المستشار نير عثمان وزير العدل الجديد، قبل مجيئه لمقعد الوزارة، كان رئيسا لإحدى الدوائر الجنائية بمحكمة النقض، بعد مشوار طويل فى سلك القضاء. عرف خلاله بالخلق الكريم، والدقة فى العمل. وما أن جلسنا للحوار معه، حتى صعبت علينا نقطة البداية، فالعديد من الملفات القضائية مازالت مفتوحة، وأزمة تحصين لجنة الانتخابات الرئاسية مازالت مطروحة، وتكدس القضايا ونقص عدد القضاة، مازالت مطالب متجددة. وقبل أن نتساءل اكد لنا، أن وجوده بالوزارة يهدف قبل أى شىء لصالح القضاة، فهو قاض قبل أن يكون وزيرا.. وهذه مهمة أولى على رأس أولوياته
ومن هنا كان السؤال عن أولويات تعديل المنظومة القضائية، بما تضمه من قوانين ومحاكم وقضاة؟.. المستشار نير عثمان وزير العدل الجديد قال: وما التشريعات التى ترى إنها بحاجة الى تعديل؟.. التشريعات الحالية عظيمة ولكن الظروف تتغير، ولابد أن يكون القانون مواكبا للظروف المتغيرة بكل مجتمع. لان تعريف القانون ببساطة هو مجموعة من القواعد التى تنظم سلوك الأفراد وفى حال مخالفته لهذه القواعد يوقع عليه الجزاء. وتعديل هذه التشريعات ليس مهمة ننفرد بها، ولكننا نطلب مقترحات الأعضاء فى السلطة القضائية ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية وجميع الجهات القضائية حتى يتثنى لهم طرح المعوقات التى تعوق عملهم والأدوات التى تساعدهم فى انجاز مهمتهم، ومن خلال دراسة كل هذه المقترحات مع كل هذه الجهات يتم بلورة هذه القوانين فى قسم التشريع بوزارة العدل لصياغتها ثم تعرض بالمجلس لمناقشتها الا إننا لا نريد التعجل فى شأن هذه التشريعات، خاصة التى تتعلق بأمر القضاء والتى من المفترض أن يتوافر لها شىء من الاستقرار حتى لا نجرى تعديلا اليوم ثم نعود لإعادة تعديل العقدين من جديد. ونحن لدنيا قوانين لتنظم الإجراءات والعقوبات منذ فترة طويلة ومع ذلك مازالت صالحة ولكى لا تهتز هذه القوانين يجب دراستها جيدا لكى تواكب الظروف الحالية. وما رأيك فى مقولة إن قانون العقوبات أخذ فى اعتباره كل الجرائم التى واكبته وقت صدوره لكنه لم يشمل جريمة محاربة الدولة للشعب؟ سألت موضحة: { الا ترى أن ما يتردد عن أفعال الإخوان فى عام حكمهم والمؤامرات والاتفاقيات التى سعوا لتنفيذها وبيع أرض مصر تمثل جريمة ضد الشعب ويحتاج ذلك لنصوص تشريعية جديدة لعقابهم؟. القوانين الحالية سارية وحتى لو تغير النمط فى ممارسة الجرائم ولكن هى فى النهاية تشغل جريمة منصوصا عليها فى القانون وتحميها الاجراءات ومع هذا ستخضع هذه القوانين للمراجعات. وما نريد التأكيد عليه أن الذى ذكرته يعاقب عليه القانون العادى سواء بقانون الارهاب أو ما تم النص عليه بالمادة 86 من قانون العقوبات، والذى تحدث عن الارهاب والتى تم تعديلها منذ فترة قريبة لمواكبة الظروف الحالية. وماهو الحل بشأن تكدس القضايا وقلة الدوائر الأمر الذى يؤدى لبطء التقاضى ليس من صنع القضاة وليسوا سببا فيه. فعدد القضاة بداية من معاونى النيابة ووصولا للسادة المستشارين لا يتجاوز 12 ألف قاض مقارنة بحجم القضايا التى يصل أعدادها بالملايين فى كل درجات التقاضى، بالاضافة الى بشاعة جرائم الإرهاب وكثرتها، الأمر الذى أسفر عن وجود كم كبير من القضايا ضاقت بها المحاكم لذلك خصص الوزير السابق 9 دوائر جديدة لنظر جرائم الارهاب. تباشر العمل منها 6 دوائر حتى الآن ويجرى استكمال الدوائر الثلاث الأخرى، بالاضافة الى ذلك نسعى لزيادة عدد الدوائر عن ذلك وبدأنا بالفعل فى تنفيذ قاعات محاكم فى أماكن متعددة لبناء قاعات مكونة من دور واحد وتحتوى على قاعة للمحكمة ومنصة للقضاء ومكان للجمهور. تأمين المحاكم وقضية تأمين المحاكم لحماية القضاة وضمان سير المحاكمات ماذا تم بشأنها؟ أولا: لايوجد قاض يخاف أو يده مرتعشة فكلنا نسير على قوله تعالى «قل لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا». والأهم من كل ذلك أن مصر فى الوقت الراهن تستحق التضحية، والقضاة أول من يشعرون بذلك، ويعملون فى ظل الظروف، ومع ذلك تحرص وزارة الداخلية على تأمين المحاكم بالقدر الذى يحقق الهدف، وفى نفس الوقت يتماشى مع الامكانيات. ألا ترى أن قتل حارس أحد القضاة أمر محزن ويحمل رسالة خطيرة للقضاة؟ تعرض أحد من حراس القضاة لأى أذى شىء يحزننا جميعا، ولكن يحزننا بنفس القدر أو يزيد أن هذا الأذى يحدث تجاه مواطنين عزل لا دخل لهم فى شىء. فالارهاب لايفرق بين مسئول ومواطن، فنحن نواجه إرهابا غادرا أسود ونواجه عدوا لا نعرفه. وماهى أهم التشريعات التى تستعدون لإصدارها حاليا؟ خطة التشريع التى أعدتها الوزارة من فترة منها ما تم إصداره مثل قانون الانتخابات الرئاسية وسيتلوه قانون مباشرة الحقوق السياسية وهناك تشريعات أخرى يتم العمل عليها الآن. وماذا عنها؟ ونحن لن نعلن على أى تشريع بعد الآن إلا بعد أن يكون مشروع قانون متكاملا تم التوافق حوله. فى الفترات الماضية تكررت مقولة مطلوب إصلاح القضاء، فما رأيك فى ذلك؟ من الذى كرر هذا المصطلح؟ من رددوا هذا القول أغلبهم لايريدون مصلحة القضاء هم أشخاص يريدون الهروب من العدالة ويسيئون للقضاة، فمعظمهم موضع اتهام لجرائم ارتكبوها، فالقضاء المصرى منذ نشأته إلى الآن من أعظم أنظمة القضاء فى العالم، وكمرفق من المرافق بالدولة إن وجد به «شائبة»، فهى حالات فردية تعالج عن طريق آليات موجودة بالفعل وتتخذ السلطات والهيئات القضائية اجراءاتها لتقويم السلوك وتأديب الخارجين عن آداب المهنة. السياسة والقضاء ألا ترى أن الوضع السياسى المصرى أثر بشكل كبير على القضاء؟ الذى تعلمناه ونؤكده انه من المفترض ألا يعمل القاضى بالسياسة، وهذا شىء مستقر عليه بالقضاء، وفى حالة الخروج عن ذلك المبدأ وأدى ذلك الى التأثير على عمل أحد من القضاة وعلى ممارساته فيتم اتخاذ وقفة تجاهه على الفور. الأموال المهربة هل ترى جدوى من محاولة استردادها؟ بالتأكيد. ونحن نبذل أقصى ما فى وسعنا فى هذه المسألة، وهناك تشريعات صدرت بشأنه، وكذلك شكلت لها لجان لاسترداد هذه الأموال من خلال تواصلها ما بين ادارة الكسب غير المشروع والتعاون الدولى مع الدول التى توجد فيها هذه الأموال، وهناك تعاقدات مع محامين بمكاتب أجنبية فى هذه الدول لكى نتمكن من استرداد الأموال. وماهى الاجراءات التى ستتخذونها بعد أن أعلن اقتراب موعد تجميد أموال مبارك فى سويسرا؟ لن نأخذ الاجراءات بناء على كلام هذه الجهات، فهناك إدارات مسئولة عن هذه القضية وهى تشديد الحرص على استرداد الأموال.. ومن المؤكد أن لديهم من الاجراءات التى يمكنهم اتخاذها حيال رفع التجميد عن أموال مبارك، بحيث لايضيع حق مغتصب من أموال مصر. لماذا لم توافق الدول التى لديها أرصدة على إعادتها لمصر كما فعلت مع ليبيا وتونس دون انتظار حكم قضائى بشأنها؟ هذه قضية تعود لهذه الدول، فالتعامل بين الدول لايكون على وتيرة واحدة. لماذا تكيل هذه الدول بمكيالين؟ الولاياتالمتحدةالأمريكية تعاملها فيما تصفه بقمع حرية فى مكان لا تصفه بهذا الوصف فى مكان آخر، وهذا أمر لا يمكننا التحكم فيه وما علينا سوى توضيح موقفنا فقط. ألا يمكن أن نأخذ هذه التصرفات كذريعة وعرضها على المحاكم الدولية لاسترداد هذه الأموال مثل الدول الأخرى؟ هذه الدول لاتخضع لأحد، ومسألة اللجوء للهيئات والمحاكم الدولية لها شروط، وستجد فيها أيضا مثل هذه التصرفات وما يمكن أن يصدر لدولة لايصدر مثيلها للأخرى. ونحن نعتمد على مجهودنا فى استعادة هذه الأموال. قانون السلطة القضائية قانون السلطة القضائية هو من أهم مطالب القضاة متى يخرج للنور؟ قانون السلطة القضائية قبل الأحداث التى بها مصر كان معدا من جانب أكثر من جهة سواء من وزارة العدل أو نادى القضاة أو المجلس الأعلى للقضاء. وهى مشروعات كانت لتحسين العمل القضائى ومستوى القاضى ولكن توقف كل هذا بسبب الظروف غير المناسبة. لأن مشروع السلطة القضائية يستلزم التأنى فى إصداره ودراسته بصورة موسعة. كما أن سلطة التشريع حاليا لرئيس الجمهورية لعدم وجود مجلس نواب، ولذا لانلجأ إلى صدور تشريعات إلا فى الأمور العاجلة. كما أن القانون الحالى جيد، وإن كان هناك بعض المواد التى تحتاج إلى تعديل إلا أنها ليست ملحة ولا تؤثر على عمل القضاة ولا يحتاج إلى التعديل العاجل فى هذه المرحلة التى نعيشها. لكن تبعية التفتيش القضائى وتوزيع الدوائر وتعيين رؤساء المحاكم لوزير العدل أمر يرفضه الكثيرون ويطالبون بتعديله!! التقيت بمجلس القضاء الأعلى وأعضاء المحكمة الدستورية العليا وقضاء مجلس الدولة وأعضاء هيئة النيابة الادارية وكلهم يعلمون أننى فى الوزارة أصلا كقاض ومندوب عن القضاة لكى أحقق كل ما ينشدونه لتحقيق العدالة فى الفترة التى سأتولاها. ولو تم انجاز مشروع السلطة القضائية فى وجودى بالوزارة سألبى كل مطالب القضاة. ما انطباعك عن الجدل الذى دار بين مجموعة من رجال عادل عبدالحميد والمستشار هشام جنينة؟ هذه المسألة تقلقنى كقاضى وتغضبنى أن أرى قضاتنا الذين قضوا فترات طويلة ولهم بصمات فى القضاء أن يكونوا أطرافا فى معركة وأصحاب نزاع فى أمر ما. وما رأيك فى مطلب المستشار هشام جنينة بتشكيل لجنة تقصى حقائق فى قضايا الفساد؟ المستشار هشام له حرية أن يقول ما يريد، ولكن من وجهة نظرى كقاض أنه عندما تكون هناك قضايا محل تحقيق فى النيابة العامة أو ندب لها قاضى تحقيق فى القضية وأحيلت للقضاء فأى تقص للحقائق بعد ذلك فليس أحد يملك ذلك.. لأن تقصى الحقائق يتم حول مواقف غير معلومة. أولا يمكن أن تحدث ضغوط ما على أى من القضاة أثناء نظرهم للقضايا المطروحة أمامهم؟ لا توجد ضغوط تمارس على القضاة من أى أحد. وحتى لو تخيل أحد ذلك فهو أمر غير حقيقى، ولا يحدث على الاطلاق. وهل قانون مكافحة الإرهاب به مواد تنص على مصادرة أموال الإخوان لاستخدامها فى اعادة ما دمرته الجماعة الإرهابية؟ القوانين الحالية بها مواد معنية بجرائم الاستيلاء على أموال الدولة وغيرها، والقانون يبيح التحفظ على هذه الأموال والنيابة العامة من حقها اتخاذ القرار ثم يتم عرضه للمحكمة لتؤيد هذا من خلال حكمها. ولكن الأمر أخطر من ذلك لاننا نواجه تنظيما عالميا، وحجم الأموال التى يملكونها بالداخل لا تمثل أى نسبة لما يملكونه بالخارج من أموال، والتى يتم الضخ بها للجماعة فى مصر. الانتخابات الرئاسية صرحت من قبل بأن البلد لا تتحمل رفاهية الطعن على الانتخابات والبدء من جديد؟ لم يكن حديثى بهذه الصورة، ولكن ما عنيته أننا لا نتحمل رفاهية ضياع الوقت، وبالتالى رغم صدور القانون، والذى أخذ مناقشة قبل إصداره وحدثت موازنة للاوامر من خلال هذه المناقشات، وتم عدول أصحاب الرأى بفتح باب الطعن عن رأيهم. ولكن ما رأيك فى انتقاد بعض رجال القضاء للقانون الجديد، وأنه به عوار فى شكله الحالى؟. رغم احترامى لوجهات النظر جميعها من خلال المناقشات التى تمت حول القانون، كان هناك وجهتا نظر إحداهما بوضع نص يسمح بالطعن فى قرارات اللجنة باعتبار الدستور الجديد لا يحصن أى قرار، وبذلك سيتم احترام الدستور بنص المادة 89 من الدستور. وأما الوجهة الأخرى فقد ذكرت المادة 228 احدى المواد الانتقالية بالدستور، والتى اناطت باللجنة العليا بالانتخابات الرئاسية التى كانت قائمة وقت العمل بهذا القانون أن تجرى أول انتخابات رئاسية تالية لصدور هذا الدستور، فهذا حكم انتقالى. ولكن ألا يوجد تعارض بين مادتين بالدستور الجديد؟. لا يوجد تعارض فعندما يصدر قانون، ويتم وضع حكم انتقالى به، والذى يواجه فترة انتقالية وظرفا انتقالىا، وبهذا الوضع يخرج ذلك النص من نطاق الاحكام الموضوعية التى وردت بالدستور. ومن هنا ينتهى التعارض، فلو كان الحكم الانتقالى يوائم كل ما جاء فى الدستور، فلن تكون هناك حاجة إليه. كما أنه لم يتم الانتهاء بالرأى لهذا القانون إلا بناء على رأى قانونى ودستورى من قبل الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا.