قبل اندلاع ثورة 25 يناير المجيدة ببضعة أيام فوجئت بمكالمة رقيقة من الصديق خيري حسن الكاتب الصحفي بالوفد يبلغني فيها إن الصحيفة العريقة شرفتني بتكليفي بكتابة مقال أسبوعي بها تحت عنوان «شاهد علي العصر» وهو اسم برنامجي الذي ارتبط به منذ عام 1983، وقبل أن أشرع في كتابة أول مقال قامت الثورة وتوقف المشروع شهورا الي أن تجدد الطلب منذ أيام وخلال هذه الشهور كانت الثورة تموج وتغير وتسقط رئيسا وحكومة وحزبا حاكما ورموزا لنظام يتهاوي. ومن بين الرموز التي سقطت وجوه عديدة كانت لي معها حكايات تستحق أن تروي، وشهادة تستحق أن تسجل في هذه السطور التي حولتني من «محقق» في برنامجي الي «شاهد» أسرد بضمير وقائع أخال أنها ستدهش، بل ستفاجئ القراء. كما انها ستباغت بعض هؤلاء الرموز الذين ستدهشهم قدرتي علي تذكر تاريخ ما أهمله التاريخ! وأبدأ بالسيد أنس الفقي وزير الإعلام السابق في النظام البائد، كان ذلك عام 2004 كان هو وزيرا للشباب وكنت أنا رئيسا للإذاعة المصرية. تعودت منذ عام 1983 أن أقدم برنامجا رمضانيا قصيرا وساخنا عقب افطار كل يوم في رمضان. ومكان عنوان برنامجي في ذلك العام «لا تعليق» سجلت معه حلقة ثم جلسنا «ندردش» دردشة ودية عقب التسجيل، باغتني بقوله: «أنا لا أسمع الإذاعة المصرية.. أنا أسمع بي بي سي» ثم أردف بحدة: «لماذا لا تكون الإذاعة المصرية مثل إذاعة بي بي سي، وفي مستواها؟» وهنا اعتدلت في جلستي وتخلت عني بشاشتي وغابت ابتسامتي وأنا أرد بجدية «حينما تتمتع الإذاعة المصرية بحرية واستقلالية بي بي سي وتصبح لسانا للشعب وللمجتمع حينا تتخلي عن الترتيب البروتوكولي لنشرة الأخبار، فلا يصبح أول خبر عن الرئيس وثاني خبر عن الهانم وثالث خبر عن النجل ثم أخبار الحزب والمجلسين ثم بقية أخبار العالم. يا سيادة الوزير المفروض أن تنقل الإذاعة نبض الشارع وأن يتم ترتيب الأخبار في النشرة طبقا لأهميتها، وإلا فإنها تفقد المصداقية ويتحول عنها الناس كما تفعل أنت. كان يرمقني مليا وهو ينظر إلي شذرا نظرة ضابط في أمن الدولة لا نظرة وزير! وكنت من السذاجة أن أظن أن دردشتنا كانت ودية! ولم أدرك وقتها قوة الارتباط بينه وبين الأسرة الحاكمة خاصة جمال مبارك، كما لم أدرك أنهم كلفوه بوزارة الشباب بشكل مؤقت تمهيدا للنقلة الأهم في حياته كوزير للإعلام، وهو ما تم بالفعل بعد أقل من ثلاثة شهور من مقابلتي معه، وأنه نقل الي جمال مبارك، المتصرف في شئون مصر وقتها نص النقد اللاذع الذي أسر به له رئيس الإذاعة المصرية ليوضع جنبا الي جنب مع «سوابقي» مع النظام وأهمها مكالمتي الشهيرة مع الرئيس السابق حينما «تجرأت» وحاورته في موضوع التوريث مما أكد لهم أهمية إزاحتي من منصبي. وبعد شهور ثلاثة جاء أنس الفقي وزيرا للإعلام، وكان أول قرار له هو إحالة عمر بطيشة الي المعاش ولم أفاجأ فأنا أدري بما قلت في دردشتي الودية مع أحد سدنة النظام وكنت مستعدا لدفع الثمن، وإلي اللقاء مع شهادات جديدة.