التحرش في مصر مشكلة أمن قومي تهدد سمعة البلاد واستقرارها.. فمع تزايد وجود النساء في المجال العام زادت معدلات التحرش وذلك منذ قيام ثورة يناير في ظل غياب الأمن واحساس الناس بالرفض لكل ما هو موجود، فتصورت فئة من الأفراد أنهم قد يكونون بأمن من العقاب وأبيحت لهم المحظورات فاستباحوا قوانين وأخلاقيات المجتمع والنظام العام، ولنتخيل كم الأفكار والهواجس والمخاوف التي تنتاب الفتاة من احتمال تعرضها لتحرش لفظي أو جسدي كلما خرجت الى الشارع. أثارت واقعة التحرش الأخيرة لفتاة بميدان التحرير حالة استياء وغضب شديد بين سيدات مصر اللائي عبرن عن رأيهن بحرية، وكشفن عن شعورهن بامتهان كرامة المرأة. في البداية يجب أن نشير الي أنه يوجد في أغلب دول العالم قنوات «بورنو» ومواقع جنسية تعمل 24 ساعة وبالرغم من ذلك ليس لديهم نسبة التحرش اليومي الموجودة في مصر، فهناك حكمة تقول: «من أمن العقاب أساء الأدب» والعبرة في الردع بتطبيق القوانين وليس بتشريعها. هذا وقد تعددت المبادرات لمواجهة التحرش بعد الثورة، نذكر منها حملة «امسك متحرش في العيد» وهي حملة قامت بها مجموعة من المتطوعات والمتطوعين بهدف حماية ومناصرة المرأة المصرية في عيد الفطر الماضي وارتدوا شعار «بنات مصر خط أحمر» وقاموا بتنظيم مجموعة لتوثيق حالات التحرش ومجموعة للامساك بالمتحرشين ومجموعة للمساندة المعنوية للبنت «ضحية التحرش» ومجموعة لمساعدة البنت للذهاب الى أقرب قسم شرطة لتحرير محضر. كما قامت أيضاً مجموعة من الفتيات بفتح حوار على مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر» من خلال تغريدات ومحادثات لشرح ما تعانيه النساء في الشارع والأماكن العامة من تحرش جنسي، وقد أعلنوها صراحة: أعدموا متحرشاً واحداً تستقيم الأمور. تغير المجتمع تقول د. فدوى سعيد، طبيبة تحاليل: لقد تغيرت للأسف أخلاقيات المصريين في الفترة الأخيرة، واختلفت نظرة المجتمع للمرأة، فالبعض ينظر لها على أنها سلعة أو عورة، وبالرغم من أن السيدات في الماضي كن يرتدين ملابس قصيرة الا أنه لم يكن يتعرض لهن أحد كما يحدث الآن.. واللافت للنظر أنه حتى المحجبات يتعرضن لمضايقات في الشارع، وربما كان ذلك ناتجاً عن الأفكار الدينية المغلوطة التي جاءت إلينا من دول الخليج، وكلها تحقر المرأة، والمطلوب تشديد قانون مواجهة التحرش. ندا السنلي - موظفة في شركة اعلانات - تقول: بدأت العمل منذ حوالي 4 سنوات وفكرت أن أنزل مثل أية مواطنة عادية أستقل الميني باص بدلاً من التاكسيات، وقد لاحظت بنفسي تصرفات بعض الرجال الرخيصة وخاصة الأولاد الذين أقل من 20 سنة وبعض الرجال فوق ال 40 عاماً وكيف ينظرون الى المرأة وقد يلتصقون بها بحجة الزحمة، وما جعلني حزينة أن أكثر السيدات اللاتي يتعرضن لذلك هن المحجبات اللائى يرتدين ملابس محترمة جداً وليس فيها أي نوع من الاغراء، لقد قررت ساعتها ألا أركب الميني باص مجدداً وأن أستقل التاكسي، ولكنني أتساءل ماذا ستفعل الفتاة غير القادرة على ركوب التاكسي والتي تضطرها الظروف كل يوم إلى ركوب الميني باص أو الأوتوبيس؟ هل ينبغي عليها أن تقبل هذا النوع من التحرش؟! وتطالب «ندا» بحملات لتوعية المجتمع خاصة سكان العشوائيات، وتنهي حديثها قائلة: كان من باب أولى بمن قام بتصوير واقعة التحرش، أن يتصرف كرجل ويقوم بتغطية الفتاة بدلاً من الفرجة عليها وتصويرها.. فأين ذهب رجالك يا مصر؟! وتقول دينا وشاحي، مدرسة بإحدى مدارس اللغات، لقد زادت نسبة التحرش في الفترة الأخيرة بسبب عدم وجود رد فعل قوي تجاه تلك الجريمة، لذا أصبح المتحرشون على ثقة بأنهم سيفلتون من العقاب، لذا يجب أن يكون هناك قانون صارم ويجب تطبيق عقوبة الاعدام على متحرش التحرير، فالتحرش قد يكون بالكلمة أو باللمس وفي تلك الحالة يفقد الطرف المعتدي عليه الاحساس بالأمان لما يتعرض له من انتهاك للخصوصية.. ونحن نطالب بتوقيع أقصى عقوبة لمن قام بالتحرش بفتاة التحرير.. وتضيف «دينا» ربما كانت أيضاً التجمعات منذ عام 2011 التي تحدث في التحرير ويجتمع فيها الشباب مع الفتيات تعد في نظر بعض الطبقات أمراً غربياً عليهم نظراً لاختلاف الثقافات لذا استباح البعض منهم جسد المرأة، خاصة أن بعض المتحرشين من بعض الطبقات الدنيا في المجتمع ربما يشعرن بالانتصار حينما يقومون بالتحرش بالبنات المتعلمات واللاتي ينتمين لطبقة أعلى. الدكتورة فادية أبو شهبة، أستاذ القانون الجنائي ورئيس قسم بحوث المعاملة الجنائية بالمركز القومي للبحوث، تؤكد أن العديد من الدراسات التي أجراها المركز كشفت أن التحرشات الجنسية منتشرة وبشدة بين طبقات الشعب المصري المختلفة وأن نسبة ما يتم الابلاغ عنه من هذه الحالات لا تتجاوز 5٪ فقط مما يعني وجود فتيات وسيدات كثيرات يخشين الإفصاح عما جرى لهن خوفاً من العار أو الفضيحة المترتبة عليها!. وأضافت «أبو شهبة» من المحزن حقاً أن هذه هو نفسه الشعب الذي كان يتميز من قبل بالمروءة والشهامة والنخوة وهو نفسه الشعب الذي تحدث فيه مئات حالات التحرش يومياً في المواصلات العامة وأماكن العمل المغلقة وحتى في الطريق العام ولا يتحرك أحد لنجدة من تقع عليها الاعتداءات بدافع من خوف أو سلبية أو حتى بدافع الفرجة على ما يحدث!