فى ثانى خطوة جادة للتصدى لظاهرة التحرش الجنسى، بعد التعديلات التى أدخلت على قانون العقوبات، وفرضت عقوبات على هذه الجريمة، قررت وزارة الداخلية تأسيس شرطة متخصصة لمقاومة التحرش، ووفقا لما أعلنه مساعد وزير الداخلية لشئون حقوق الإنسان اللواء «أبوبكر عبد الكريم» فإن الوزارة استحدثت كيانا شرطيا متخصصا، وألحقته بمكتب وزير الداخلية مباشرة، متضمنا طاقما إداريا تعمل به ضابطات شرطة وطبيبات نفسيات، وقانونيون للتصدى لقضايا العنف وتغيير المعتقدات بإقناع النساء بضرورة الإبلاغ عن أى واقعة تحرش، وتقديم المساعدة القانونية لهن لنيل حقوقهن ومواجهة الجانى. وكانت الخطوة الأولى قد سدت ثغرة فى القانون، الذى كان يقتصر على معاقبة الذين ارتكبوا جرائم خدش الحياء العام، والاغتصاب، بأن أضافت لأول مرة إلى قانون العقوبات مصطلح التحرش، وقامت بتعريفه، وهو من أواخر القرارات بقوانين التى أصدرها الرئيس السابق المستشار «عدلى منصور» وينص على أن «كل من تحرش بأنثى عن طريق التتبع، أو الملاحقة سواء بالإشارة أو بالقول او بالكتابة، أو بوسائط الاتصال الحديثة، أو أية وسيلة أخرى، بإتيان أفعال غير مرحب بها تحمل إيحاءات، أو تلميحات جنسية، أو إباحية، فى مكان عام أو خاص، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لاتقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو إحداهما.. وإذا عاد الجانى لارتكاب الجريمة من نفس النوع، خلال سنة من تاريخ الحكم عليه نهائيا فى الجريمة الأولى، تكون العقوبة الحبس من ثلاث إلى خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، مع وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة، وإذا تعدد الجناة، أو استخدمت أداة أو وسائل الترهيب والترويع، تكون العقوبة الحبس مدة لاتقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات.. وإذا عاد الجانى لارتكاب الجريمة المشار إليها فى الفقرة الثانية، خلال سنة من تاريخ الحكم عليه، تكون العقوبة الحبس من ثلاث إلى خمس سنوات، مع وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة، مدة مساوية لمدة العقوبة، وفى حال ارتكاب الفعل المجرم فى المادة السابقة فى مكان العمل، أو كان الفاعل هو صاحب العمل، أو ممن لهم سلطة على المجنى عليها بمناسبة العمل، يعاقب بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه». وبذلك لم يعد باستطاعة المتحرشين، الإفلات من العقاب، والهروب من المؤاخذة القانونية، لأن الأفعال التى قاموا بها لم تكن تنطبق عليها تعريفات «خدش الحياء العام» و«الاغتصاب»! وتأتى الخطوة الجديدة لتؤكد جدية الحكومة فى التصدى لجريمة التحرش الجنسى، ومعاقبة من يرتكبونها، بإنشاء شرطة متخصصة، لهذا النوع من الجرائم، شأنها فى ذلك شأن أقسام الشرطة المتخصصة الأخرى، مثل شرطة السياحة، وشرطة المسطحات المائية، وشرطة المرور، ومباحث الأموال العامة وغيرها، تتولى تلقى البلاغات عن هذا النوع من الجرائم، وإجراء التحريات الخاصة بها، وضبط الجناة وتقديمهم للنيابة العامة، ثم إلى القضاء. والشرطة المتخصصة، تتيح للعاملين بها فرصا أوسع لمعرفة الذين يحترفون نمطا معينا من أنماط الجريمة، وللتعرف على أساليبهم فى ارتكابها، وعلى مناطق تجمعاتهم، والاحتفاظ بالمعلومات مسجلة حول الذين تعودوا ارتكابها، كما تتيح لهم خبرة فى التعامل مع ضحايا هذه الجرائم، التى يتفرغون لمقاومتها، وهو ما يخفف عن أقسام الشرطة القائمة الآن، التى تنوء بأحمال ثقيلة، تدفعها أحيانا إلى اهمال البلاغات المتعلقة بجرائم التحرش، وربما السخرية ممن يتقدمن بها، فى غمرة انشغالها بالجرائم التى تعتقد أنها أكثر خطورة، كالقتل، والسرقة، وقطع الطرق، وقبل كل هذا وبعده قضايا الإرهاب. وفضلا عن كل ما سبق فإن انشاء شرطة متخصصة فى مكافحة التحرش، يكسب العاملين بها خبرة فى التعامل مع ضحايا هذا النوع من الجرائم، اللواتى يحتجن إلى معاملة خاصة تبنى معهن جسورا من الثقة، وضمانات تساعد على الافصاح عن تفاصيل ما تعرضن له، وعلى الإدلاء بما قد يكون لديهن من معلومات تسهل القبض على الجناة، دون أن تحول بينهن وبين ذلك، مخاوف التشهير بهن، أو الاساءة إلى سمعتهن، وهو السبب الرئيسى الذى يدفع ضحايا التحرش من النساء اللاتى ينتمين إلى أسر محافظة، إلى عدم الإبلاغ عما تعرضن له من تحرش، وهو ما ينتهى فى الغالب بتشجيع من يرتكبون هذه الجريمة على تكرارها، وتوسيع نطاقها، لأن المجنى عليهن صمتن، ورفضن الشكوى وتقاعسن عن قيادة المجرمين إلى ساحات القضاء. وحتى يحقق هذا القسم الجديد واجبه بكفاءة، فمن المفيد أن تلعب منظمات المجتمع المدنى المعنية بالموضوع دورا فى التعاون مع هذا القسم لتسهيل مهامه ومده بالمعلومات التى قد تتوفر لديها عن تلك الجرائم، وتقديم بعض الملاحظات حول التطبيق العملى للمواد القانونية الجديدة الخاصة بالتحرش. ومن الضرورى أن يعتمد هذا القسم فى جانب من أداء وظيفته، على تلقى العاملين به دورات تدريبية فى علوم النفس والاجتماع، تؤهلهم لمعرفة سيكولوجية المتحرشين، وبعض هؤلاء مرضى يحتاجون لعلاج نفسى لانحرافاتهم السلوكية، فضلا عن التعامل مع الأزمات النفسية التى تعانى منها ضحايا هذه الجريمة، ويصبح من المهم فى هذا الإطار أن ينشأ لهذا الغرض أقسام خاصة فى المستشفيات العامة، حتى نتجنب الأخطاء التى جرت مع ضحايا التحرش فى ميدان التحرير مؤخرا، وانتهت برفض عدد من هذه المستشفيات استقبال المجنى عليهن. نقلة مهمة جديدة تضيفها وزارة الداخلية إلى أنشطتها وأدوارها المتشابكة الآخذة فى التطور والإتقان والمواءمة بين مقتضيات الأمن الوطنى وبين الحفاظ على حقوق الإنسان التى أدخلتها الوزارة كبند أساسى لتدريب العاملين بها على آليات الدفاع عنها والمواثيق التى تنظم الالتزام بها، برغم التحديات الكبرى الملقاة على عاتقها لحماية الجبهة الداخلية من كل اشكال العدوان والإرهاب، ورغم التضحيات الجسيمة التى يتحملها جنودها، أهديها إلى كل من يصدعون رؤوسنا عن عودة الدولة الأمنية، لعل روح الإنصاف تعرف يوما طريقها إليهم!