بدون مقدمات للحديث فهي يمكن أن تفهم من سياقه، فأنا أختلف تماماً مع الفكر الذي يعتقد أن الجماعة المسماة بالإخوان المسلمين هم غرباء عن الوطن وليسوا من أبنائه وانه يجب إسقاط الجنسية المصرية عنهم، وأري أنهم مواطنون مصريون ولكنهم للأسف الشديد كانوا إفراز مجتمع مريض. نعم هم بالدرجة الأولي إفراز طبيعي لمجتمع كان مريضاً في وعيه وإدراكه، يوم أن اعتقد انهم راشدون وأن أقوالهم هي الصدق وأفعالهم هي الصواب ومنهجهم هو الصحيح. مجتمع كان مريضاً فمؤسساته التي تخاذلت أو توارت أو توانت أو عجزت عن المواجهة المتكاملة الصحيحة، لهذه العصبة التي استطاعت في ظل ترهل الدولة خلال عقود مختلفة، أن تنتشر فكراً وعدداً في كل ربوع الوطن. مجتمع كان مريضاً بانبهاره المفرط الأجوف بالحضارة الغربية، حتي سمح لها بأن تسرب إليه أو تفرض عليه منظومات ثقافية غريبة أزاحت كثيراً من قيمه وتقاليده الأصيلة وموروثه الثقافي المتميز، مما أتاح الفرصة لمثل تلك الجماعات المتطرفة- علي أبسط توصيف لها- أن تجد مجالاً خصباً للعمل والانتشار. إن هذا المجتمع الذي أفرز تلك الجماعة، هو المسئول- بكل أفراده وفئاته وأطيافه ومؤسساته- عن مواجهتها بالكيفية التي تحافظ علي كيان الوطن وأمنه وسلامته واستقراره، ودون مساس بثوابته ومرجعياته الدينية. ان تنظيم الإخوان بعد أن أفصح بسفور عن وجهه الحقيقي في أعقاب سقوط حكم الجماعة في مصر بثورة 30 يونية العظيمة، أصبح يشكل خطراً محدقاً بهذا البلد، بل وخطراً متنامياً يهدد بتدمير حاضره واغتيال مستقبله، وذلك ليس لقوة التنظيم في ذاته وبشاعة آلياته وأدواته الإرهابية فحسب، ولكن لأنه كان ومازال الساعد الأيمن لتنفيذ المخطط الصهيوأمريكي، المعد منذ سنوات طويلة تحت مسمي «الشرق أوسط الجديد»، والذي يستهدف تدمير وتقسيم الدولة المصرية- شأنها شأن الدول العربية الأخري المستهدفة- بقصد تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة صارت واضحة للجميع. ورغم ان الشعب المصري قد نجح في التصدي لهذا المخطط وأعاق دوران عجلته في المنطقة الإقليمية كلها، وذلك كان الهدف الأول لثورته، إلا اننا لا نستطيع القول بأنه تم القضاء عليه نهائياً، ومن ثم ستظل الولاياتالمتحدةالأمريكية في دعمها المتنوع لهذه الجماعة الإرهابية، لترتكب كل جرائم القتل والترويع والتخريب والتدمير وإثارة الفتن وإشاعة الفوضي والاضطراب، بغية الوصول إلي الحالة الصفرية التي يتحقق معها مخططها اللعين، وليس أدل علي ذلك من الاضطرابات والاعتصامات التي بدأ إشعال فتيلها وإثارتها- دون أي منطق أو وازع وطني- في العديد من قطاعات الدولة، بعد نجاح الأجهزة الأمنية إلي حد كبير في مواجهة الجرائم الإرهابية الأخري. لذلك فان الحرب الضروس التي تخوضها مصر الآن، ليست مجرد حرب ضد عناصر إرهابية أو تشكيلات سياسية عميلة، وإنما هي في حقيقتها ودون مبالغة، حرب ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية، نخوضها مضطرين دفاعاً عن الوجود والكرامة واستقلال الوطن ومستقبل أبنائه، وما تنظيم الإخوان الإرهابي إلا أحد أسلحة العدو في هذه الحرب. من هذه القراءة الشخصية للأحداث التي تشهدها مصر ومنطقتنا العربية، والتي طرحتها مراراً علي مدار ثلاث سنوات مضت، وأعتقد أن كثيراً يوافقني فيها، فانني أناشد الدولة المصرية- حكومة وشعباً- بالتعبئة العامة لتلك الحرب المقدسة التي نخوضها الآن، وأري في هذا السياق ما يلي: 1- الكف عن استخدام مصطلح «ثورات الربيع العربي»، والذي ابتدعته القوي الغربية المعادية، لاسدال غطاء خادع علي جرائمها الاستعمارية التي ارتكبتها ضد الأوطان العربية، وقد آن الأوان لفضح تلك الجرائم رسمياً وكشف آليات تنفيذها وكل القوي الداخلية التي شاركت فيها. 2- التفرقة في التعامل مع جماعة الإخوان الإرهابية، بين قياداتها المحلية والدولية ومن ينساقون معهم في ارتكاب جرائمهم علي أرض الواقع، وبين المنتمين إليهم بالفكر أو بالعاطفة فقط، فالفصيل الأول لا سبيل للتعامل معهم إلا بالاجراءات الأمنية الرادعة الكفيلة باقتلاع جذورهم، أما الفصيل الثاني فيجب علي المجتمع بأسره أن يتكاتف لتصحيح أفكارهم ومعتقداتهم بخطاب ديني مستنير من الرموز الثقافية ذات الاحترام والتقدير الاجتماعي، ويتوازي مع نهج حكومي يعبر بجلاء عن قيم وتقاليد المجتمع الأصيلة. 3- منع وتجريم الاعتصامات والاضرابات داخل منشآت الانتاج والعمل، مع تصحيح المفهوم السياسي في هذا الصدد، لأن الإضراب إذا اعتبرناه وسيلة للتعبير عن رأي أو المطالبة بحق، فانه مشروط قانوناً بعدم تعطيل مواقع العمل التي هي ملك للمجتمع، وعدم صرف الراتب عن أيام الإضراب لأن الأجر مقابل العمل. 4- التواصل الحقيقي والتنسيق المهني، مع كل دول المنطقة المستهدفة بالإرهاب، لوضع منظومة متكاملة لمكافحته والقضاء عليه. 5- الإسراع في خطوات التقارب مع دول الشرق وعلي رأسها روسيا الاتحادية، لأن ذلك يعد ترسيخاً لثورة يونية وتحقيقاً لأهم أهدافها وتمهيداً لاستكمال مسيرتها. 6- تبني مصر لمبادرة سياسية برعاية روسية، تتضمن رؤية جديدة لضمان أمن كل دول المنطقة وفي مقدمتها إسرائيل، وطرحها علي الإدارة الأمريكية لتكون محلاً للتفاوض من أجل اتفاق شامل للسلام بالمنطقة يحقق مصالح جميع الأطراف. 7- التعجيل بالانتخابات الرئاسية، لأن وجود الرئيس بصفات الزعامة المأمولة، هو أهم دعائم أمن واستقرار المنطقة في هذه المرحلة التاريخية الفارقة. E-Mail: