ارتبط ما يُعرف ب «الربيع العربي» بتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وجاءت الحرب الأخيرة على غزة والتي أسفرت حتى الآن عن سقوط أكثر من ألفي شهيد فلسطيني وأضعافهم من الجرحى، لكي تعزز هذه الرؤية. في تلك الحرب مارست إسرائيل عملية عقاب جماعي وتدمير لكل مظاهر وأدوات الحياة في غزة، بما فيها مولدات الكهرباء والمياه والمباني والمستشفيات والمساجد، وكذلك مدارس تابعة للوكالة الدولية لإغاثة اللاجئين (الأونروا)، ما أودى بحياة عشرات الأطفال الفلسطينيين والذين جعلت مشاهدهم مدير مكتب الوكالة يجهش بالبكاء. وسط كل هذا الهول الذي حل بالشعب الفلسطيني في غزة، والذي حرك التظاهرات ضد إسرائيل في مختلف عواصم العالم، بما في ذلك أميركا اللاتينية التي سحب بعض دولها سفراءه من إسرائيل، لاحظ المراقبون أن على مدى الشهر الماضي لم تتحرك تظاهرة واحدة في دولة عربية. فقط مصر التي التقطت أنفاسها بعد 30 حزيران (يونيو) 2013 مما كان يراد لها، تحركت سياسياً وديبلوماسياً لكي تحاول وقف إطلاق النار وإنقاذ أرواح الفلسطينيين. فما علاقة هذه الظاهرة ب «الربيع العربي»؟ منذ أن رصد المراقبون تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، كان التفسير أن «الربيع العربي» والذي كان يمتاز بصعود الوعي بين الشعوب العربية وصعود قوة الرأي العام ودوره ودعمه للقضايا القومية، تحول إلى خريف أو شتاء عربي عاصف، فمعظم الدول العربية التي شهدت ثورات، فضلاً عن أن العراق يعاني دماراً داخلياً وحروباً أهلية وتفتيتاً للهوية جعلته ينكفئ على نفسه، بل إن دولاً في الإقليم كإيران كانت تزايد في تأييدها للقضية الفلسطينية فضلت التفاوض مع الولاياتالمتحدة حول برنامجها النووي على اتخاذ دور حاسم في دعم الفلسطينيين في غزة، كما أعلنت دول كتركيا وقطر خصومتها مع مصر على المصالح العليا للشعب الفلسطيني. وبطبيعة الحال، تدرك إسرائيل هذا الواقع العربي وغياب رادع إقليمي أو دولي، كما تدركه حليفتها الولاياتالمتحدة والتي سجلت بعض الإدانات السطحية للسلوك الإسرائيلي، إلا أنها على رغم القتل الجماعي الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، تقدم الدعم السياسي والديبلوماسي وتزودها بالسلاح والمعدّات ويخصص الكونغرس 250 مليون دولار لدعم مشروع «القبة الحديد» لحماية إسرائيل من صواريخ المقاومة. في ضوء هذا الواقع الدولي والإقليمي، لم يتبق للفلسطينيين سوى أن ينهوا مأساة الانقسام بينهم والذي يتطور منذ 2008 وأضر بإمكانات نضالهم وبصورتهم في العالم، وأن يستثمروا ما تبدى خلال الحرب على غزة من تعاطف المجتمع الدولي والعالمي ومنظماته الدولية والحقوقية والجامعات والمفكرين الأحرار والشخصيات العالمية، كالوزيرة البريطانية التي استقالت احتجاجاً على موقف حكومة كاميرون، ووصف بان كي مون للدموية الإسرائيلية بأنها «عار أخلاقي يستوجب المحاكمة». بل إن التعاطف مع الفلسطينيين ورفض الادعاءات الإسرائيلية بلغا الرأي العام الأميركي بخاصة قطاعات الشباب والشخصيات الفنية والنجوم وقطاعات من الإعلام الأميركي، وهو ما أظهرته أخيراً استطلاعات معهد «بيو». وفي هذا السياق، علينا أن نتذكر الحملة الدولية ضد نظام «الأبارتيد» والفصل العنصري في جنوب إفريقيا والذي كان أحد العوامل الحاسمة التي أسقطت هذا النظام. * المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية