فى جميع الدول الديمقراطية، تجد اعتقاداً قوياً سائداً مفاده أن للمثقف تأثيراً على السياسة لا يمكن إنكاره. وهو اعتقاد لا شك فى صحته إذا كان يتعلق باقتدار المثقف على جعل آرائه فى قضايا الساعة تؤثر فى الميدان السياسى إلى المدى الذى يستطيع فيه أن يقود صوت الشارع إلى ما فيه صالح الوطن. فالمثقفون يتحملون مسئولية عظمى من خلال القوة التى يمتلكونها بفعل قدرتهم على تشكيل الرأى العام، فمن يحظى ببلاغة الحوار، عليه أن يتحمل مسئولية أكبر. هذا ينطبق على المثقفين المصريين وعلى سائر المثقفين. لهذا عندما تكون الأمة فى منعطف كبير على مثقفيها توضيح الأمور للعامة ولهذا توجهنا لهم نسألهم رأيهم فى تأجيل الانتخابات البرلمانية القادمة، بعضاً من الوقت، حتى تستقر الأمور بالبلاد نسبياً، وحتى نستطيع إكمال خارطة الطريق، بعدما أثار الحديث عن تأجيل الانتخابات البرلمانية خلال الفترة الماضية، جدلاً واسعاً على مستوى كل الدوائر السياسية والثقافية أيضاً، فهناك من يرى ضرورة تأجليها لما تمر به البلاد من احداث فى الوقت الراهن، والبعض الآخر يرى أنه لابد من استكمال المسيرة والاتجاه نحو تنفيذ خارطة الطريق، التى طرحت كإطار يقود البلاد إلى إقامة نظام ديمقراطى من خلال ثلاث خطوات مرتبة: هى تعديل الدستور, وانتخاب رئيس جديد, وانتخاب المجلس التشريعى طبقاً للقواعد والأحكام التى أقرها الدستور المعدل. فماذا قال المثقفون عن تأجيل الانتخابات. «ما يعنينى أن يأتى برلمان يمثل الأمة»، هكذا بدأت الدكتورة سهير المصادفة الروائية ورئيس تحرير سلسلة الجوائز الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب حديثها، عندما توجهنا إليها نسألها رأيها فى تأجيل الانتخابات البرلمانية بعض الوقت، وأردفت المصادفة: لقد صدمت فى أول برلمان أتى بعد ثورة يناير حيث استحوذ عليه الإخوان المسلمين والسلفيون وجاء مخيباً للآمال كلها وخصوصا المرأة، بل جاء مضحكاً، وغير واقعى، فالمرأة التى تمثل نصف المجتمع المصرى وتزداد نسبة مَنْ تعول منهن أولادها وصلت فى السنوات السابقة لنسبة كبيرة للغاية، ففكر هذا البرلمان المثير للسخرية كان أن ينقض على كفاحها وعطائها على مر سنوات بل دعا أن تقر فى بيتها فتعود البلاد عشرات القرون الأخرى إلى الوراء. ما يعنينى بالفعل أن يكون المجتمع جاهزا ومستعدا لانتخابات برلمانية لا تعتمد على الأموال أو الحشود العمياء أو تربيطات فلول النظام السابق. نحن ما زلنا نطرح السؤال ونحن نعلم أن مجلس النواب القادم هو الأصعب فى تاريخ مصر السياسى، فالمهام التى فى انتظاره ليست بالقليلة، فهناك حاجة ملحة لتعديل عشرات القوانين المكملة للدستور حتى تتلاءم مع التعديلات التى أجريت عليه منها قانون الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون الجمعيات وهناك قوانين متعلقة بالهيئات الجديدة التى نص عليها الدستور مثل المجلس الوطنى للإعلام والمجلس القومى للصحافة، وكذلك أمام المجلس القادم العديد من القوانين التى يجب الغاؤها أو تعديلها لتتوافق مع أحكام الدستور المعدل. لأن المرحلة تتطلب استعدادات خاصة فى مقدمتها توحد الجهود لرعاية ما هو قائم والتفكير فيما تتطلبه اللحظة ويلزم مجتمع يقاوم التفتت فإن تأجيل الانتخابات البرلمانية بات مطلباً تفرضه اللحظة وتتطلبه الظروف الراهنة، هكذا بدأ الكاتب والناقد الدكتور مصطفى الضبع حديثه، وموضحاً أنه يمكن الوقوف عند أكثر من سبب داعم لفكرة التأجيل منها أن الانتخابات على الطريقة المصرية بشكل عام مدعاة للفرقة والخلاف وتشتت الأفكار ففى ظل ثقافة لم تنجح فى ترسيخ قبول الآخر يكون من الصعب المجازفة بعمل من شأنه شق الصف.كذلك تربص الكثير من القوى المضادة داخليا وخارجيا لاستغلال الانتخابات فى صب البنزين على مستصغر النيران وإجراء الانتخابات سيكون الفرصة السانحة لهؤلاء. أيضاً المجتمع فى كثير من مؤسساته يمر بحالة تطهير ملحوظة تتطلب اللحظة أن تكتمل قبل أى سباق خلافى للانتخابات. أما من الناحية الاقتصادية فالاقتصاد المصرى لا يحتمل تعبئة شعبية وعسكرية لها تكاليفها الاقتصادية فى انتخابات لا يضير الوطن تأجيلها. ويضيف الضبع أن المرحلة مرحلة مشروعات قومية كبرى ليست محل خلاف يستدعى سلطة تشريعية ومن ثم فإن العمل على توحيد القوى الوطنية حول هذه المشروعات الوطنية من شأنه تذويب الكثير من أسباب الخلافات والالتفاف حول هدف وطنى واحد. ويظل الجدل دائراً خاصة بعد ما تم بالفعل تنفيذ الجزء الأكبر من الخارطة، من خلال تشكيل لجنة تعديل الدستور, والتى طرحت وثيقة الدستور المعدل للاستفتاء الشعبى ووافق عليها الشعب المصرى بأغلبية واضحة, ثم انتخابات رئاسة الجمهورية على مرأى ومسمع من العالم كله. وتنفيذ هاتين الخطوتين فى إطار الشكل والوقت المتفق عليه شعبياً وسياسياً ساعد النظام الوليد على اكتساب قدر كبير من الشرعية وأن 30 يونية كان ثورة ولم يكن انقلاباً، لذلك مازال السؤال مطروحاً. وفى هذا يقول الدكتور خلف الميرى، أستاذ التاريخ إننا فى مصر لا شك نمر بمرحلة انتقالية وهى حالات استثنائية لا تتكرر كثيرا فى التاريخ.. ويضيف: أعتقد أن تنفيذ خارطة الطريق وإجراء الانتخابات البرلمانية فى مواعيدها يكون رسالة داعمة للاستقرار.. ولكن فى اللحظة الراهنة الاستثنائية الأحوال المصرية لا تحتمل مزيداً من النفقات والإنفاقات السياسية والاضطرابات الأمنية المصاحبة للمشاحنات والمشاجرات والعصبيات القبلية فى الدعايات الانتخابية.. وأنا من الصعيد.. وأعرف يقينا ما اقول فى العصبيات.. بالإضافة إلى أن الجهاز الأمنى مازال يمضى فى طريق التعافى.. وليس من الضرورى تشتيته بدرجات أكبر فى الصراعات الانتخابية.. وأرى أن إعطاء فسحة من الوقت لترتيبت الأوضاع والاستعدادات بصورة أفضل فى مهلة فى حدود ثلاثة أشهر ولا تتجاوز بأية حال ستة أشهر قد تكون فرصة مناسبة لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوضاع...وفى هذا الشأن لابد من البدء فى تهيئة الرأى العام والعمل على تنمية الوعى السياسى.. وإدخال تعديلات فى سياسات بعض الوزارات التى تمثل عبئاً فى الأداء الجماهيرى والسياسى وكذلك الأداء الإعلامى. لذلك يرى المؤيدون للتأجيل أن المشهد المصرى الآن يمر بحالة ضبابية تنعدم فيها الرؤى، وعلى هذا طالبوا الرئيس عبدالفتاح السيسى بصفته من يمتلك سلطة التشريع، بضرورة دعوة الشعب لإجراء استفتاء على تعديل بعض مواد الدستور التى تثير لغطاً فى الشارع، ولعل أبرزها المواد المتعلقة، بصلاحيات رئيس الجمهورية، ومواد حقوق الإنسان، ومادة الترشح لانتخابات مجلس النواب المقبل، بما يسمح للمصريين بالخارج الترشح للبرلمان، حتى تتوافق مع ما ينص عليه دستور 2014 من تغييرات فى النظام السياسى شبه الرئاسي، أهمها أنه يسمح لأعضاء البرلمان وبموافقة الثلثين بسحب الثقة من الرئيس، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، كما يمنح رئيس الوزراء بعض اختصاصات رئيس الجمهورية، مثل تشكيل واختيار وزراء الحكومة دون الرجوع للرئيس، باستثناء وزراء الدفاع والخارجية والداخلية والعدل، كما أن الرئيس لا يملك سلطة إقالة الحكومة، أو إجراء تعديلات وزارية وإن كانت محدودة، نظراً لأن الدستور يطلب موافقة البرلمان أولاً، ولا يجوز للرئيس إعلان حالة الطوارئ أو إرسال القوات المسلحة خارج البلاد دون موافقة البرلمان، كما لا يجوز للرئيس حل البرلمان إلا بقرار مسبب، وفى حال جرى استفتاء على حل البرلمان ورفض الشعب، يقدم الرئيس استقالته من منصبه. أما الكاتب والروائى فؤاد قنديل فيسرد عدة أسباب توجب تأجيل الانتخابات البرلمانية من وجهة نظره، فيقول: البعض يرى ضرورة تأجيل الانتخابات البرلمانية لعدة أشهر لعدة أسباب أولها ان أحوال البلاد غير مهيأة لإجراء الانتخابات والظروف مازالت مضطربة والعنف فى تصاعد رغم ما تلقاه القوى المناوئة من ضربات، أيضاً هناك كثيرون على ثقة من أن الأحزاب غير جاهزة ويجب إتاحة الفرصة لها حتى تنضج كما يجب إتاحة الحرية للرئيس للقيام بدوره التشريعى حتى يصدر ما يراه من قوانين تضمن سلامة الأوضاع والسيطرة على الأمور الخلافية ودفع عجلة الإنتاج دون تبديد للوقت فى الجدل وأرى أن علينا أولا استكمال خريطة المستقبل بالاستحقاق السياسى الأخير لابد أن تتم فى موعدها بما لا يتجاوز يناير 2015 حتى يتوقف النظر إلى الحالة السياسية فى مصر بوصفها ناقصة المؤسسات خاصة مع غياب السلطة التشريعية التى تسهل وصف نظام الحكم بالديكتاتورية حتى لو لم يكن كذلك حتى الآن على الأقل أيضاً فالبرلمان القادم لن يكون كما نتمنى بالضبط حتى لو انتظرناه سنيناً لأن النضج لا يكون إلا بالتجربة والممارسة وسوف يتحقق هذا خلال المناقشات ومدارسة القضايا المختلفة ومشروعات القوانين والسياسات من مقاعد المجلس النواب ومن تحمل مسئوليات المصائر. كذلك إذا كانت بعض الوجوه المحتملة للترشح متواضعة وأكثر الأحزاب هشة ومتداعية، فالكرة فى ملعب الجماهير التى يتعين عليها مراعاة اختيار الشرفاء والوطنيين الذين يفضلون مصالح الوطن قبل أية مصلحة وأصحاب الفكر والعلم والشخصية واستقلال الرأى والاستماتة فى النضال من أجل تقدم الأمة والانحياز للفقراء والمظلومين. وأخيراً فوعى الجماهير مسئولية الإعلام وعلى المخلصين من رجال الإعلام المساهمة بدأب لتربية الشعب سياسيا والتركيز على الصفات المميزة للعضو المشرف الذى يحسن تمثيلهم.