتفاضة الفلسطينية وأيقونة الشجاعة لأطفال العرب، ذلك الطفل الذي اغتيل في عمر البراءة بين أحضان أبيه أمام مسمع ومرأى من الجميع في مشهد أذاعته الشاشات العربية والغربية كافة، ليظل شاهداً على جرائم القوات الإسرائيلية ضد أطفال وشعب فلسطين العُزل. لقد نشأ "الدرة" وسط مخيم البريج في قطاع غزة الذي تقطنه أغلبية كبيرة من اللاجئين، عاش في أسرة تعود في أصلها إلى مدينة الرملة، التي اُحتلت وطُرد أهلها منها عام 1948، وهي مكونة من أبيه وأمه وستة من الأبناء سواه، عرف محمد بالشجاعة والجرأة، فكان عنيداً لا يعرف الكذب، يهابه الأطفال في سنه ومن هم أكبر منه سناً، هكذا قالت أسرته. وكن بالنهاية مات الدرة، وانتفض العالم، لكن ذلك لم يمنع جيش الاحتلال من ممارسة جرائمه، تجاه الشعب الفلسطيني المناضل، التي راح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والشيوخ، فالدرة يموت كل يوم، وسط صمت عربي وعالمي، فشل في إيقاف العدو، أو حتى إدانة جرائمه الإرهابية. ومع كل شمس تشرق في فلسطين, نجد محمد درة جديداً, قد يكون في صورة أم أو أب, طفل أو طفلة, شاب أو شابة, ويتكرر المشهد مرات ومرات، وعلى رغم أن الكثير منهم قد لا يحالفه الحظ في أن يجد من يلتقط لحظة وفاته, كما لم تتمكن العدسات ذات يوم بعام 2011 في درعا، من التقاط آخر معاناة حمزة الخطيب ابن ال 13 عاما، منكَلاً به في السجون السورية ومقتولًا برصاصة لم تكترث لطفولته البريئة. وكتخليد لذكرى استشهاده واغتياله، كتب الشاعر الكبير الراحل محمود درويش قصيدة لمحمد الدرة في ذكراه ال11 يقول فيها: محمّد، يعشّش في حضن والده طائراً خائفاً من جحيم السماء: احمني يا أبي من الطيران إلى فوق! إنّ جناحي صغيرٌ على الريح... والضوء أسود محمّد، يريد الرجوع إلى البيت، من دون درّاجة... أو قميصٍ جديد يريد الذهاب إلى المقعد المدرسيّ... إلى دفتر الصرف والنحو: خذني إلى بيتنا، يا أبي، كي أعدّ دروسي وأكمل عمري رويداً رويداً... على شاطئ البحر، تحت النخيل ولا شيء أبعد، لا شيء أبعد محمّد، يواجه جيشاً، بلا حجرٍ أو شظايا كواكب، لم ينتبه للجدار ليكتب: "حريتي لن تموت" فليست له، بعد، حريّة