انتقادات عديدة وجهها خبرات القانون للتشريعات المصرية التي مازالت تطبق منذ سنوات طويلة دون اجراء أية عمليات احلال وتجديد لدمائها، حيث تم الاكتفاء بترقيع العديد من النصوص بالاضافة غالباً دون الاهتمام بالتعديل الحقيقي وساهمت كثرة القوانين في تفشي الروتين والفساد، فضلاً عن تراكم العديد من الازمات، وباتت أغلب التشريعات الحالية لا تتلاءم مع أوضاع البلاد، بعد قيام ثورتين متتاليتين تغيرت خلالهما كافة مظاهر الحياة في المجتمع، حتى أصبحنا بحاجة لثورة تشريعات حقيقية، في المرحلة المقبلة، يتم خلالها تنقية القوانين من كافة العيوب التي تشوبها والثغرات التي تملؤها والتي استغلتها الأنظمة السابقة في تحقيق مصالحها، الأمر الذي يتطلب اعادة النظر في حجم التشريعات التي تخطت 61 ألف تشريع لا يتناسب أغلبها مع متطلبات العصر. بعد تولي رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي مهام منصبه أصدر القرار رقم 187 لسنة 2014 بتشكيل اللجنة العليا للاصلاح التشريعي من أجل مراجعة وضبط التشريعات الحالية وتبسيط نظام التقاضي وتيسير اجراءاته، وبعدها قررت اللجنة العليا للاصلاح التشريعي في أول اجتماعاتها في منتصف الشهر الحالي برئاسة المهندس ابراهيم رئيس مجلس الوزراء، اعطاء الأولوية لتشريعات الاستثمار والتشريعات الاقتصادية والتجارية باعتبارها أول خطوة للنهوض بالبلاد. واتفقت اللجنة خلال اجتماعها، على تطوير منظومة العدالة، والقضاء على كثرة الاجراءات وتقصير مدة التقاضي، وقررت اللجنة تشكيل 8 لجان فرعية،وهى الأمن القومي والقصاص والعدالة والتشريعات الاجتماعية والتشريعات الاقتصادية وتشريعات الاتحادات والنقابات والتشريعات الادارية وتتشكل كل لجنة فرعية من عضوين من أعضاء اللجنة بمساعدة المتخصصين والخبراء. الإصلاح التشريعي مهام شاقة في انتظار البرلمان القادم، حيث تعد عملية الاصلاح التشريعي في مصر من المعوقات التي تواجه البلاد خلال تلك المرحلة، الامر الذي جعل رئيس الجمهورية يسارع بتشكيل لجنة للاصلاح وعدم انتظار البرلمان القادم، الذي ستوضع علي مائدته العديد من القوانين التي طالبت الاحزاب والقوى السياسية بتعديل بعضها والغاء بعضها الآخر. خاصة بعد اقرار دستور 2014، ومن ابرز القوانين المرشحة لتعديل أو الغاء بعض بنودها، قانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون النقابات المهنية اللذان ينتظر تعديلهما، وقانون الاجراءات الجنائية، وقانون السلطة القضائية هذا بالاضافة الى العديد من القوانين التي أدت لعرقلة الاستثمار في مصر مؤخراً مما دعا المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء الى التأكيد ان الاصلاح الاقتصادي بجانب الاصلاح التشريعي يضعان مصر على الطريق الصحيح ويساهمان في تحسين أداء الاقتصاد المصري، ويهيئان المناخ الاستثماري الايجابي. المستشار بهاء أبو شقة سكرتير عام حزب الوفد يرى أننا نحتاج لثورة تشريعات فأغلب التشريعات الموجودة الآن عقيمة ولا تتلاءم مع احتياجات ومطالب الجماهير، فمن المفترض بعد قيام ثورتين في مصر ان يتم تعديل التشريعات لأن اغلبها اما قديم أو يناقض بعضها البعض فنكون أمام منافذ يستغل المغرضون الثغرات الموجودة بها لتحقيق مصالحهم مثل القوانين الخاصة بالاراضي الصحراوية والزراعية فهناك قوانين وضعت لخدمة أغراض معينة، خاصة بالنظم السابقة، واخرى مضى عليها وقت طويل، ولاتتفق مع التطورات التي طرأت على المجتمع، فهناك قانون العقوبات الصادر عام 1935 وقانون العقوبات الجنائية وحالات الطعن بالنقض الصادر عام 1959، وهذه الغابة من التشريعات بعضها بالي والآخر متناقض، لذا يتطلب الأمر تعديلها حتى لا تكون القوانين المصرية في واد والشعب في واد آخر، ومن ناحية اخرى نجد أن القاضي سيكون دائما في حيرة من أمره، لأنه يشعر بأن القوانين لا تحقق العدالة المطلوبة فلابد أن نكون امام ثورة تشريعية تحقق منظومة العدالة، حتى يتسنى للمواطن الحصول على حقه لأن العدالة البطيئة هى والظلم سواء، فلابد أن نكون أمام قوانين جديدة، لأن الثورة تأتي بعدها عمليات بناء، فالتشريع يصدر لكي يحقق مطالب الشعب، والمشكلة التي نعاني منها انه منذ عام 1952 وحتى الآن مازلنا نتعامل مع الوزراء التكنوقراط، لذا نحتاج الى من يصدر قرارات بناء على دراسة تتم الاستعانة فيها بالخبراء، فلابد أن نعود للوزير السياسي مرة أخرى. قوانين عديدة المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق، يقول: هناك العديد من القوانين تحتاج لتعديل مثل قانون السلطة القضائية ومجلس الدولة وقانون الاجراءات الجنائية الذي يجب تعديله في المرحلة المقبلة لكي يحقق استقلال النيابة وأن تكون هناك سلطة اتهام فقط، ويتولى القضاة التحقيق في الجنايات كما كان من قبل، وبما يتفق مع التنظيم في المسئولية الجنائية بالدول الديمقراطية، كما يجب النص في هذا القانون على تطبيق عقوبة الاعدام بصورة تكفل ردع المخالفين على ارتكاب الجرائم، وذلك بأن تتم نشر واذاعة اجراءات الاعدام خارج حجرة الاعدام، كما يجب مراعاة تشكيل المحاكم الجنائية، وجعل احكامها قابلة للاستئناف امام محكمة الجنايات الاستئنافية، كما ينص على ذلك الدستور، اما قانون السلطة القضائية فلابد أن يتم نقل اختصاصات وزير العدل المتعلقة بشئون القضاء كاختيار رؤساء المحاكم الابتدائية، واختصاصه باعداد القرارات الخاصة بالتعيين والترقية لرجال القضاء وجعله ذلك من اختصاص مجلس القضاء وحده ومن المفترض أن يتم النص على ادخال الآليات الالكترونية في جميع المحاكم لسهولة حفظ المستندات وسرعة استخراج البيانات لاتمام سرعة الفصل في القضايا. إصلاح شامل الدكتور شوقي السيد الخبير الدستوري، يقول: اللجنة العليا للتشريع انشئت من اجل الاصلاح التشريعي، لأن هناك تشريعات عديدة تحتاج لالغاء واخري لدمج لمنع التعارض القائم فطبقا للاحصائيات لدينا 61 الف تشريع في مصر، وهذا الكم من التشريعات يتطلب اصلاحاً وتعديلاً لذا فان اللجنة العليا للاصلاح التشريعي عليها مراجعة هذه التشريعات، وتمحو ما بها ما تعارض والتناقض القائم بين بعض النصوص مما يؤدي لخلل في التطبيق يترتب عليه معوقات عديدة، كما تضيع الحقوق في مجالات التنمية والاستثمار، وبات من الضروري الآن أن يتم اجراء اصلاح شامل في التشريعات بمنهج موضوعي، وليس بطريقة رد الفعل لأن التشريع في النهاية يأتي بمنهجية، وبعد دراسة علمية من قبل اللجان المتخصصة، التي تنتهي الى حلول للقضايا المزمنة في مصر، ويتم وضعها في نصوص دقيقة واعادة صياغتها مرة اخري لازالة اي تعارضات، فنحن لدينا حتى الآن حالات مازالت منظورة أمام اللجان القضائية، والمحاكم، مرت عليها سنوات طويلة، كما أن لدينا قوانين يصل عمرها الى 60 سنة، ومازلنا نعمل بها حتى الآن، وهذا يؤكد أن هناك العديد من التشريعات في حاجة لالغاء واخرى تحتاج لتعديل مثل التشريعات التي تنظم التنمية والاستثمار في مصر، وقانون المناقصات والمزايدات الذي تم تعديل مادة واحدة منه مؤخراً وتسبب في الاضرار بالاستثمار بعد اصداره لاحكام متناقضة. وهناك أيضاً قوانين العدالة الاجتماعية،وقوانين الايجارات، وكافة القوانين المتعلقة بالمشاكل المزمنة في مصر، فجميعها يحتاج لتعديل سريع لانها عقيمة وقديمة ولا تتضح فيها الرؤية المطلوبة ويطالب الدكتور شوقي السيد اللجنة العليا للاصلاح التشريعي بعقد اجتماعات متواصلة لوضع خطة وبرنامج عمل وتشكيل لجان فنية لتقديم حلول سريعة قبل البدء في اية تعديلات لاننا نريد عهداً جديداً، ولابد أن تسبق التشريعات دراسة من قبل المتخصصين، وان تنتهي سياسة ترقيع القوانين التي كانت تجري مؤخراً، لأن الترقيع التشريعي لم يعد يصلح لتلك المرحلة، فالاصلاح لن يأتي الا بقوانين جديدة! أحمد عودة المحامي، عضو الهيئة العليا بالوفد، يوضح: بالفعل شكل رئيس الجمهورية لجنة للاصلاح التشريعي لكنها لم تبدأ عملها بعد ونحن نحتاج هذه الفترة لاصلاح تشريعي كبير لأن العديد من القوانين صدرت أما في عصر الديكتاتورية أو حتى عصر الاخوان المفسدين، أو صدرت في عجالة، وآخرها قانون انتخابات مجلس النواب، وهو من أول القوانين التي تحتاج لاصلاحات جذرية واعادة النظر بالكامل في تنظيم انتخابات البرلمان ويتم طرح التعديل للمناقشة المجتمعية ويعرض على الاحزاب والنقابات، وكافة منظمات المجتمع المدني وبعد المناقشات يتم اختيار افضل النصوص، هذا بجانب بعض القوانين العقابية التي تحتاج لاعادة نظر مثل جرائم الارهاب والقتل، والسرقة بالاكراه، فضلاً عن قوانين منع الاحتكار وتوفير السلع الاساسية بالاسواق لمحدودي الدخل، فأصبحنا في حاجة لثورة تشريعية وإذا لم تنجز تلك اللجنة مهامها، فاننا نطالب البرلمان القادم باعادة النظر في كافة التشريعات التي صدرت قبل انعقاده، وهذا اختصاص منحه له الدستور، فنحن في حاجة ملحة للتطبيق العاجل للقانون، الذي لن يأتي الا من خلال العدالة الناجزة، لأن العدالة البطيئة من شأنها ترك اثر نفسي سيئ على المواطن. تصحيح القوانين ويؤكد المستشار جميل قلدس رئيس محكمة الاستئناف الاسبق، ان هناك تشريعات ليس لها أهمية، لذا فإن لجنة الاصلاح التشريعي تهدف لتصحيح القوانين الحالية، لأن القاضي يجد صعوبة في تطبيق أي نص لتعدد وكثرة القوانين، فهناك العديد من القوانين يمكن تصفيتها واخرى يمكن تجميعها، وخاصة نصوص القانون الجنائى، اما القانون المدني فلا يتعارض مع الشريعة الاسلامية، حيث يدل على براعة مجلس النواب في وضعه عام 1948 لذا لا يحتاج لأية تعديلات، اما قانون العقوبات فيحتاج لاضافة بعض المواد والغاء مواد اخرى، لأن العقوبة احياناً تصل لبضعة جنيهات مما يساعد على خرق القانون فاصبح من الضروري تعديله ليتلاءم مع طبيعة المرحلة ويقول: لدينا عدد ضخم من القوانين التي لابد من تنقيتها جيداً، لعدم قدرتها على تأدية الغرض المرجو منها، كما انها تشجع على ارتكاب الجرائم والمخالفات، وهناك ايضاً قانون الارهاب، والقانون التجاري الذي يساعد على التهرب الضريبي، وعدم معاقبة المتهرب، ويطالب لجنة الاصلاح التشريعي بالعمل على تنقية القوانين مما يشوبها من عوار لأن كثرة القوانين تؤدي الى انتشار الفساد في المجتمع.