كما يحدث فى كل السجون، وفى كل العهود، وفى كل بلاد الدنيا، قامت إدارة سجن ليمان وادى النطرون مؤخرا، بحملة تفتيشية على العنابر المودع بها المحبوسون احتياطيا من جماعة الإخوان، وهى حملة روتينية تفرضها لوائح وقوانين السجون، للتأكد من عدم حيازة المحبوسين لممنوعات مما تحظرها تلك القوانين، وكعادة اعضاء الجماعة فى طمس الحقائق وقلبها، وإدمانهم مخالفة القوانين فى السجون وخارجها، فقد استبقوا الحملة بعد ان علموا بقدومها، بمحاولة إشاعة الفوضى داخل الزنازين، والتحرش بحراسهم وسبهم، والقاء زجاجات المياه عليهم، لكن ذلك لم يمنع ضباط الحملة من تفتيش الزنازين ليعثروا بها على عدد من التليفونات المحمولة، وبعضها يتلقى ويرسل مكالمات دولية، كان من بينها مكالمات لقناة الجزيرة بطبيعة الحال، لتبث أكاذيب حول التعذيب والتنكيل بمن تسميهم «آلاف المعتقلين» فى السجون المصرية، وتلقفت هى وغيرها من الفضائيات الدولية التى باتت تنطق باسم جماعة الإخوان، بيانات عدد من المنظمات الحقوقية المصرية التى دأبت على سرد المبالغات عن أوضاع حقوق الانسان فى مصر«لأسباب تمويلية معروفة، والتى تحدثت عن وقائع تعذيب وعنف ضد المحبوسين فى سجن وادى النطرون، من قبل ضباط السجن، ومصادرة متعلقاتهم الشخصية، بصرف النظر عن مدى قانونيتها، وتطابقها مع لوائح السجون، وهى نفسها المنظمات التى أصيبت بالخرس منذ سقوط نظام «محمد مرسى « وجماعته، أمام عمليات الاغتيال الوحشى الخسيس، التى تعرض لها نحو مائتين وخمسين ضابطا وجنديا من رجال الشرطة، فى عدد من المدن والمحافظات المصرية، فضلا عن الآلاف من المصابين والمعاقين، وأمام تحطيم المبانى الجامعية ومحتوياتها والاعتداء على الأساتذة، وتعطيل الدراسة بالجامعات، وتفخيخ الأشجار ومحطات المترو، وشبكات الكهرباء، وقطع الطرق، والالقاء العشوائى لقنابل المولوتوف والقنابل البدائية الصنع، التى كشفت التحقيقات عن ضلوع اعضاء جماعة الإخوان، وأنصارهم وبعض المرتزقة الذين يستغلون فقرهم ويمدونهم بالمال، فى ارتكاب تلك الجرائم طبقا للاعترافات التى أدلوا بها، وللحملات الأمنية التى تنجح كل يوم فى الكشف عن مخابئ ومخازن اسلحة ومتفجرات، وأوكار لتصنيعها والتدريب على تفجيرها، فضلا عن حقائب لأموال طائلة يتبين من التحقيقات أنها مملوكة لأعضاء من الجماعة! لا يكفى أن تصدر وزارة الداخلية بيانا ترد به على هذه المنظمات الحقوقية، تصف فيه مبالغتها عما جرى فى السجن بأنه مزاعم، وما أذاعته الفضائيات بأنه أكاذيب، وتؤكد فيه التزامها بقواعد العمل داخل السجون المصرية استنادا إلى مبادئ السياسة العقابية الحديثة التى تربط بين احترام حقوق الإنسان وصون حقوق النزلاء عبر برامج معيشية وصحية وتعليمية ودينية ورياضية وترفيهية شاملة، وأن ما حدث فى السجن هو مخالفات قانونية يجرى التحقيق فى شأنها. لم يعد ذلك يكفى، لاسيما مع تضارب البيانات التى يجرى تداولها فى بعض الكتابات التى تنشر داخل مصر عن تدهور أوضاع حقوق الإنسان فيها، منذ ما يسمونه انقلاب الجيش على الحكم الشرعى لأول رئيس منتخب و تتبنى أهداف جماعة الإخوان، ورؤية ما يسمى بتحالف دعم الشرعية، للترويج لمعلومات مشكوك فى صحتها عن أعداد المحبوسين،و عن تعذيب فى السجون وسحل لسجناء واغتصاب للسجينات، وهى البيانات التى تعيد نشرها الصحف الغربية والأمريكية، والمنظمات الحقوقية الدولية، فيما يشبه حملة منظمة على الأوضاع فى مصر، لا ترى سوى القشة فى عين من يحكمونها، فيما تغض الطرف عن حرب الإرهاب الشاملة التى تقتل المسالمين وتدمر المنشآت الحيوية، ومؤسسات الدولة، وتسع لاستنزافها، وتغتال الذين يدافعون عنها وعن سيادة دولة القانون. وقبل أيام نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية نقلا عن هؤلاء أن عدد المحبوسين فى مصر يتراوح بين 16 و36 الف شخص، ,وأن «القضاة فى مصر يسيرون ببراعة مع الرئيس السيسى لتطهير مصر من المعارضة»، ونقلت صحيفة «ذى إندبندنت اون صنداى» عن بعض هؤلاء قولهم بالنص « لو قورن حكم الإخوان الذين حكموا بعد الفوز فى انتخابات حرة بحكم الجنرالات الوحشى، فإن حكم الإخوان أفضل أيا كان التهديد الذى يشكله» وأن « هناك الآن 40 الف منشق سجين منذ الانقلاب العسكرى».! وبمناسبة مرور عام على ثورة 30 يونيو، أصدرت منظمة العفو الدولية بيانا صحفيا، تحدثت فيه عما اسمته «تراجع كارثى لحقوق الإنسان بعد عام على عزل مرسى» وزعمت فيه استمرار التعذيب وسوء المعاملة فى الحجز، وعدم التقيد بمعايير المحاكمة العادلة، ونقلت عن منظمة حقوقية مصرية قولها إنه فى «سياق حملة قمعية كاسحة ضد أنصار الرئيس مرسى، وناشطين آخرين اتخذوا موقفا معارضًا للحكم» فقد توفى على مدار السنة الماضية» ما لا يقل عن 80 شخصا فى الحجز، بينما اعتقل 40 الف شخص أو وجه إليهم الاتهام» وأن « ممارسة التعذيب والاختفاء القسرى فى مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة والجيش» قد انتشرت، دون أن تذكر بطبيعة الحال نوعية التهم التى وجهت إلى هؤلاء، أو حقوق المجنى عليهم من جراء الجرائم التى ارتكبوها! آن الأوان كى يعقد وزير الداخلية اللواء «محمد إبراهيم» مؤتمرا صحفيا عالميا، يعلن فيه أن مصر ليس فيها معتقلون،بعد أن تم رفع حالة الطوارئ، وأن قضاءها مستقل، وأن هؤلاء أودعوا فى السجون بأوامر قضائية تنفيذا لقرارات من النيابة العامة، بحبسهم احتياطيا على ذمة التحقيق فى احدى الجرائم، أو صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية، أو لاتزال تمر بمراحل التقاضى المختلفة، ,وأن الحبس الاحتياطى اجراء من اجراءات التحقيق لضمان سلامته، والحيلولة دون هروب المتهمين، وحمايتهم من احتمال الانتقام منهم، أو العبث بأدلة الدعوى، أو التأثير على الشهود، أو تهديد المجنى عليهم،كما يكشف عن الأعداد الحقيقية لهؤلاء، وعن طبيعة الجرائم التى يحاكمون بها، فضلا عن نشر التقارير التى قدمتها بعثات المجلس القومى لحقوق الإنسان وبعض ممثلى الاتحاد الأوروبى لتفقد أوضاع السجون المصرية، وإذاعة نتائج التحقيقات مع بعض افراد الشرطة لما نسب إليهم من تجاوزات، والرد على الشائعات التى يروجها أسر هؤلاء فى الجزيرة وأخواتها عن تعذيب ذويهم، إذ من الغريب أننا لم نسمع أن أحدا من هؤلاء قد قدم بلاغا للنيابة العامة ضد الذين يزعم أنهم عذبوه، أو طالب بتوقيع الكشف الطبى عليه لإثبات هذا الادعاء الكاذب! نعلم جميعا أن النيابة العامة تتكبد فوق طاقتها، لتشعب عدد القضايا التى تحقق فيها مع قادة الجماعة وأعضائها وحلفائها، بما يؤدى إلى التأخير فى تحديد المراكز القانونية للمقبوض عليهم على ذمتها، لكن الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد تتطلب منها، أن تضيف إلى هذا العمل الشاق، جهدا آخر، هو سرعة الانتهاء من تحديد المراكز القانونية لكل المحبوسين احتياطيا، وأن يفرج على كل من لم تثبت التحقيقات أنه تورط أو ارتكب ما يتطلب بقاءه رهن الحبس الاحتياطى، أو توجيه اتهام له أو إحالته للقضاء، حتى تتوارى الشائعات، ويخرس مروجو الأكاذيب من القتلة واللصوص والفوضويين وأنصارهم، ويعجز المتربحون من وراء كل ذلك عن مراكمة أرباحهم. وتحيا مصر.