أوصت هيئة مفوضي الدولة محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، بإصدار حكم قضائى برفض الدعوى المطالبة بحل الأمن المركزى، وتشكيل أجهزة أمنية نظامية بديلة متخصصة ومدربة. جاء بالتقرير، الذى أعده المستشار وائل فرحات عبدالعظيم، بإشراف المستشار تامر يوسف، نائب رئيس مجلس الدولة، أن الدستور حرص على تأكيد أن هيئة الشرطة ذات طابع مدنى، إلا إنه ونظراً للمهام الجسيمة الملقاة على عاتقها، فقد أضفى المشرع عليها صفة النظامية ليكفل لها القدرة على حفظ النظام والأمن والآداب فى حياة المجتمع، وحماية الأرواح والأعراض والأموال، ومنع وقوع الجرائم وضبطها وهى بذلك إنما تقوم بمسئوليتها لخدمة الشعب، وولائها له وهو ما أكده الدستورالحالى ليغلق الباب تماماً فى مواجهة أى دعوات أو محاولات لتسييس جهاز الشرطة أو جعله فى خدمة أنظمة أو حكومات. وأضاف التقرير أن الشرطة فى خدمة الشعب وولاءها له، ورئيسها الأعلى هو رئيس الجمهورية وتؤدى وظائفها وتباشر اختصاصاتها عن طريق وزير الداخلية الذى يصدر القررات المنظمة لعملها ولجميع شئونها. وأوضح التقرير أن ما نعاه مقيم الدعوى على القرار المطعون فيه مخالفته الدستور باعتبار أن الدستور نص على أن التجنيد الإجبارى لا يكون إلا فى إطار القوات المسلحة، ومن ثم فإن ما نص عليه قانون الخدمة العسكرية والوطنية من استخدام المجندين إجبارياً فى الأمن المركزى يخالف الدستور باعتبار أن هيئة الشرطة هى هيئة مدنية نظامية وليست هيئة عسكرية، وبالتالى فلا يمكن أن يكون التجنيد الإجبارى جزءا من تكوينها، ولا يمكن أن يجبر الأفراد على التجنيد الإجبارى فيها، هذا فضلاً عن أن قصر التجنيد الإجبارى فى الشرطة على غير خريجى الجامعات والمعاهد العليا فى جمهورية مصر العربية وما يعادلها فى الخارج والحاصلين على الشهادات المتوسطة أو فوق المتوسطة أو ما يعادلها وحفظة القرآن الكريم يعتبر إخلالاً بمبدأ المساواة، كما أن نصوص قانون الشرطة خلت من أى إشارة إلى وجود الأمن المركزى. وفى ضوء ذلك أنشأ رئيس الجمهورية بما كان له من سلطة إنشاء وتنظيم المرافق العامة إدارة عامة تسمى إدارة الاحتياطى المركزى، والتى أصبحت فيما بعد الإدارة العامة لقوات الأمن المركزى كأحد قطاعات وزارة الداخلية، وتتكون من قوات نظامية – وليست عسكرية – وتختص بمواجهة أعمال الشغب وأى أعمال تخل بأمن واستقرار الجبهة الداخلية وتساعد قوات الأمن بالمديريات فى أداء مهامها، كلما اقتضت الضرورة ذلك، وهى تتكون من ضباط وأفراد وجنود، ومن المقرر أن جهة الإدارة تتمتع فى إنشاء وتنظيم المرافق العامة وإلغائها بسلطة تقديرية واسعة، على أن يحد هذه السلطة التقديرية – شأنها شأن أية سلطة تقديرية ممنوحة لأى جهة إدارة – تحقيق الصالح العام وحماية حقوق وحريات المواطنين. وشرح التقرير أن الثابت من الأوراق أن رئيس الجمهورية بما كان له من سلطة فى إنشاء وتنظيم المرافق العامة أصدر قراريه رقمى 10 لسنة 1984 و331 لسنة 1985 بإنشاء إدارة الاحتياطى المركزى وتعديل مسماها إلى إدارة قوات الأمن المركزى، وأناط بوزير الداخلية إصدار القرارات المنظمة لها، وبدوره أصدر وزير الداخلية قراره الرقيم 209 لسنة 1985 فى شأن تنظيم قوات الأمن المركزى كأحد قطاعات وزارة الداخلية، وتتكون من قوات نظامية – وليست عسكرية – وتختص بمواجهة أعمال الشغب وأى أعمال تخل بأمن واستقرار الجبهة الداخلية، وتساعد قوات الأمن بالمديريات فى أداء مهامها كلما اقتضت الضرورة ذلك، ولما كان من المقرر أن إنشاء وتنظيم وإلغاء المرافق العامة من إطلاقات جهة الإدارة بما تراه محققاً للصالح العام، كما أن أوراق الدعوى ومسنداتها قد خلت من وقائع محددة تتضمن أسباب كافية لحمل جهة الإدارة على حل الأمن المركزى لا سيما فى ظل ما تشهده البلاد من تهديدات أمنية تؤثر على الأمن والطمأنينة التى تهدف، بل تلتزم هيئة الشرطة بكل أجهزتها بالسعى نحو تحقيقها، ومن ثم فلا يكون هناك إلزام على جهة الإدارة بحل الأمن المركزى أو استبداله بقوات مدنية أو غيرها، فكل هذا من إطلاقاتها طالما التزمت حدود المشروعية، وبانتقاء هذا الإلزام ينتفى وجود الامتناع الذى يمكن أن يوجه لمسلكها، وينتفى من ثم وجود قرار إدارى سلبى، الأمر الذى يكون معه الدفع الماثل قائماً على سنده الصحيح ويتعين التقرير بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى. وأشارالتقرير إلى أنه لا ينال ما قد أثاره المدعى من عدم دستورية نص المادة 2 من قانون الخدمة العسكرية والوطنية رقم 127 لسنة 1980، فيما تضمنه من السماح لغير خريجى الجامعات والمعاهد العليا فى جمهورية مصر العربية وما يعادلها فى الخارج والحاصلين على الشهادات المتوسطة أو فوق المتوسطة، أو ما يعادلها وحفظة القرآن الكريم بأداء الخدمة العسكرية الإلزامية فى هيئة الشرطة (وتحديداً فى الأمن المركزى). وأوضح التقرير نعى المدعى على نص المادة (2) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية مخالفته للدستور من ناحيتين: الأولى: فى أنه سمح بالتجنيد الإجبارى فى هيئة الشرطة وهم المجندون فى قطاع الأمن المركزى، وفقاً لما أقرت به جهة الإدارة فى مذكرة دفاعها، والتجنيد نظام عسكرى لا يتفق مع الطبيعة المدنية لهيئة الشرطة، وهو ما يعد مخالفة لحكم المدة 206 من الدستور. والثانية: أنه قصر التجنيد الإجبارى فى الشرطة على غير خريجى الجامعات والمعاهد العليا فى جمهورية مصر العربية وما يعادلها فى الخارج والحاصلين على الشهادات المتوسطة أو فوق المتوسطة أو ما يعادلها وحفظة القرآن الكريم وهو ما يعتبر إخلالاً بمدأ المساواة ومخالفاً لحكم المادة 53 من الدستور. ومن حيث إنه الأمر الأول: فإنه من المقرر أن الدفاع عن الوطن وسلامة أراضيه شرف وواجب مقدس، يقوم به الأفراد عن طريق التجنيد وهو ضريبة الدم التى يؤديها المصرى تجاه بلده، وقد جعله المشرع إجباريا وفقاً للقانون، وحيث قسم القانون التجنيد إلى نوعين: الأول: الخدمة العسكرية: وهى إلزامية على الذكور الذين أتموا 18 عاما، ويؤدونها فى القوات المسلحة بفروعها والشرطة والمصالح الحكومية ذات النظام العسكرى. والثانى: الخدمة الوطنية: ويقصد بها الخدمة العامة التى تفرض على الذكور والإناث من الفئات الخاضعة للقانون رقم 76 لسنة 1973 فى شأن الخدمة العامة للشباب. وتابع التقرير، أن التجنيد ليس نظاماً عسكرياً محضاً فبجانب الخدمة العسكرية هناك الخدمة الوطنية، وثانياً فإن المشرع لم يساوِ بين القوات المسلحة وهذه لا مراء فى عسكريتها وبين غيرها من الجهات النظامية التى أجاز أداء الخدمة العسكرية فيها كالشرطة والمصالح ذات النظام العسكرى، فالمعول عليه هنا هو الطبيعة النظامية للجهة وليس الطبيعة العسكرية لها، وإلا ما أفرد المشرع فقرة أولى للقوات المسلحة وفقرة ثانية للشرطة والمصالح والهيئات الحكومية ذات النظام العسكرى، ولو قصد المشرع التماثل بين القوات المسلحة والشرطة كجهات ذات طابع عسكرى لما أعوزه النص على ذلك، ولذكرهم فى فقرة واحدة، ولكن تم ذكر الشرطة مع المصالح والهيئات ذات النظام العسكرى دليلاً على نظاميتها، ومغايرة بينهما وبين القوات المسلحة تأكيداً لمدنيتها. وأوضح أنه لا تلازم بين الطابع العسكرى والطابع النظامى؛ فقد تكون هناك هيئات عسكرية ونظامية معاً كالقوات المسلحة، وقد تكون هناك هيئات نظامية فقط ولكنها ذات طابع مدنى كالشرطة، وقد يكون هناك كيانات عسكرية لكنها غير نظامية كالمليشيات والعصابات والمرتزقة وحركات المقاومة الشعبية وغيرها. وتابع التقرير: "وبفرض صحة هذا الزعم، فإن قوات الأمن المركزى لا تتضمن فقط المجندين إجبارياً، ولكن أيضاً تتضمن مجندين معينين فى جهاز الشرطة ويتقاضون أجراً، كما أن التجنيد الإجبارى فى الشرطة لا يقتصر على قوات الأمن المركزى فقط، وإنما يجرى أيضاً فى فروع هيئة الشرطة كافة كإدارة المرور وقوات الأمن وغيرها، ومن ثم فليس هناك مخالفة للدستور فى هذا الوجه". وبالبناء على ما تقدم، فإن قصر الخدمة العسكرية فى هيئة الشرطة على غير خريجى الجامعات والمعاهد العليا فى جمهورية مصر العربية وما يعادلها فى الخارج والحاصلين على الشهادات المتوسطة أو فوق المتوسطة أو ما يعادلها وحفظة القرآن الكريم يتعبر تدخلاً من جانب المشرع بوضع قاعدة عامة مجردة، باعتبار أن المعين الأصلى للتجنيد هو القوات المسلحة، وبالتالى ضمن لها تواجد هذه الفئات الأعلى مؤهلاً، هذا فضلاً عن أن الفئات الأخرى لا يقتصر تجنيدها على جهاز الشرطة فقط وإنما يمكن تجنيدها فى القوات المسلحة أيضاً، ولما كان مبدأ المساواة أمام القانون الذى ينعى المدعى على النص المذكور مخالفته ليس مبدأ تلقينياً جامداً ولا قاعدةٍ صماء ولا يقصد به المساواة الحسابية الدقيقة، وطالما لم يقم دليلاً على التمييز المتعمد من جانب المشرع، فلا وجه للقول بالإخلال بمبدأ المساواة، ومن ثم فليس هناك مخالفة للدستور فى هذا الوجه أيضاً. ولا يفوتنا فى هذا المقام أن ننوه إلى أنه لا مراء فى أن أى جهاز إدارى أو مرفق عام تكتنفه بعض العيوب وتعوقه بعض العثرات، وقد يضل الطريق أحياناً أو يحيد عنه أحياناً أخرى، ولكن وفى ظل ذلك كله لا يقبل القول بإلغائه أو القضاء عليه فى مقابل هذه العيوب وتلك العثرات، وإذا كان جهاز الشرطة – وخاصة جهاز الأمن المركزى – كما ذكر المدعى - صدرت منه تجاوزات هنا أو هناك وحاد أحياناً عن غايته، فإن هذا لا يعنى القضاء عليه أو حله، ولا سيما فى ظل الظروف التى تمر بها البلاد، التى تتطلب تضافر كل الجهود لمواجهة التهديدات والحوادث الإجرامية والإرهابية التى تتعرض لها أهداف حيوية فى مناطق متعددة من الوطن، ومن ثم يكون استعادة الأمن والأمان الكامل هدفاً نرنو إليه جميعاً، وغاية نسعى لتحقيقها. وإذا كان جهاز الشرطة خرج عن الطريق السوى قبل وأثناء ثورة يناير، فإنه لا يمكن أن نغفل أو نتغافل دوره الكبير فى ثورة 30 يونيو وهى لحظة الخطر الداهم الذى ألمّ بالوطن بعد أن سقط فى قبضة جماعة انقضت عليه، وكادت تفتك به وتمزق أشلاءه بعد أن تطايرت إليه شراراتُ لهيب الفتنة وشرورُ أعداء الوطن، حيث احتضن الجيش والشرطة الشعب مصغين لدقات قلوب المصريين التى احترقت بزفرات الغضب والألم، وتوحدوا مع نبض الجماهير، وانصهر الشعب والجيش والشرطة فى سبيكة واقية تزيح أمامها القهر والاستبداد، وليس لنا أن ننسى التضحيات اليومية التى يقدمها رجال الشرطة والجيش – بعد ثورة 30 يونيو من شهداء امتزجت دماؤهم الذكية بتراب أرض الوطن الطاهرة كى تحيا مصر، ونعيشُ نحن. كان الدكتور جابر جاد نصار، أقام عن نفسه وبصفته وكيلاً عن محمود سليمان كبيش، وعبدالجليل مصطفى، وجمال زهران، وعصام الإسلامبولى، دعوى قضائية اختصم فيها كلاً من رئيس الجمهورية ووزير الداخلية ووزير الدفاع بصفتهم القانونية، لإلغاء تنظيم الأمن المركزى واستبداله بقوات أمن مدربة ومتعلمة ونظامية تستطيع التعامل مع الشعب فى كل المواقف بعيداً من القوة والعنف المفرطين، إلا أنهم امتنعوا عن ذلك، وهو ما يشكل قرارا إداريا سلبيا.