بين السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني والسادس من ديسمبر/كانون اول انعقدت في بيروتوالخرطوموالجزائر اجتماعات عربية دولية ثلاث بمبادرة من مركز محدود الامكانات والوسائل 'المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن' وبتجاوب كبير من شرفاء الأمة واحرار العالم. فاجتماع بيروت '6/11/2010' ضم أكثر من 100 قانوني عربي واوروبي وامريكي وكان مخصصاً للبحث في آليات ملاحقة مجرمي الحرب الأمريكية في العراق والمنطقة لا سيما في ضوء الوثائق السرية للبنتاغون التي كشف عنها موقع ويكليكس الذائع الصيت، كما في التحضير لمؤتمر عالمي للغاية نفسها في الربيع القادم. واجتماع الخرطوم '27 و 28/11/2010' شارك فيه أكثر من 500 من الخبراء والسياسيين والنقابيين والشباب العرب والأفارقة في مؤتمر التضامن العربي – الأفريقي من اجل اطلاق آلية تواصل وتضامن بين العرب وعمقهم الاستراتيجي الجنوبي المتمثل بالقارة السمراء كخطوة نحو مؤتمرات مماثلة بين العرب والامم الأخري. اما اجتماع الجزائر '5-6/12/2010' فقد كان ملتقي عربياً عالمياً لنصرة الاسري في سجون الاحتلال وحضره أكثر من 1200 شخصية عربية وعالمية بينهم العشرات من أسري الاحتلال الصهيوني والامريكي، وكان اول ملتقي من نوعه لدعم قضية الاسري المهملة عربياً وعالمياً، كما هي ممن يفترض بهم ان يجعلوها في رأس اهتماماتهم كما يفعل اركان النظام العنصري الصهيوني مع الجندي الاسير جلعاد شاليط أو الطيار المفقود رون أراد. وملتقي الجزائر، وهو السادس من ملتقيات مماثلة فتح الابواب امام ملتقي دولي وفي الذكري العاشرة لملتقي دوربان الشهير الذي اغتالت نتائجه احداث 11/9/2001 الشهيرة، لمناهضة العنصرية نأمل ان ينعقد في دوربان في جنوب افريقيا خلال الخريف القادم. فهل نجاح الاجتماعات الثلاث هو مجرد تعبير عن علو همة المبادرين والمنظمين وسلامة رؤيتهم ، أم ان الامر أبعد من ذلك بكثير، باعتباره تعبيراً عن طاقات كبري كامنة في الأمة وبين احرار الأمة تبحث لها عن أقنية تتواصل من خلالها، وعن آليات تضامن تدافع بواسطتها عن القضايا العادلة، وعن مبادرات تجمع جهودها، وتعبئ قدراتها، وتقيم فيما بينها جسورا فيما تقيم متاريس وسدوداً في وجه هيمنة استعمارية طاغية، وعنصرية صهيونية يكتشف العالم كل يوم جانباً من جوانب حقيقتها النازية والاحتلالية والارهابية معاً. طبعاً ههذ المبادرات، ليست الوحيدة من نوعها في عالم يضج بالمواقف والعرائض والمسيرات والقوافل والاساطيل المدججة بايات التضامن والنصرة لقضايانا، وبالتأكيد هي ليست الاهم، ولكنها رسائل هامة في اتجاه صحيح كما انها استكمال المسيرة بدأت قبل ثلاث سنوات في اسطمبول حول القدس ووصلت إلي الجزائر مروراً بدمشق وبيروت،وهي تتميز بسمات بالغة الاهمة: اول هذه السمات انها تجتمع حول قضايا محددة بعينها، كالقدس وحق العودة والجولان ووحدة السودان ودعم المقاومة ونصرة الاسري، دون اغفال الترابط العميق، تاريخياً واخلاقياً واستراتيجياً بين هذه القضايا كلها، وبينها وبين القضية الام، ولكن دون ان يعطي هذا الترابط خصوصية كل قضية ويحرمها من حقها في ان تجري دراستها ومناقشتها من كل جوانبها، وفي تزويد المهتمين بها بمادة اعلامية وقانونية وثقافية وسياسية غنية يحملونها إلي كل المنابر والمحافل الدولية. فلا الجزء هنا يحرمنا من رؤية شاملة للكل، ولا الكل يحول دون التعمّق في تفاصيل الجزء. وثاني هذه السمات انها اجتماعات جامعة لمشاركين من التيارات والحضارات والديانات والقارات كافة، مقترحة بذلك علي حاضر الأمة والعالم، وعلي مستقبلهما معاً، مشروعاً للتواصل والحوار والتلاقي وتوحيد الجهود وتكامل المهام، وهو مشروع معاكس تماماً للمشروع المقترح علينا من قوي الهيمنة والذي هو وصفة دائمة للتناحر والتنابذ والفرقة والتشرذم والتفتيت والتقسيم. ثالث هذه السمات ان مثل هذا المناخ الحواري والتواصلي التضامني الشامل يؤسس لثقافة التفاعل والتراحم والتكامل بين الشعوب والامم والديانات والحضارات وهي ثقافة مناقضة لثقافة التصادم والالغاء والاقصاء والاجتثاث، خصوصاً انها ثقافة تولد في ميادين الحياة نفسها، وعبر التفاعل المباشر بين الناس، وليس فقط في الكتب والابحاث والدراسات. كما ان مثل هه الثقافة تطلق خطاباً مستنيراً جامعاً لا خطاباً مستفزاً مغالياً متزمتاً يعيد باستمرار انتاج ثقافة الحروب الداخلية منها والخارجية. رابع هذه السمات، وربما اهمها، ان مثل هذه الحركة الاقلميية العالمية تأتي في وقت يتحول فيها النظام الدولي من نظام آحادي القطبية إلي نظام متعدد الاقطاب علي الصعيدين الدولي والاقليمي، مما يتيح المجال لقيام قطب شعبي اقليمي وعالمي خارج الانظمة الرسمية في المنطقة والعالم، قطب تحركه المبادئ العليا لا المصالح العابرة، ويحتكم إلي قيم العدالة والحرية والكرامة ولا تتحكم فيه اعتبارات تقاسم النفوذ وتوزيع المغانم بين الدول الكبري. ان مهمة هذا القطب الشعبي الاقليمي والدولي وما ينشأ في جواره من رأي عام عربي ودولي هي مهمة مزدوجة، فهي من جهة تدعم روح الصمود والمقاومة والممانعة حيثما توجد في المواقع الشعبية والرسمية، العربية والاقليمية والدولية، وهي من جهة ثانية تواجه قوي الهيمنة والاستعمار والتخاذل المحلي بكل اشكالها، فلا يجد المقاوم أو الممانع نفسه وحيداً امام الضغوط والاملاءات، ولا تجد قوي الهيمنة نفسها تتحرك وحدها في الساحتين الإقليمية والدولية دون حسيب أو رقيب أو رادع.... قد تكون الرحلة طويلة... لكن كل الرحلات تبدأ بخطوات، وكما قال يوما فلاديمير لينين، وعشية الثورة البلشفية: "قد تمر عقود لا يقع فيها شيء، ولكن قد تأتي اسابيع تقع فيها عقود...."