أكد سيد حجاب، الشاعر الكبير، أن الشعب المصرى هو البطل الحقيقى فى المشهد السياسى بعد ثورتى 25 يناير و30 يونية، حيث أصبح رقماً صعباً فى المعادلة السياسية، وصمم على استكمال خارطة المستقبل بعد أن تمت سرقة ثورة 25 يناير بواسطة جماعة الإخوان الإرهابية. لكن استردها الشعب المصرى بثورة 30 يونية بعد أن رفض الشعب مشروع «حسن البنا» وجماعته الذى يراه معادياً للإنسانية وضد حركة التاريخ الطبيعية لأنه ثبت أنه مشروع فاسد يتصيد البسطاء فكرياً لسهولة السيطرة عليهم وقيادتهم فى مشروع خرافى، حيث اعتادت الجماعة على تطبيق مبدأ السمع والطاعة وتلقين الضلالات لأعضاء جماعتهم بما أفرز التعصب والإجرام، لأنهم لم يفهموا جوهر الدين ولا جوهر الحداثة فخلطوا الدين بالسياسة، وعندما فشلوا فى الحكم ورفضهم الشعب، رفضوا الواقع، ولجأوا إلى العنف والإرهاب والتدمير والاغتيالات، لأنهم اعتادوا على العيش فى واقع افتراضى يتسم بضيق الأفق وبنظرة استعلائية معادية للمجتمع الذى تم تكفيره ولم يستطيعوا التعامل معه إلا بالإرهاب والاغتيال بما سيزيد من الكراهية والرفض الشعبى لهم، وهذا سيكون أقصى عقاب لأنه بمثابة الانتحار السياسى لجماعة استمرت أكثر من ثمانين عاماً تسعى إلى السلطة، وفشلت فى الحفاظ عليها أكثر من عام. ماذا قدمتم فى الدستور إلى شعب مصر؟ - كان شرفاً كبيراً أن أشارك فى لجنة الخمسين وفى صياغة ديباجة الدستور وكان من حسن حظى أننى شاركت فى لجنة الحقوق والحريات، ومنذ اللحظة الأولى فى هذه اللجنة حرصنا على أن نرسل رسائل ذات دلالة للمجتمع من خلال اختيارنا للدكتورة هدى العمدة، مقرراً للجنة، والأستاذ عمرو صلاح، ممثلاً للشباب كمقرر مساعد، وكنا حريصين على أن يرعى الدستور الجديد حقوق المرأة والشباب وجميع الفئات المهمشة والتى شاركت فى ثورتى 25 يناير و30 يونية أهم مواد الدستور التى تليق بمصر وحضارتها وثورتى 25 يناير و30 يونية؟ - أظن أن المواد المتعلقة بالحقوق والحريات من أرقى المواد فى الدساتير المصرية والدساتير عامة، ولأول مرة ينص فى دساتيرنا على أن الكرامة حق، وأن التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم، وأن أهل المناطق الحدودية والنائية أولى بالعناية تنموياً وبالمشاركة فى التخطيط وجنى ثمار خطط التنمية فى مناطقهم، ولأول مرة يولى الدستور اهتماماً لذوى الإعاقة والأقزام، ونص على نسب متصاعدة من الدخل القومى للصحة والتعليم الأساسى والتعليم العالى والبحث العلمى، ونصت المواد المتعلقة على أن هدف التعليم تنمية الشخصية الوطنية المصرية، وينبغى أن يبنى على أساس المنهج العلمى، هذا بخلاف المواد المتعلقة بالحريات النقابية وحريات التظاهر والاجتماع وحرمة المساكن. ومن نحن ومن نكون فى هذا الدستور؟ - أولاً.. مصر قلب العالم كله لأنها ملتقى حضاراته وثقافاته ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته، ومصر وطن خالد للمصريين ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب.. فى مطلع التاريخ لاح فجر الضمير الإنسانى وتجلى فى قلوب أجدادنا العظام فاتحدت إرادتهم الخبرة، وأسسوا أول دولة مركزية ضبطت ونظمت حياة المصريين على ضفاف النيل وأبدعوا أروع آيات الحضارة، وتطلعوا إلى السماء قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاث، مصر مهد الأديان وراية مجد الأديان السماوية، فى أرضها شب «موسى» وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها «عيسى» وانفتحت قلوب وعقول المصريين لنور الإسلام وأصبحنا خير أجناد الأرض فى سبيل الله. حلم الأجيال وماذا عن ثورتى 25 يناير و30 يونية؟ - 25 يناير و30 يونية هما امتداد لمسيرة نضال وطنى كان من أبرز رموزه أحمد عرابى ومصطفى كامل، وتتويج لثورتين عظيمتين فى تاريخنا الحديث ثورة 1919 التى أزاحت الحماية البريطانية عن كاهل مصر والمصريين، وأرست مبدأ المساواة والمواطنة بين أبناء الشعب المصرى وسعى زعيمها سعد زغلول وخليفته مصطفى النحاس على طريق الديمقراطية مؤكدين أن الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة ووضع «طلعت حرب» خلالها حجر الأساس للاقتصاد المصرى، وثورة 23 يوليو بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر التى احتضنتها الإرادة الشعبية فتحقق حلم الأجيال فى الجلاء والاستقلال، وانفتحت مصر على أمتها العربية وقارتها الأفريقية والعالم الإسلامى، وساندت حركات التحرر عبر القارات وسارت بخطى ثابتة على طريق التنمية والعدالة الاجتماعية. وماذا عن دور القوات المسلحة خلال المسيرة الوطنية؟ - الجيش يحمل دائماً أمانة ومسئولية حماية الوطن، وثبت هذا خلال الانتصار فى معاركنا الكبرى من دحر العدوان الثلاثى عام 1956 إلى هزيمة الهزيمة بنصر أكتوبر المجيد الذى منح الرئيس السادات مكانة خاصة فى تاريخنا الحديث، ثم مساندته لثورتى 25 يناير و30 يونية، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية كان تأكيداً على العروة الوثقى بين الشعب المصرى وبين جيشه الوطنى وهذه أصبحت عقيدة وطنية خالصة داخل الجيش المصرى منذ أن أسسه محمد على فانحاز الجيش الوطنى إلى الإرادة الشعبية الجارفة فى 25 يناير و30 يونية التى دعت إلى العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية واستعاد للوطن إرادته المستقلة. إلى أى مدى أسس الدستور إلى مصر بعد ثورتى 25 يناير و30 يونية؟ - هذا الدستور رسم مساراً إجبارياً للسلطتين التشريعية والتنفيذية القادمتين كما يؤسس لدولة الثورة التى تسعى لتحقيق العيش بحرية تحت ظلال العدالة الاجتماعية ونؤسس لدولة ديمقراطية حديثة ويقطع الطريق على أى فساد أو استبداد قادم وهذا الدستور يمكن أن يفتح أمامنا أبواب المستقبل الذى نحلم به إذا فعلناه من خلال منظومة القوانين التى ينبغى إعادة النظر فيها على ضوء هذا الدستور الذى أرى أنه فتح الباب أمام الشباب لممارسة السلطة الرقابية على المجالس المحلية تدريباً للجيل القادم على ممارسة الحياة التشريعية والتنفيذية. كيف ترى المسرح السياسى بعد ثورتى 25 يناير و30 يونية؟ - من المؤكد أن الثورة ليست كبسة زر نضغطه فتمتلئ الدنيا ضياء، وأن الدستور لا يفعل نفسه بنفسه لكن هذه الثورة التى انطلقت فى 25 يناير ثم سرقت من جماعة الإخوان ثم استردها الشعب فى 30 يونية فتحت أمامنا طريق التغيير الذى كان مغلقاً كما أن هذا الدستور أشار إلى الحلم الذى ينبغى أن نحققه. لكن توجد محاولات لسرقة 30 يونية أيضاً؟ - البعض يسعى للمكاسب الشخصية ويوجد نوع من التناقضات بين القوى التى شاركت فى ثورة 30 يونية، ومن المؤكد أن بعض القوى المحافظة والرجعية فى النظام تحلم باستعادة الماضى وتحلم بمعاودة التسلط على شعبنا وشبابنا وهى معركة ينبغى أن نقودها أو أن نخوضها ضد هذه القوى فى إطار المخاطر التى تهدد وطننا إقليمياً ودولياً وداخلياً ولهذا ينبغى أن نتوحد جميعاً فى مواجهة الإرهاب ومحاولات فرض الإملاءات الخارجية. كيفية حل التناقض بين هاتين القوتين؟ - حل التناقض بين القوى الثورية والقوى المحافظة والرجعية يلزم بناء سلطة تشريعية جديدة تفعل هذا الدستور وباستكمال خارطة المستقبل لأن الدستور يلجم جموح أى سلطة تنفيذية تفكر فى الاعتداء على الحريات العامة والتسلط والاستبداد وينبغى أن نواجه كل استبداد ولا نكل بالدفاع عن الحقوق والحريات، ولا يقلقنى ظهور بعض الرموز القديمة على المسرح السياسى وأيضاً لا يقلقنى جوقة المطبلاتية والزمارين وصناع الفراعين. هل الشعب المصرى مازال يشاهد المسرح السياسى أم أصبح يشارك؟ - لا.. الشعب المصرى أصبح يشارك بل أصبح البطل الحقيقى فى المشهد السياسى بل أصبح رقماً صعباً ومهماً فى المعادلة السياسية منذ 25 يناير ثم بعد 30 يونية، ثم إن هناك نخباً شابة جديدة التحمت مع الشعب وأدركت نبضه، وأصبح من البلاهة أن يتصور أحد أنه يمكن أن نعود إلى نظام الإخوان أو إلى نظام مبارك مرة أخرى لأن الشعب أصبح يقظاً وقادراً على حماية ثورته ومستقبله من كل قوى الثورة المضادة التى أسقطها مرتين. كيف ترى موجة الإرهاب التى تسيل دم المصريين فى الشارع؟ - أعتقد أن موجة الإرهاب سوف تنحسر مع استكمال خارطة المستقبل، أما بالنسبة لسيل الدم المصرى الذى جرى فهو جريمة سوف تلاحق كل من رفع السلاح على الشعب المصرى.. مع الأخذ فى الاعتبار أن بعضهم من الشباب المغرر بهم ولهذا من الواجب أن تحتويهم الجماعة الوطنية بإعادة تأهيلهم لكن لابد أن تتم محاكمة كل من قادوهم أو عاونوهم أو تستروا عليهم فى ارتكاب هذه الجرائم الإرهابية. مع هذه الجرائم توجد مبادرات وأصوات تطالب بالمصالحة؟ - الشعب قال كلمته.. لا مصالحة مع هؤلاء إلا بعد تنفيذ العدالة الانتقالية بمنتهى الحسم والحزم والعدل وأيضاً لا عودة للشباب المغرر بهم من أتباع هذه الجماعة الإرهابية إلى حضن الشعب المصرى إلا بشروط الجماعة الوطنية، وأخشى ما أخشاه أن تواصل هذه الجماعات الإرهابية جرائمها ضد الوطن، فترتفع موجات الكراهية والرفض المجتمعى لهم ويتم عقابهم شعبياً لأن هذا سيكون نوعاً من أنواع الانتحار السياسى الجماعى لهذه الجماعة، ولهذا علينا أن نسرع بمحاولة احتوائهم باستكمال خارطة المستقبل لأنها السبيل الوحيد لإنهاء مثل هذه الأمور. كيف وصلوا إلى هذا التعصب الكريه لما يعتنقونه من أفكار غريبة عن مجتمع متسامح؟ - بشكل عام التعصب ابن الجهل، والإجرام ابن الخلل النفسى وهؤلاء الإرهابيون تربوا فى إطار جماعة تعتمد السمع والطاعة منهاجاً أساسياً لها والتلقين طريقاً لحشو العقول بالضلالات، هذا بالإضافة إلى أن مشروع حسن البنا منذ بداياته يحمل الفساد فى أصل البذرة، لأنه مشروع معادٍ للإنسانية وللسياق الطبيعى لحركة التاريخ، وبدأت الجماعة الإرهابية فى 1928 مع انحلال الامبراطورية العثمانية على يد مؤسسها الذى تتلمذ على يد «رشيد رضا»، المتعامل مع المخابرات البريطانية، الذى خان تراث أستاذه الإمام محمد عبده، وخرج «البنا» على العالم مطلقاً على نفسه لقب الإمام وبفكرة ضد مجرى التاريخ وهى استعادة الخلافة الإسلامية وأستاذية العالم كما يقول ومن الثابت تاريخياً أن جهات أجنبية قد أعانته مالياً فى بداياته مثل شركة قناة السويس بما يثير كثيراً من الشبهات حول مشروع جماعة الإخوان الإرهابية.. ومن الواضح أنه تصيد مجموعة من البسطاء فكرياً ليحكم سيطرته عليهم ويقودهم فى مشروعه الخرافى واستمرت الجماعة على هذا النهج طوال تاريخها. المفترض أنهم اختاروا لفظ «المسلمون» على جماعتهم بما يعنى ارتباطهم بالسلام والسماحة فى القول والفعل؟ - إن نظرة واحدة إلى شعار جماعة الإخوان، والمفترض أنه يعبر عن الجماعة وأفكارها وأهدافها نجده يعكس ضيق الأفق حين ينتقص من القرآن الكريم الملىء بآيات الرحمة والسلام والعقل، أية «وأعدوا لهم ما استطعتم» وأيضاً عندما يختار صورة السيفين المتقاطعين فى مخاصمة واضحة لمجتمعه، وكأنه يعيش فى دار حرب لا دار سلام وإسلام، واختياره تسمية الجماعة «الإخوان المسلمون»، حاكماً بتكفير بقية المجتمع المصرى.. وحين يشرح منهاجه الممالئ للمجتمع حتى يستميله، فإن رفضه فليس له إلا السيف وكل هذا يعكس نظرة استعلائية على غير أساس من العقل وروح الدين، لأنها معادية للمجتمع وللإسلام. ولكنهم كانوا يتباهون أنهم تركوا الإرهاب منذ ستينيات القرن الماضى وكأنهم يمنون على الشعب المصرى؟ - مع الموجة الثانية لعودة نشاط جماعة الإخوان تسيدت المجموعة المسماة «القطبيين» على مقادير الجماعة، وازداد تكفيرهم للمجتمع، واندفعوا إلى مسالك الإرهاب الأسود ضد الشعب المصرى وضد الوطن وأسسوا التنظيم الدولى للإخوان الذى استغل ثورات الربيع العربى متحالفاً مع الاستعمار كى يبسط سطوته على مجتمعاتنا بأى وسيلة مهما كانت، حتى لو كان عن طريق الإرهاب والاغتيال والتفجيرات كما يحدث. هل رفض جماعة الإخوان كل ما حولها من حقائق يجعلها تعيش فى عالم افتراضى خاص بها؟ - نعم.. فهذه جماعة تعيش فى عالم افتراضى خاص بها، وشىء مدهش ألا نجد فى هذه الجماعة مفكراً إسلامياً ولا فقيهاً محترماً ولا عالماً حقيقياً من علماء ديننا الحنيف مع أنها تدعى أنها جماعة دينية!! وهذا يرجع إلى أن منهاج التربية داخل الجماعة قائم على غسيل المخ، وإعادة حشوه بمجموعة من التلقينات ضيقة الأفق، ولهذا لم تقدم لمصر ولا للإنسانية مبدعاً لا فى العلوم ولا الفنون أو الآداب وهذا أمر بديهى لأن عصر الرشد الذى صنعه التنويريون العظام اعتمد فى تكوينه الشخصية الإنسانية على النظرة العقلية لعلوم النقل، وعلى العقل النقدى فى تخليص العقل الإنسانى من الخرافات والخزعبلات ليمضى العقل فى سبيل العلم والمعرفة للتقدم والازدهار بالحياة الإنسانية، أما هؤلاء الذين اعتنقوا فكر الجماعة الإرهابية فيفتقدون إلى هذا العقل النقدى القادر على استجلاء الحقيقة، ومن هنا هربوا إلى عالمهم الافتراضى الوهمى، منعزلين عن مجتمعاتهم وعن الإنسانية جمعاء، ولهذا مع اصطدامهم بالواقع تجدهم يرفضونه ويلجأون إلى العنف والإرهاب الفعلى بالتدمير والاغتيال والإرهاب الفكرى بالتكفير. وكيف يكون هذا العالم الافتراضى؟ - هذا العالم الافتراضى كان يقابله فى السنوات الأخيرة عالم افتراضى أو حقيقة افتراضية انغمس فيها الشباب، وكان هذا العالم الافتراضى مبنياً على معرفة يقينية بالواقع الذى نعيشه، وعندما نزل هؤلاء الشباب من عالمهم الافتراضى إلى العالم الواقعى فى 25 يناير استطاعوا أن يفتحوا الطريق أمام المستقبل، هذا بخلاف الواقع الافتراضى الذى تعيش فيه جماعة الإخوان التى تأسست فى 1928 على يد حسن البنا الذى كانت فيه الحقائق الافتراضية مجافية تماماً للحقيقة الواقعية ومعاكسة لمسار التاريخ، وحين نزل أعضاء الجماعة من عالمهم الافتراضى الوهمى المبنى على الأغاليط والأكاذيب إلى الواقع الحقيقى اصطدموا بهذا الواقع ولم يفهموه ليتعايشوا معه، وفشلوا فى إدارته، واستطاعوا أن يبددوا حلمهم الوهمى الذى عاشوا فيه ثمانين عاماً فى لحظات قليلة، إذن هنا تكمن المشكلة فى أى واقع افتراضى تلجأ إليه؟ أهى حقيقة واقعية مبنية على أسس واقعية أم هى حقيقة افتراضية تحيا فى الواقع والتاريخ والإنسانية وهى أبعد ما تكون عن هذا الواقع والتاريخ والإنسانية. وما الذى عطل المشروع التنويرى المصرى الذى ربما حمى مصر وشعبها من الأفكار الشاذة المتطرفة؟ - من المؤكد أن المشروع التنويرى المصرى، وسعى المصريين إلى عالم الحداثة قد بدأه «رفاعة الطهطاوى» الذى دعا إلى أن يكون الوطن محلاً للسعادة المشتركة بين أبنائه، الذى أرشدنا فى بعض كتاباته إلى أن هذا المشروع ينبغى أن يبنى على المدرسة والمصنع، ولكن للأسف هذا المشروع فقد كثيراً من أهدافه التى بدأت موجته الثورية الأولى مع «رفاعة» وتواصلت حتى وصلت إلى مجلس شورى القوانين فى عصر الخديو «إسماعيل»، ثم انتكس مع هزيمة الثورة العرابية، وسرعان ما استردته نخب جديدة تمثلت فى مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وثورة 1919 وهذه الموجة لم تكمل طريقها فتأسس دستور 1923 الذى عكس تحالفاً بين رأسمال الإقطاع وبين الرأسمالية الوطنية الصاعدة. هذه الفترة ألم تضرب بثورة يوليو 1952؟ - جاءت فترة يوليو وأضاف عبدالناصر إلى هذا الحلم حلم العدالة الاجتماعية الذى انتكس مع هزيمة يونية 1967 ولكن الذى قتل المشروع الاستراتيجى لعبدالناصر كان غياب الديمقراطية وطوال هذا الزمن لم تدخل مصر إلى عصر الرشد والحداثة فقط اقتربت من عينات هذا العصر، وسادت مفاهيم تربوية تروج لفكرة المستبد العادل!! والأب الوصى على أبنائه بما قلص من آفاق المعرفة والديمقراطية بما سمح بشيوع الجهل والخرافة والخزعبلات فى كثير من العقول التى أصبحت معول هدم لهذا الوطن. وهل عجزت النخب عن أن تملأ هذا الفراغ بمشروع تنويرى ينقلها إلى عالم الحداثة؟ - فى الأزمنة الأخيرة تحولت النخبة فى معظمها إلى جوقة للحاكم تبرر أفعاله وتروج أفكاره، ولكن أظن أن ثورة 25 يناير هى الموجة الثورية الثالثة ولكنها تعرضت لانتكاسة مؤقتة سرعان ما تجاوزتها بثورة 30 يونية، وأرى أن هذه الموجة الثورية هى التى سوف تفتح الباب أمام النخب لتنوير حقيقى ودخول مؤكد إلى عالم الحداثة لأننى أظن أن ثورتى 25 يناير و30 يونية رسالة من المصريين إلى الإنسانية بأكملها بأن البشرية توشك أن تطوى صفحات عصر الرشد لتدخل إلى عصر الحكمة الذى يبنى على أساس الحقيقة والعدل وحقوق الإنسان، الذى يفصل بين الثورتين الإنسانيتين الكبيرتين فى العصور الماضية ثورة الحريات التى تمثلت فى الثورة الفرنسية، وثورة العدالة الاجتماعية التى تبنتها الثورة الروسية. إلى أى مدى أضر مصر خلط الدين بالسياسة؟ - من المؤكد أن التدين عنصر أصيل وقديم فى نفوس المصريين، ومع محاولاتنا الأولى للدخول إلى عالم الحداثة، كان هناك اجتهاد عبقرى للإمام محمد عبده فى الفصل بين جوهر الدين الإسلامى ومقاصد الشريعة الغراء وبين زماننا لكن بعد رحيل الإمام محمد عبده عن عالمنا جاء بعده مضللون كثر لم يفهموا جوهر الدين ولا طبيعة العصر، وجوهر الحداثة ومن هنا بدأ الخلط بين الدين والسياسة. لكن هذه الجماعات مازالت تكفر من يطالب بفصل الدين عن السياسة؟ - جوهر الحداثة فى زاوية منه يعتمد على فصل السلطة الزمنية عن السلطة الروحية وهم يرفضون هذا، مع أن هذا الفصل ظهر بعد معاناة أوروبا طويلاً من سطوة الباباوات وهذا لا يعنى عداء من السلطة الزمنية للسلطة الروحية، لكنه يعنى ما قامت به ثورة 1919 بأن الدين لله والوطن للجميع، وفى الأزمنة الأخيرة مع شيوع الجهل والخرافة ودعاة الضلال الذين أساءوا إلى الدين والحياة بمعاودة خلط الأوراق، وكانت النتيجة ما نراه الآن من موجات الإرهاب التى نعانى منها، ولهذا مطلوب استكمال طريقنا نحو الحداثة وأن نتقدم على طريق العقل لأن العقل والعلم هما الطريق إلى المستقبل. هل أنهت ثورة 30 يونية على مشروع الإخوان؟ - أظن أن المشروع الوهمى لحسن البنا قد ثبت فساده، ورفضه المصريون لأنه مشروع دينى، والمصريون بطبيعتهم متدينون، وأتصور أن تأتى نخب إسلامية جديدة باجتهادات عقلية جديدة تكون قادرة على أن تصل بين الدين وبين الحياة وبين العصر على طريقة الإمام محمد عبده، ولكن بأسلوب زماننا وبمناهج معرفية عصرية متطورة تنقل مصر إلى عصر الحداثة والتقدم بعيداً عن المشروع الفاسد لجماعة الإخوان. لماذا اعتبر البعض بيان القوات المسلحة على ترشح المشير السيسى تدخلاً من الجيش فى السياسة؟ - أعتقد أن من تعرضوا لنقد بيان القوات المسلحة بموافقته على ترشح المشير السيسى اعتمدوا على ما تناقلته وسائل الإعلام عن هذا البيان أكثر من اعتمادهم على صلب البيان الذى أكد حق الشعب فى اختيار من يقوده خلال المرحلة المقبلة، إذن فالبيان ليس تفويضاً ولا يعنى أن السيسى هو المرشح الرئاسى للقوات المسلحة، لأن القوات المسلحة ينبغى أن تكون خارج اللعبة السياسية، وأن تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف، وأن تتفرغ إلى دورها الوطنى بعيداً عن السياسة، وأرى أن البيان صاغ كل هذه المعانى بشكل واضح وجلى، لأن القوات المسلحة تعرف دورها الحقيقى تجاه الوطن. ما أهم الرسائل التى أرسلتها 30 يونية إلى الخارج؟ - أرى أن أهم الإضافات الحقيقية التى قدمتها ثورة 30 يونية التى استكملت بها ثورة 25 يناير هو التأكيد على مبدأ السيادة الوطنية واستقلال الإرادة الوطنية المصرية فى مواجهة الضغوط والإملاءات الخارجية، وأعتقد أنها تقدر تلاحم القوى الشعبية فى بنائها لخارطة المستقبل التى ستكسر كل الضغوط الخارجية وتنحسر موجة الإملاءات، هذا بعد أن دخل الشعب المصرى وبقوة إلى الحياة السياسية بل أصبح رقماً صعباً فى السياسة الداخلية والخارجية، وبالفعل أصبح الشعب هو القادر على فرض إرادته على الجميع، والآن نستطيع القول بأنه لا يوجد أحد فى الخارج يملك رفاهية الاستغناء عن مصر ودورها فى محيطها العربى وفى العالم كله.