لا أحد ينكر أبدا أن خطوة ترشيد وهيكلة دعم الوقود والكهرباء والغاز كان يجب أن نخطوها منذ عدة سنوات، ولا أحد ينكر أن حكومة المهندس إبراهيم محلب سوف يذكر لها التاريخ أنها أول حكومة تبدأ في تنفيذ جراحة الدعم، لكن الذي يجب أن تنتبه إليه الحكومة أن الخطوة التى اتخذت لم تستهدف الطبقات القادرة والغنية فحسب، بل شملت جميع المواطنين، ويجب أن ننبه كذلك إلى أن المواطنين البسطاء(وهم الأغلبية) هم الذين تضرروا من أولى خطوات ترشيد الدعم، حيث سيتحملون وحدهم، وليس القادرون والأغنياء، أعباء تحريك الأسعار في السلع والمواصلات والخدمات، ويمكن لنا أن نقول إن عامة الشعب الفقير تحملوا العبء مرتين، الأولى: في تحمله نفقات ارتفاع أسعار الخدمة التي تم ترشيد دعمها، الكهرباء والغاز والوقود، ثانيا: تحمله الآثار المترتبة على رفع قيمة الخدمات، والمتمثلة في ارتفاع أسعار المواصلات والسلع والطبيب والأدوية والسلع المعمرة والمدارس والجامعات والدروس الخصوصية والملابس وغيرها من السلع التى تم تحريكها. أما الطبقات القادرة والغنية، التي تمثل أقلية بين المواطنين، فلم تتأثر على الإطلاق بترشيد الدعم، لأن أصحابها قادرون على شراء السلع والخدمات بأي سعر، والزيادات التي لحقت بالخدمات وبالسلع لا تمثل لهم عبئا مثلما مثلت لأغلبية المواطنين. قبل ترشيد الدعم كانت المطالبات برفع المرتبات والمعاشات على رأس الأولويات بعد قيام الثورة، فخرج العمال والموظفون والأطباء والمدرسون، حتى رجال الشرطة خرجوا يطالبون برفع رواتبهم بسبب الغلاء، وعدم قدرتهم على مواجهة متطلبات الحياة فى ظل دخولهم الضعيفة، وطالبنا جميعا بوضع حد أدنى للفقر، والعمل على تحديد حد أدنى للمرتبات والمعاشات، بالفعل تم تحديد حد أدنى 1200 جنيه كبداية للعاملين فى الدولة، وتم صرف علاوتين لأصحاب المعاشات، وذلك لتقليل العجز بين دخله ومتطلباته لكى يعيش حياة أقل من الكريمة، أملا فى ان تقوم الحكومة فى استكمال خطوة إصلاح المرتبات والمعاشات بما يبعد المواطن المصري لأول مرة عن سلم الفقر. اليوم وبعد تنفيذ الخطوة الأولى من ترشيد ورفع الدعم، زادت الهوة مرة أخرى بين احتياجات المواطن الأساسية وبين دخله، فرفع جزء من الدعم وما ترتب عليه من ارتفاع فى الأسعار أعاد المواطن المصري مرة أخرى إلى مرحلة الفقر او مرحلة ما تحت خط الفقر، وفيها الدخل لا يكفى احتياجاته لمدة أسبوع، وأصبح عليه أن يتدبر كيف يسدد فواتير الكهرباء والغاز والتليفون والمياه والمواصلات وإيجار الشقة والطعام ومصروفات المدارس والجامعات والملابس والدروس الخصوصية. المواطن المصري الذى كان دخله لا يكفيه ويجعله يعيش على حد الكفاف، اليوم بعد رفع نسبة من الدعم، وبعد ما ترتب على هذه النسبة من ارتفاع في الأسعار، أصبح هذا المواطن اليوم فى مأزق لا يحسد عليه، ولا يتمنى لأحد من أعدائه أن يقع فيه، لماذا؟، لأنه ببساطة سيشعر بالعجز والانكسار، وربما المذلة، لعدم قدرته على تلبية أدنى احتياجات أسرته. والحل؟، كما ذكرت بالأمس في أن تخصص الحكومة نسبة 25% من المبالغ التي ستوفرها من ترشيد وإصلاح الدعم للمرتبات والمعاشات، لكي نسد الفجوة بين الدخل والاحتياجات، منها إنقاذ المواطن من السقوط في هوة العوز، ومنها المحافظة على قدر من التوازن الاجتماعى، فعدم تخصيص نسبة لرفع أو لإصلاح المرتبات والمعاشات، سوف يعيدنا إلى السيرة الأولى، وهى تسخير اقتصاد البلاد لخدمة الطبقات القادرة والغنية والحاكمة، أما أغلبية الشعب فعليه ان يتكيف على الحياة فى بئر السلم.