منذ عامين تقريبا ألقي شاب معاق بنفسه أمام سيارة أحد المحافظين بعد يأسه من الحصول علي شقة، توالت بعدها الوقفات الاحتجاجية لذوي الاحتياجات الخاصة للمطالبة بحقوقهم وعلي رأسها مسكن يحميهم ويؤويهم في ظل ظروفهم القاسية، وحقيقة الأمر ان ذوي الاحتياجات الخاصة سقطوا من حسابات الحكومة المتعاقبة حيث يمثل البحث عن شقة تناسب ظروف أي معاق رحلة عذاب قاسية تضيف إلي معاناته المزيد من الآلام دون رأفة أو رحمة. حكايات ذوي الاحتياجات الخاصة تؤكد ان أغلبهم يواجهون مشوارا طويلا قد ينتهي إلي لا شيء في سبيل الحصول علي «شقة» هي من أهم الأولويات التي أدعت أنظمة وحكومات سابقة توفيرها لأبنائها من المعاقين، مشاريع عديدة يتم الإعلان عنها تباعاً يتم توزيعها دون ان يحصل المعاق علي حقه فيها، الوفد عاشت تجربة حية رصدنا من خلالها معاناة مواطنين يعانون أصلاً من إعاقات حسية وحركية ويواجهون كل ألوان العذاب في تحركاتهم سواء في الشوارع أو مكاتب المسئولين وفي النهاية يعود كل منهم بأحلام مجهضة ووعود تتكرر وتبقي لتزيد من آلامهم. محمد إسماعيل شاب «كفيف» راضٍ بما قسمه الله له.. طموحه يفوق كل الحدود، يعرف حقه جيداً ويبحث عنه بل يجاهد في سبيل الحصول علي حقوق كافة المعاقين متزوج ولديه طفل وطفلة سيف وملك زهرتان يانعتان تمثلان نور الحياة بالنسبة للأب الشاب الذي تزوج في بيت عائلته يعمل ويدرس في كلية الإعلام «دراسات عليا» يكافح من أجل أسرته الصغيرة. شيماء أيضا زوجة شابة وأم لطفلين أيضاً تزوجت هي الأخري ولم تمنعها إعاقتها الحركية من تكوين أسرة صغيرة هي كل حياتها وزوجها أيضاً من ذوي الاحتياجات الخاصة تزوجها بمساعدة الأهل في شقة إيجار جديد «الوفد» كانت شاهداً علي معاناة الشابين في رحلة البحث عن حقهما في شقة مدعمة تناسب ظروفهما. رافقنا إسماعيل وشيماء كل منهما له أسرة يحاول الدفاع عن حقها في الحياة بكرامة. توجه الشابان إلي محافظة الجيزة مكتب خدمة المواطنين إسماعيل أخبر الموظف بالمكتب انه قدم علي شقة تناسب ظروفه منذ أكثر من ثلاثة أعوام ورغم عمل بحث اجتماعي إلا انه لم يصله أي إفادة فأخبره الموظف ان الشقق التي يتم الإعلان عنها علي فترات متفاوتة ليس فيها بند «احتياجات خاصة» بل حالات اجتماعية وتشمل كل أصحاب الظروف الاستثنائية لكن الشروط واحدة علي الجميع، لكن إسماعيل أخبره ان ذوي الاحتياجات لابد من توافر وحدات سكنية تناسب ظروفهم كأن تكون بالدور الأرض ومتوفر بالعمارة مكان للسلالم المتحركة أو «ترابزين» .. ثم ان المبالغ المطلوبة كمقدم أو كأقساط لا تناسب المعاق، الموظف لم يكن لديه رد سوي انه لا يوجد شقق وعليكما الانتظار ونصحهما بالتوجه إلي مكتب الإسكان بمجمع الجيزة.. وبالفعل توجهنا إلي المجمع وقابلنا «موظف بمكتب الإسكان» وحكت له شيماء أنها أيضا قدمت علي شقة منذ أكثر من ثلاث سنوات ولم يصلها شيء لم يختلف إجابة الموظف عن سابقه فلا يوجد شقق مخصصة لذوي الاحتياجات الآن وربما تخصص لهم نسبة في المشروعات الجديدة توجهنا إلي وزارة الإسكان.. وهناك قابلنا مسئولا كبيرا بالوزارة اتسع صدره لشكاوي الشابين كل منهما يمثل أسرة وكلاهما يمثل آلاف الشباب في مثل حالتهما، وقال إسماعيل للمسئول كنا نعتقد أننا سنحصل علي حقنا بعد ثورتين فينا ناس تعيش في المقابل والشقق التي يتم الإعلان عنها تتطلب ان يكون المتزوج دخله 30 ألف جنيه والأعزب 20 ألفا وهذه مبالغ وهمية لمعظمنا.. كثير منا منزوع الدخل وليس محدود الدخل ثم انه لا توجد في أي مشروع مخصصات لذوي الاحتياجات الخاصة، وهنا كشف المسئول بوزارة الإسكان عن مفاجئة عندما أكد أن المجلس القومي للإعاقة لم يطلب من رئاسة الوزراء تخصيص وحدات للمعاقين لانه ليس لديه حصر بأعداد ذوي الاحتياجات الخاصة بل ان المشروع مازال في بدايته لأنه من المفترض ان يكون لدينا حصر بالاعداد في كل محافظة بحيث نضمن عدم انتفاع المعاق بأكثر من وحدة ويتم بعد ذلك تقديم مذكرة لرئاسة الوزراء بطلب تخصيص عدد من الوحدات كما فعل مجلس العشوائيات وتقدم بمذكرة يطلب فيها تخصيص 30٪ لسكان العشوائيات لكن في أي مشروع يتم تخصيص جزء للحالات الخاصة وحدات تناسب متوسطي ومحدودي الدخل وهناك مقدمات 5 آلاف جنيه علي ان يقدم الزوج وزوجته مفردات المرتب علي ألا يزيد دخلهما علي 2500 جنيه وهو زوجته ولو أعزب 1750، والمشكلة هنا مع جهة التمويل لو الشقة ب 100 ألف المفروض تدفع 15٪ والباقي علي 15سنة، وهنا أكدت شيماء ان هناك حالات عديدة لا تملك هذه المقدمات ولا الأقساط، وتبقي مشكلة تخصيص وحدات للمعاقين متوقفة علي طلب المجلس القومي للمعاقين من رئاسة الوزراء والموضوع متوقف علي الانتهاء من حصر أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة. وعلي هامش الإجراءات الحكومية وتبادل إلقاء المسئوليات تعيش آلاف المعاقين وأسرهم معاناة الحصول علي شقة تناسب ظروفهم. أحمد محمد السروجي عامل في مدرسة النور للمكفوفين بالمنصورة زوجته وطفلته كلتاهما كفيفة تعيش الأسرة في حجرة صغيرة بإيجار مؤقت قابل للزيادة كل عام وقد تواجه الأسرة الطرد يقول رب الأسرة أعيش أنا وزوجتي وابنتي في هذا المكان وهو غير صالح للعيش الآدمي كما ان ابني الصغير مريض أيضاً ويحتاج إلي علاج شهري فيما ان راتبي لا يزيد علي 400 جنيه وابنتي الكفيفة تلميذة بالصف الثالث ومتعثرة جداً في الدراسة بسبب الإهمال في المدرسة ولا أستطيع إعطاءها دروسا خصوصية وتقدمت بأكثر من طلب للمحافظة لترخيص كشك يعينني علي المعيشة ويمكنني من العيش بسكن لائق إلا انهم يرفضون طلبي في كل مرة ورغم ظروفي الصعبة وإعاقة زوجتي وطفلتي إلا انني لم أحصل علي شقة لمن هم في مثل ظروفي وأصبحت الحياة قاتمة ولا أعلم كيف أعيش أنا وأسرتي. عاوز شقة! مأساة سمية وعلي لا تقل عن سابقتها فهما زوجان شابان شاء القدر ان يخلق كل منهما فاقد البصر، الزوج لم يكمل تعليمه في الجامعة بسبب صعوبات واجهته في كلية الآداب مما اضطره للعمل بعد ان التحق بقصر تدريب المكفوفين، وتعاونه زوجته الشابة لكن أكبر مشكلة تواجههما هي مشكلة السكن.. تقول الزوجة إنها تقدمت للحصول علي شقة من محافظة القاهرة وكان ذلك في عام 2008 تحت بند «حالات قصوي» وتم عمل بحث اجتماعي لها وفي عام 2010 ثم عمل بحث آخر وطلبوا مني ان أنتظر حتي اتزوج وبعد ذلك ل 4 شهور عقدت قراني وارفقت بالطلب صورة «العقد» بالإضافة إلي كارنيه الإعاقة وصورة من شهادة التأهيل واخذوا أوراقاً كثيرة من والدي وإلي الآن لم نتسلم أي شقة أنا وزوجي حتي بداية حياتنا بالكاد نستطيع تدبير مصروفاتنا الأساسية وكل ما نطلبه هو الحصول علي شقة ولو صغيرة نتمكن فيها من بناء أسرة حقيقية تتمتع بالاستقرار والأمن بدلاً عن العيش في شقة إيجار جديد ب450 جنيها ويطالب صاحب البيت برفعها ل 500 لتجديد الشقة. وأمام كل هذه الحكايات نعيش دنيا التصريحات ونتعلق الآمال كلما تم الإعلان عن مشروعات إسكان جديدة والسؤال: لماذا تتغير الأنظمة والحكومات وتظل مشكلة البحث عن شقة هي حقاً أم المشكلات ويظل حق المعاق في سكن كريم مهدراً في قائمة من الحقوق المهضومة في المجتمع؟!