تناولتُ فى مقال يوم الأحد الماضى، ما تتعرضُ له أمتنا العربية من تآمر وحروب شعواء لتفتيت وحدتها وطمس هويتها وتقزيم دورها فى الحضارة الإنسانية، وأشرتُ إلى أن أعداء الأمة يستخدمون - للأسف الشديد - أبناءها فى تنفيذ مخططهم، بسياسة الأرض المحروقة التى تعتمد على إثارة نعرات الطائفية والمذهبية والعرقية بين أبناء الوطن الواحد وإشعال فتيل الحرب بينهم فتكون النتيجة الحتمية أن تقضى الشعوب العربية بعضها على بعض. ولقد كان اعتقادى وما زال أن العداء للأمة العربية نابعٌ من فكْرٍ وعقيدة أكثر من أى شىءٍ آخر، ولذا فقد سبق أن طالبت بأن يكون الحوار والتفاوض مع القوى الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، حواراً عقائدياً لتصحيح ما لديهم من فكْرٍ مغلوط، وليس مجرد تفاوض دبلوماسى يقومُ على تبادلِ المصالح. ومن ناحيةٍ أخرى فإن الحروب الداخلية التى تشهدها الأرضُ العربية والعمليات الإرهابية التى تستهدفُ كيانات دولها، إنما تستندُ أيضاً إلى معتقداتٍ دينيةٍ خاطئة لدى الفصائل المختلفة التى ترتكبُها، بل ويستمرُ المُضى فيها وتصعيد وتيرتِها تحت شعاراتٍ إسلاميةٍ زائفة، مما يُربكُ الذهن العربى ويُثيرُ البلبلة فى النفوس ويُشتتُ الشعوب فتنزلق إلى المصير الأسود الذى يُريدُهُ أعداء الأمة. وإذا كانت كل أنظمة الحكم العربية تقريباً تخوض الآن تلك الحروب دفاعاً عن كيانات دولِها وحفاظاً على أمنِ واستقرار شعوبها، فإننى أعتقد أن ذلك ليس كافياً، ولذلك فقد ناشدتُ فى مقالى السابق فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أن يضطلع بدورٍ تاريخى رأيتُهُ واجباً عليه ومأمولاً منهُ فى هذه المرحلة، وهو أن يتبنى مؤتمراً لتصحيح الفكْر وتوحيد الصف، ويُدعَى إليه ممثلون عن كلِ الفصائل المتحاربة وعن أنظمة الحكم وعن فقهاء الدين ورموز الفكْر المستنير، وتكون جلساته ومناقشاته سرية ولمدة شهر على الأقل، ثُم تصدرُ بناءً عليه وثيقةٌ من الأزهر الشريف توضح للأمة معالم الطريق الصحيح من الوجهة الشرعية. بعد نشْر ذلك المقال، تلقيتُ اتصالاتٍ عديدة من المهتمين بالشأنِ العام ما بين مؤيدٍ ومُعارض، وقد يكونُ من المُفيد أن أعرض لوجهة النظر المُعارضة وردى عليها فى النقاط التالية: تساءلَ البعض كيف نقبلُ تفاوضاً بين الدولة وجماعاتٍ إرهابية؟ والرد أن المقترح ليس تفاوضاً، فالتفاوض هو مقايضةٌ للمصالح للوصول إلى حلٍ وسط بين طرفين، وأما المقترح فهو حوارٌ دينى على قاعدةٍ علميةٍ رصينة من أجل تصحيح معتقداتٍ خاطئة أو استجلاء حقائق صحيحة.كما أنهُ حوارٌ لا تُجريهِ الدولة وإنما يضطلعُ بهِ الأزهر الشريف منارة الوعى الإسلامى ومنبر الوسطية الرشيدة. ظنَ البعض أن مجردَ الحوار مع مثل تلك الجماعات والفصائل، يُعدُ تقنيناً لأعمالها الإرهابية أو استسلاماً لها . والردَ على ذلك بأنه من المُفترض أن الحوار سيكون بالفحصِ والتمحيص لمرجعياتِ تلك العناصر والمعتقد الذى أودَى بها إلى مستنقع التحارب ودِنو الأعمال الإرهابية، وبالتالى فهو لن يكون أبداً تقنيناً أو استسلاماً لأى عملٍ غيرِ مشروع، ولنتذكر أن العرب أبرموا معاهداتٍ بعد تفاوضهم مع إسرائيل وهى دولةٌ إرهابية من الأصل، ورغم أن التفاوض غير الحوار فإنهُ لم يُرتب تقنيناً أو اعترافاً أو استسلاماً لأعمالها غير المشروعة. قال البعض ان قادة تلك الجماعات والتنظيمات والفصائل، لا يحملون أى فكْر إسلامى ولا يدينون بدينِ الحق وأنهم مأجورون لتنفيذ مخططات دولٍ وأجهزة استخباراتٍ أجنبية، وأنهم فقط يرفعون شعاراتٍ دينيةٍ لا يعرفون عنها شيئاً، وأنهم لذلك سيرفضون المثول لأى حوار . والرد على ذلك بأن الحوار بآلياتهِ المُقترحة وسواءً بمثولهم أو عدمه، سيكون أفضل وسيلة لإقامة الدليل على صحةِ هذا القول، وبالتالى تستبين الشعوب العربية حقائق الأمور والأحداث وتتوحد قناعتُها وإرادتُها ومسيرتُها فى الاتجاه الصحيح، وهذا هو الهدف الأعظم المنشود. افترض بعضُ المعلقين سلامة وإخلاصِ نوايا أىٍ من هذه الجماعات وعدم فساد معتقداتهم، وتساءلَ عن جدوىالحوار إذا كان قصدهم الوصول للسلطة وإصرارهم على الحكم؟ والردُ ببساطة أن هؤلاء لو كانوا حقاً أصحابَ نوايا حسنة وعقيدةٍ صحيحةٍ خالصة وفكْرٍ واعٍ مستنير، فسيكون الحوار معهم أسهل وأجدى، لأن ولايةَ الأمر فى الإسلام لها منهجها وشروطها وضوابطها الشرعية، وبالحوارِ والحُجة يتّضِح السبيل القويم، ومن خرجَ عليهِ وجبَ قتالهُ. أما عن دواعى تمثيل الحكوماتِ فى هذا المؤتمر المقترح فذلك لكونها الطرفَ الآخر فى كلِ الأحداث الدامية التى تشهدُها الأرضُ العربية، ويتعينُ عليها أن تعرضَ ما لديها من معلومات وما ترصدهُ من وقائع، لتكون الصورة واضحة المعالم أمام علمائنا الأجلاء المأمول منهم هذا الدور التاريخى المرتقب . حفظ الله مصرنا الغالية , وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل. لواء بالمعاش E-Mail :