شهدت مصر في الفترة الزمنية القريبة الماضية نشاطاً سياسياً ودبلوماسياً مكثفاً وعلى عدة محاور عربية ودولية فضلاً عن تحركات وأنشطة مكثفة في الداخل لتحقيق مشروعات قومية هامة تدفع بشعب مصر نحو تحقيق آماله وطموحاته في حياة حرة وكريمة ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية: أولا: إن هناك نشاطاً مصرياً مكثفاً في عدد من الملفات الإقليمية المهمة والتي تؤثر على المنطقة العربية وعلى منطقة الشرق الأوسط ككل، ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى الجهود الدبلوماسية المصرية المكثفة للوصول إلى إيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة، وتحقيق التهدئة استعداداً لبداية العملية التفاوضية، ويلاحظ أنه على الرغم من تعددية محاولات أطراف مختلفة إقليمية ودولية لطرح مبادرات لعلاج الموقف المتدهور في غزة إلا أن المبادرة المصرية هي التي تم قبولها والأخذ بها من جانب أطراف الأزمة وهي وضعت نهاية للاعتداء الإسرائيلي وخصوصا أن هذا التوجه المصري لحل المشكلة يرتبط بقناعة أعم وأشمل وهي ضرورة أن يكون هناك حل للمشكلة ككل، أي انشاء الدولة الفلسطينية المستقلة لعلاج الأزمة من جذورها وكسر الحلقة المفرغة من الاعتداء والعنف. وبالإضافة إلى موضوع غزة، فقد عقد في مصر أيضا مؤتمر الدول المجاورة لليبيا وذلك لإيجاد حلول ومقترحات لعلاج الأوضاع السياسية المتدهورة في ذلك القطر الشقيق، وأعلنت مصر أنها مع الشرعية في ليبيا وتؤيدها وتساندها، ودعت إلى استعادة دور الدولة في ليبيا وسحب أسلحة الميليشيات المختلفة وبطريقة متزامنة لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا والتي تؤثر تأثيراً مباشراً على الأمن القومي المصري وعلى أمن المنطقة. وبالإضافة إلى الملفين الفلسطيني والليبي فقد نجحت مصر أيضا في تحقيق اختراق مهم في ملف مياه النيل، أو ما اصطلح على تسميته بأزمة سد النهضة وذلك من خلال اللقاء الثلاثي المصري الإثيوبي السوداني الذي تم من خلاله تحقيق تقدم في هذا الملف يعتمد على تحقيق المنفعة والمصالح المتبادلة وعدم الإضرار بمصالح أي طرف وخصوصا عدم الانتقاص من حصة مصر من المياه وهو ما يعتبر بداية جيدة لتفاهمات واتفاقات يتم الوصول إليها من خلال المفاوضات في الفترة القريبة القادمة وبحيث يصبح نهر النيل مجالا للتعاون والتكامل بدلاً من أن يكون سببا للتناقض والنزاع. ثانيا: ويمكن الإشارة أيضا إلى أن السياسة الخارجية المصرية أصبحت أكثر نشاطا واستقلالية وأكثر توازنا، فلفترة زمنية طويلة كان العالم بالنسبة لمصر يتمثل أساساً في الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية، والجديد الآن أن مصر بدأت تنوع في علاقاتها السياسية ومن ذلك على سبيل المثال توطيد العلاقات مع روسيا وهو ما يأتي في إطار ما يمكن تسميته بسياسة التوجه نحو الشرق، ويقصد بذلك التوجه نحو القارة الآسيوية بصفة عامة، ونحو روسيا والصين ودول النمور الآسيوية بصفة خاصة، وقد ساعد تقوية العلاقات مع روسيا على تحقيق مزيد من المرونة للسياسة الخارجية المصرية، وتخفيف الضغوط التي تعرضت لها مصر ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى التصريحات التي صدرت عن المسئولين الأمريكيين والتي تختلف عن اللهجة السابقة، حيث تمت الإشارة إلى أهمية الدور المصري في المنطقة وأهمية مصر في مكافحة الإرهاب، كما تمت الإشارة أيضا إلى عزم الولاياتالمتحدة تسليم الطائرات الأباتشي لمصر والتي كانت تستخدم من قبل كوسيلة للضغط على مصر، ويلاحظ أن التنوع والتعددية والتوازن في السياسة الخارجية المصرية لا يتوقف على روسيا وآسيا فقط، بل يمتد أيضا إلى القارة الإفريقية وأمريكا اللاتينية والدول الإسلامية مما يحقق تزايداً متوقعاً في دور مصر وتأثيرها في المنطقة وفي العالم ويحقق مزيداً من الاستقلالية للقرار المصري وبما يخدم المصلحة المصرية والأمن القومي المصري. ثالثا: إن الدور الخارجي والإقليمي لأي دولة يرتبط إلى حد كبير بعناصر ومقومات قوة الدولة في الداخل وخصوصا على المستويين الاقتصادي والتنموي، ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى بداية السير في طريق تحقيق المشروعات العملاقة القومية، حيث بدأت على أرض الواقع تنفيذ مشروع تنمية محور قناة السويس وبتمويل مصدره المواطن المصري مما يحقق الارتباط بين إنجاز تنموي ضخم مما ينعكس ايجابا على المواطنين المصريين جميعا، فضلا عن تأكيد معاني العزة القومية والكرامة المصرية، كذلك بدأت عملية الإعداد لمشروع آخر ضخم وهو مشروع منخفض القطارة ورغم أن فكرة هذا المشروع تعود إلى قرابة تسعة عقود من الزمان إلا أنه وجد أخيراً الاهتمام الجاد لتنفيذ هذا المشروع العملاق والذي يهدف إلى توليد الطاقة الكهربائية النظيفة من خلال شق مجرى لتوصيل مياه البحر المتوسط إلى منخفض القطارة في الصحراء الغربية المصرية والذي يصل عمقه إلى 145 متراً تحت سطح البحر، وللمشروع فوائده الاقتصادية والاستراتيجية الهامة. ويلاحظ أن هذه الإنجازات وعلى المحاور المختلفة التي تمت الإشارة إليها تأتي في فترة تعاني فيها مصر من تحديات وضغوط مختلفة سواء على المستويات الإقليمية أو الدولية أو الداخلية، وسواء كانت هذه التحديات ذات طبيعة اقتصادية أو أمنية أو سياسية ودبلوماسية مما يعكس المعدن الحقيقي للشعب المصري والذي تجعله التحديات أكثر قوة وقدرة على العطاء وأكثر رغبة في مواجهة التحديات والانتصار عليها وصناعة المستقبل الذي يأمله. أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة