مع انهيار الاتحاد السوفيتي، في مطلع التسعينيات، وانفراد الولاياتالمتحدة بزعامة النظام العالمي، فيما عرف بالنظام أحادي القطبية، تعبيراً عن نظام عالمي جديد في قوامه، وقيمه، بل وقضاياه الأساسية، بات التشابك أكثر تعقيداً بين الشأن الداخلي، والشأن الخارجي؛ ومن ثم فرؤية لا تستوعب المعطيات الجديدة علي الساحة الدولية، ما عادت صالحة لقيادة توجهات دولة مثل مصر، بالغة الأثر في رسم التوجه الإقليمي، بل وفي صياغة حركة توازنات القوى الدولية. فقد اتسم النظام العالمي الجديد، أحادي القطبية، بالعديد من السمات، لعل أهمها ما يتعلق بمجموعة القضايا الأساسية التي باتت تشكل محاور العمل الدولي المشترك، وهي مشكلات علي صلة وثيقة بالسياسات العامة الداخلية لكل دولة، من بينها المشكلات المرتبطة بالإرهاب، والبيئة، وحقوق الإنسان، والهجرة غير الشرعية، والاتجار في البشر، واقتصاد السوق، وغير ذلك من أولويات الجهود الدولية المشتركة، التي لا ينبغي أن تغيب عن الأجندة الوطنية، تحت أي ذريعة. من هنا؛ فحول التغيرات المناخية، تمحورت القمة الأممية الأخيرة التي انعقدت في نيويوركبالولاياتالمتحدةالأمريكية، عشية افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمهيداً لاتفاق مُلزم تنتجه قمة مؤتمر دولي تستضيفه باريس عام 2015 لإبرام اتفاق للحد من الانبعاثات الضارة، يبشر به صدق التعاطي الدولي مع المبادرات غير الملزمة الناتجة عن القمة الأخيرة؛ حيث أوصت بالتوسع في استخدام الطاقة المتجددة، ووقف زوال الغابات الاستوائية بحلول عام 2030، وتحسين إنتاج الغذاء، مع تقديم مليارات الدولارات لمساعدة الدول النامية في هذا الشأن. وفي هذا السياق، لسنا في حاجة إلي إثبات العلاقة الطردية بين وجود رأي عام مستنير، وارتفاع منسوب الديمقراطية؛ ومن ثم علينا إدراك أن انشغال الرأي العام المحلي بالقضايا الدولية، قناعة بحتمية المصير الإنساني الواحد، يأتي ضمن المعايير الحاكمة لقياسات استنارة الرأي العام، تعبيراً عن اتساع الأفق السياسي، وامتلاك ناصية القواسم المشتركة للمنظومة الدولية، ما يؤكد عالمية القضايا الأساسية للعالم المعاصر. وفي ذلك تفسير لمظاهرات عارمة، تركزت في الدول «المتقدمة ديمقراطياً»، سبقت القمة الأخيرة، تقدم الأمين العام للأمم المتحدة إحداها في نيويورك، للضغط علي قادة العالم لاتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة مخاطر تغير المناخ، في تجسيد لجوهر المبادئ العامة للأمم المتحدة، وكتعبير عن وحدة الإنسانية في مواجهة التحديات المحيطة بمستقبل أجيالها القادمة. وعليه، فليس إلا استيعاب الدرس، وقبول التحديات، والإقرار بمقتضياتها؛ ومن ثم الأخذ بأسباب التقدم وفق ما أفادت التجارب الدولية التي سبقتنا إلي منظومة الدول المتحضرة، وقد كانت الدولة المصرية مُلهمة لخطواتها علي طريق التقدم، وما حجبها عن موقعها المستحق إلا من عزلها عن سياقها الإقليمي والدولي. ولعل في ذلك ما يدعو إلي مراجعات لطالما أهملنا النظر فيها علي نحو جاد، بموجبها نزيد فرص الدولة المصرية الحديثة، التي تنشدها الثورة المصرية، في الاندماج في الأسرة الدولية، وإعلاء قيم الديمقراطية، يصونها رأي عام مستنير. فليس في الانكفاء علي الذات، والدفع «بخصوصية» المجتمع المصري ستراً لعورات ممارسات سياسية بالية، ما يدفع بنا نحو بلوغ التنمية الشاملة التي نرجوها ملاذاً من ويلات التخلف، حيث ألقي بنا نظام مبارك الفاسد، وحيث حاولت الجماعة الإرهابية البناء عليه، بهدم الدولة المصرية الهشة التي خلفها حكم مبارك، وعزلها عن أبجديات الحضارة الراهنة، وقد أسست لها الدولة المصرية عبر إسهاماتها الثابتة علي مدى تاريخها العريق. ولا شك أن تناولاً إيجابياً لمجمل الأوضاع الدولية، وما تحفل به من متغيرات، وما تنتجه من معطيات متجددة، كل ذلك لا يمكن الوثوق في حيازته، بعيداً عن حكومة سياسية بالدرجة الأولي، تستلهم خطواتها وفق رؤية واضحة، تستجيب لمقتضيات العلاقات الدولية المعاصرة؛ ومن ثم تتسق الدولة المصرية الحديثة مع غيرها من وحدات المجتمع الدولي، في اعتمادها علي مفهوم التنمية الشاملة، عملاً لا قولاً. وعليه، فتنمية سياسية أكيدة، لا يصح الاستغناء عنها ببرامج تنموية اقتصادية أو اجتماعية، فليس أقدر علي قيادة ركب التنمية الشاملة من تنمية سياسية، عنوانها الأبرز حكومة سياسية، تنتجها انتخابات برلمانية نزيهة وحرة؛ تؤكد صدق توجهات الدولة المصرية صوب تجسيد مضمون الإرادة الشعبية، ونستجيب بموجبها لحقائق، ما صدق من شكك فيها، لعل أهمها في هذا السياق أن السياسة الخارجية إنما تصنع في الداخل، مثلما «خصوصية» المجتمعات ليست سبيلاً آمناً لحجب منظومة القيم العالمية، وليس إلا ذلك يحقق مصر الحديثة التي هدفت إليها الثورة الأم، ثورة يناير المجيدة، وامتدادها في الثلاثين من يونيه. «الوفد»