"أنا بنت, أنا إنسان, أنا حُر" ..هذا هو شعار صفحة "ثورة البنات" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، والتي أطلقت حملة "هنلبس فساتين" للتصدي للتحرش الجنسي، بتلك الكلمات الموجزة عبرت الصفحة عن حقوق المرأة المصرية بدون إطالة أو عبارات رنانة تورطت فيها "هوانم جاردن سيتي" اللواتي دائما يصرخن مدافعات عن المرأة، فجاءت النتائج عكسية وأضروها أكثر من إفادتها. فالصفحة تعتبر لسان حال أي بنت تطالب بالثورة ضد كل ما هو متخلف، وكأنها تصرخ قائلة "إحنا عايشين في مجتمع يصنف البشر حسب جنسهم -ذكر أو أنثى- يعطي حقوق للولد ويسحبها من البنت ،مثل حق اتخاذ قرار". صفحة تصرخ فيها كل فتاه وتقول "مش بطالب بالمساواة بالولد, أنا بطلب الحرية من المجتمع بعيدا عن الذكور, بعيدا عن مقارنتي بهم طوال الوقت, بطلب أكون كائن حر مثلما خلقني ربنا كائن حر". قال "مايكل نزيه" أحد مؤسسي صفحة " ثورة البنات" أن فكرة حملة "هنلبس فساتين" هدفها توصيل رسالة رمزية للمجتمع الذي لا يتيح للفتاة حرية ارتداء ما تريد، نظرا لانتشار ظاهرة التحرش الجنسي بشكل خطير، والتي تتزايد يوميا. وأضاف نزيه ل"البديل" أننا كفريق لصفحة "ثورة البنات" رصدنا من خلال صفحتنا وعن طريق مشاركات الفتيات من مختلف الأعمار، أن البنت المصرية تواجه مشكلة في ارتداء الفستان باعتباره أحد أفضل الأزياء النسائية التي تفضل الكثير من الفتيات والسيدات ارتداؤها، ولكنهم يمتنعن عن ذلك تخوفا من تعرضهن للتحرش في الشوارع، ومن ثم يلجأن لارتداء الجينز والبنطال واستخدام "الكارينا" تحت الملابس، وتغيير مظهر الفستان أو القميص لمجرد التخوف من الاحتكاك أو التحرش بها إذا كشفت عن ذراعيها. وأشار نزيه إلى أن "حملة هنلبس فساتين" كان من المقرر أن تنظم فاعلية يوم 24 أغسطس تتجمع فيها الفتيات وهن مرتديات الفساتين بالشوارع في كل محافظات مصر، وتم تأجيلها نظرا للظروف الأمنية غير المستقرة، لتوجيه رسالة مباشرة وصريحة للمجتمع والمتحرشين أن كل فتاة من أبسط حقوقها أن ترتدي الزي الذي تفضله، وأنه ليس من حق أي شخص أن يكون واصيا عليها أو يستخدم همجيته ووحشيته ليتحرش بها. وأضاف أن الحملة تستهدف استعادة طريقة حياة الست المصرية في الستينات التي كانت ترتدي فساتين أنيقة، دون أن تتعرض لأي مضايقات أو تحرش جنسي او حتى لفظي، برغم أن الفساتين كانت قصيرة ومفتوحة ولا يرتدين "كارينا" أو تي شيرت لغطاء أذرعهن، ولكن كان هناك حرية للمرأة تتيح لها أن تسير في شوارع آمنة وتركب مواصلات وتذهب لعملها بمنتهى البساطة والهدوء، وليست بتلك المعاناة التي تواجهها كل فتاة سواء كانت محجبة أم لا اليوم بدءا من الخروج من منزلها، برغم ارتفاع أعداد الفتيات المحجبات بالمجتمع المصري إلا أنهن لن يسلمن من ممارسة العنف اللفظي والجسدي ضدهن والمتمثل في التحرش الجنسي. وأكد نزيه أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى وصول المجتمع المصري إلى هذه الحالة من التردي السلوكي لدى العديد من المواطنين الذين يمارسوا التحرش الجنسي، أولها تدهور حالة التعليم وغياب الوعي والثقافة بحقوق المرأة واحترامها كإنسان قبل أن تكون أنثى، فضلا عن المد الوهابي الذي غزا المجتمع في السبعينات وعبثه بأفكار وعادات المجتمع من نظرته المتدنية للمرأة واحتقارها واعتبارها مخلوق أقل مرتبة من الرجل. واستطرد أنه من الأسباب الأخرى هو سوء الخطاب الديني خاصة في الفترة الماضية من حكم جماعة الإخوان، وما شهدتها من تشويه لصورة المرأة وتسليعها والتعامل معها على أنها جسد فقط. أما أكثر الأسباب خطورة هو غياب دور الدولة في تجريم "التحرش الجنسي" من خلال عقوبة رادعة ينص عليه القانون، بل تضمن الدولة من خلال جهاز الشرطة آليات القبض وضبط المتحرشين وتقديمهم للعدالة، ومن ثم تحقيق فكرة الملاحقة القانونية للمساهمة في تحجيم الظاهرة على المدى البعيد، خاصة إذا صاحب ذلك انتشار أمني واسع في جميع محافظات مصر. وأضاف نزيه أن الصفحة تتفاعل الآن مع الفتيات والسيدات على "فيسبوك" ونشجع الفتيات على ارتداء الفساتين والذهاب بها إلى العمل أو الجامعة لحين تنظيم فاعلية بالشارع، وبالفعل تلقى الصفحة صدى فعال من أعضائها عليها من كل محافظات مصر سواء الصعيد من المنيا وسوهاج والوجه البحري من الشرقية والإسكندرية وغيرها من المحافظات، واللواتي يشاركن بصورهن وهن مرتديات الفساتين الأنيقة في أي مكان سواء كن محجبات أو من غير حجاب، وتحكي كل فتاة ترسل صورتها تجربتها مع ارتدائها الفستان. وأشار نزيه إلى أن حملة "هنلبس فساتين" تريد أن تقول أن ملابس الفتاة ليست المبرر في ممارسة التحرش ضدها أو القضاء على حريتها في شارع آمن بدون مضايقات، مؤكدا أن تنمية الوعي الجماهيري مسئولية مشتركة يجب أن تساهم فيها كل المؤسسات سواء الدولة عن طريق قانون رادع أو مؤسسات المجتمع المدني والمبادرات المستقلة والنزول إلى الشارع وتوعيته. أما ثاني آليات الثورة تتم من خلال حملات التوعية المستمرة للبنات مثل حملة "لا تتحرش" والتي قامت بتوعية الفتيات على أهمية المطالبة بحقوقهن حال تعرضن للتحرش الجنسي وعدم السكوت والخوف، فضلا عن حملات أخرى مثل حملة "افهموني ولا تؤذوني"وهي عن مخاطر ختان الإناث والتوعية بأضراها الصحية والجسدية والنفسية، بالإضافة إلى حملة "من حقي" وهي فكرتها مبسطة للغاية وعن طريقها يتم استعراض كل الحقوق المسلوبة للفتيات في مجتمعنا المصري مثل "من حقي ألبس اللي يعجبني"، "من حقي تكون لي خصوصية".. وهكذا. حاولت "البديل" استطلاع أراء عددا من الفتيات على فكرة "حملة هنلبس فساتين" فتقول فاطمة الشريف –ناشطة نسوية ومؤسس مبادرة هيباتيا- "بصراحة أنا شايفة إنها خطوة كويسة للتمرد على التحرش بمفهومه والمتحرشين، وكمان هتساعد على زيادة الجرأة عند البنت وهتخلي البنت تبطل تحس إنها حلوى مكشوفة كما شبهها البعض من التيار الإسلامى على مدار عام كامل باستخدام وسائل الإعلام البديل أو حتى قنواتهم الخاصة، واعتقد فعلا أن هذا هو الوقت المناسب للفكرة لأننا في مرحلة انتقالية بنغير فيها أفكارنا وسياستنا ودستورنا". وأضافت الشريف أن فرض ثقافة الفساتين على المجتمع مرة أخرى، من الممكن أن يعود بنا لفترة الستينات عندما كانت أمهاتنا بالفساتين ولم يكن هناك تحرش في الشوارع، وعن تجربتي الشخصية فبالفعل الفستان لا يعيق البنت عن عملها ولا حركتها ولكنه بيحسسها بحريتها. أما عن الصعوبات في تنفيذ الفكرة قالت "هي نفسها التي تواجهها أي بنت عند ارتدائها بنطلون وبلوزة أو جيب وبلوزة، فالمتحرش مش بيفرق معاه لبس البنت والتأكيد على كلامي أننا بنشوف ولاد بتتحرش ببنات تحت ال16 سنة بمعنى أنه لا يوجد أي إغراء بجسمها أو لبسها فضلا عن التحرش بالمنتقبات في الشوارع". واعتقد أن الفكرة فعّاله لو تم الترويج لها بشكل سليم وهو أننا نبدأ بنفسنا لتشجيع البنات على عدم الخوف وهذا في حد ذاته نوع من أنواع التوعية غير المباشرة للفتيات. وقالت دعاء لطفي – مدير تنفيذي بشركة إلكترونيات- "هي فكرة قوية لكل البنات ولو اتفقنا فعلا إننا نلبس فساتين سنوصل رسالة للشباب المتحرش في الشارع، أن البنات أقوياء ولا تخشى تحرشهم أو مضايقتهم لها في الشارع ،وبعدها أي شاب هيفكر ألف مرة قبل ما يقترب لأي بنت". أضافت: "لا يوجد بنت لم تتعرض للتحرش في الشارع، وخصوصا في الفترة الأخيرة مع عدم استقرار الأمن، ولذا كلنا كبنات يجب أن نقف وقفة تحدي، وهذه الحملة المقترحة تعتبر من أنسب الحلول التي يمكن بها مواجهة المشكلة، خاصة أن المحجبات تتوافر لديهن فساتين شيك وألوانها حلوة. وتتفق معها في الرأي نهى شحاتة – عازفة كمان- التي أيدت فكرة الحملة وتتمنى انتشارها حتى يفهم الجميع أن من حق الفتاة أن ترتدي ما يناسبها، ومن حق كل مواطن أن يسير بحرية دون أن يتدخل الآخرون في حياته، مشيرة إلى أنه عندما سافرت ألمانيا كانت تتخوف من مسالة ارتدائها الحجاب، وإمكانية الاحتكاك بها واعتبارها متخلفة إرهابية، ولكن حدث العكس فالجميع يرتدي ما يشاء في سلام دون مضايقات من أحد، فهم يطبقون الإسلام بألمانيا رغم أنهم غير مسلمين عكس ما يحدث في مصر. وأضافت نهى "في مصر لو ارتدت السيدة عباءة أو نقاب يتم التحرش بها لأننا مازلنا نعيش مجتمع متخلف ذكوري متخلف، ومن ثم أتمنى أن تنتشر الحملة لتوصيل الرسالة للمجتمع أن أي بنت أو سيدة حرة تلبس اللي هي عايزاه مش اللي يفرضو عليها المجتمع". أما إيمان بالله ياسر – أستاذ الصحافة بكلية الإعلام - ترى أن الفكرة لن يفهم مغزاها الكثيرون، خاصة مع صعوبة تطبيقها في ظل هذا التوتر الأمني، ولكن يمكن أن تنتشر في أماكن معينة كالمعادى والزمالك وجاردن سيتي، لأن الميراث الثقافي للأماكن يحدد في أوقات كثيرة طبيعة التعاملات في المنطقة، فهذه المناطق ينتشر فيها عدد كبير من الأجانب اللاتي يرتدين هذه الفساتين، ومن ثم إذا ارتدت المصريات هذا الشكل يصبح هناك تقبل عام، أما في المناطق الشعبية يصبح من الصعوبة ارتداء الفساتين خاصة مع انتشار ثقافة الحجاب والنقاب فيها.