الشائعات كرة لهب تتدحرج وتصل لمرمي الهدف سريعاً، ولذلك تظهر تداعياتها بصورة تؤثر في الأحداث، إلا أنها قد تأخذ شكلاً آخر عندما تتعلق بقضية اقتصادية ومن أقوي القطاعات التي تتأثر بالشائعات البنوك والبورصة وقد تصبح وقتية في حالة تداركها بحكمة من قبل المسئولين، لامتصاص آثارها وإصدار قرارات تسير في عكس اتجاهها، وربما توقفها وأحياناً قد يفشل المسئولون في تداركها ويسير الجميع وراءها غير مدركين أنهم سيجنون حصادها بعد ذلك، وقد أثيرت ظاهرة الشائعات الفترة الأخيرة داخل السوق المصرفي، حيث تسببت شائعة سرت داخل أروقة شركات الصرافة بعودة مداهمات مباحث الأموال العامة للشركات مما تسبب في وقف التداول علي الدولار وإصابة تعاملاتها بشلل تام وارتفاع سعره بالسوق السوداء 5 قروش دفعة واحدة. والحقيقة يسردها الدكتور بلال خليل، نائب رئيس الشعبة العامة للصرافة بالاتحاد العام للغرف التجارية، موضحاً أن ضابط مباحث قام بمداهمة إحدي الشركات بمحافظة بني سويف دون وجه حق ويتنافي مع قانون النقد الأجنبي الذي ينظم عمل شركات الصرافة وينص صراحة علي أن الجهة الوحيدة المنوط لها التفتيش علي شركات الصرافة هي مفتشو البنك المركزي، وفي حالة اصطحاب مباحث الأموال العامة يكون بإذن من النيابة. وأضاف أنه تم تدارك هذه الشائعة بعدما تبين للجميع الحقيقة وعاد الاستقرار مرة أخري للسوق المصري. وأشار الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدي المصري - العربي للدراسات الاقتصادية، إلي أن أشهر الشائعات التي تسببت في كوارث اقتصادية دولية وكادت تتسبب في مثيلها بمصر، وأشهرها البنوك الأمريكية المسئولة عن الأزمة المالية العالمية مثل بنك باركليز الذي أشهر إفلاسه ورفض أن يعيد للناس أموالها وتسبب ذلك في تدافع المواطنين الأمريكيين للحصول علي ودائعهم من البنوك، وقد بلغ التدافع إلي حد أن عملاء 152 بنكاً أمريكياً طلبوا أموالهم دفعة واحدة مما أدي لانهيارها جميعاً. وأكد رشاد عبده، أن هناك قرارات اتخذها رؤساء تسببت في تغذية شائعات سلبية، فمثلاً حكومة الرئيس المعزول مرسي أصدرت قراراً بحظر خروج أكثر من 10 آلاف دولار للخارج وبسرعة سرت شائعة بأن مصر ليس بها دولار والحكومة تسعي لوضع يدها علي الودائع الأجنبية لذلك خلال يومين قام عدد من العملاء بسحب أموالهم ولكن عاد الاستقرار لأروقة البنوك بعدما نفي مسئولوها هذه الشائعة. وأشار لأمثلة أخري مشابهة ولكن تسبب فيها تصريحات نارية من أصحابها، فعندما تولي إسماعيل حسن محافظ البنك المركزي في فترة كان هناك أزمة في سوق العملة وعجز في الاحتياطي النقدي، وخلال مؤتمر صحفي حاول نفي وجود عجز في الدولار بالبنوك، وأكد أن هناك الملايين من الودائع الدولارية التي تمتلك الحكومة القدرة علي تحويلها للجنيه المصري وإثر ذلك قام أعداد كبيرة من العملاء بسحب أموالهم خوفاً علي تسييلها من قبل الحكومة.. وقال: إن الشائعات لا يوقفها إلا اتخاذ قرارات وإجراءات معاكسة لها، فمثلاً عندما ضربت الأزمة المالية العالمية الأسواق الخارجية ظهر بعض الخبراء الاقتصاديين علي الفضائيات وأكدوا أن مصر سوف تفلس خلال أيام وطالبوا المواطنين بسحب أموالهم وذهب عدد غفير من المواطنين للبنوك لاسترداد أموالهم بصورة أفزعت مسئولي البنك إلا أن القيادة السياسية في تلك الفترة تداركت الموقف وطلبت من البنوك رد الأموال بالكامل وعندما تدارك المواطنون وتيقنوا أن جميع البنوك ترد الأموال شعروا بالاطمئنان وردوا أموالهم مرة أخري، مؤكداً أن ذكاء وفطنة المصرفيين بمصر خلال الأزمة المالية، بالإضافة إلي عدم إسراف البنوك في منح قروض عقارية جعلت البنوك في منأي عن الأزمة. وأوضح «رشاد» أن الشائعات قد تؤدي لتدمير اقتصاد أو كيان ما لم يقابلها فعل مضاد لها، فمثلاً خلال فترة تولي الدكتور محمود محيي الدين وزارة الاستثمار، تولي أحد أصدقائه رئاسة مجلس إدارة شركة تحقق أرباحاً معقولة، وأراد أن يثبت لصديقه الوزير أنه حقق أرباحاً أعلي، ففي آخر السنة المالية للشركة لم يتحقق هدف الرئيس وبمراجعة الملفات وجد شيك بمليون جنيه لحساب شركة التأمين قام بتسييله وضمه لأرباح الشركة وإثر ذلك حدث حريق بالشركة وحرمت من الحصول علي التأمين بسبب القسط المستحق علي الشركة التي عزفت عن سداده بسبب رئيسها. وأوضح أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، أن معظم الشائعات يطلقها أصحابها بهدف زعزعة السوق وجني مكاسب سريعة. وأكد «شيحة» أن من أكثر الأسواق التي تتعرض للشائعات هي سوق العملة وعادة ما تخرج الشائعات من قبل المتعاملين فيه ويلجأون إليها عندما يرغبون في تسيير السوق للعكس، خاصة عندما ينخفض سعر الدولار وهنا تصبح إشارة مدمرة علي الاقتصاد، موضحاً أن العملة بمصر لها حساسيتها، خاصة في ظل اعتماد الدولة علي الاستيراد بصورة كبيرة لذلك يشعل أسعار معظم السلع. واعتبر «شيحة» أن تأثير الشائعة وقتي مهما كانت تداعياتها إلا أن أصحابها يحققون مكاسب من ورائها. وقال محمد المصري، نائب اتحاد الغرف التجارية: إن الشائعات دائماً لها تأثير سلبي ولكن ليس لحد التدمير في ظل إدراك المواطنين والمتعاملين في السوق الحقيقة، وأضاف: أنا كرجل أعمال أعتمد علي تحري الدقة قبل اتخاذ أي قرار، فمثلاً لو ادعي البعض أن أحد الأسهم سوف يسجل ارتفاعاً كبيراً بالبورصة لا أسارع لشرائه إلا عندما أتأكد من ملاءة ووضع الشركة مالكة الأسهم بالسوق والصفقات التي تتجه لإبرامها. وأكد المهندس إبراهيم العربي، رئيس غرفة القاهرة التجارية، أن تأثير الشائعات خطير للغاية، خاصة عندما يتعلق الأمر بعالم المال فقد تؤدي لانهيار صناعة أو رفع أسهم أخري، مشيراً إلي أهمية معالجتها سريعاً حتي لا تتضخم ويصبح لها تداعيات أكبر علي المدي البعيد.