ولبي المصريون نداء الوطن في لحظة تاريخية فارقة في حياته، خرج ملايين المصريين ليختاروا رئيسهم في مشهد تنظيمي رائع يليق بشعب عظيم ليعطي دروساً لأعداء الداخل والخارج.. قال الشعب كلمته «نعم» للأمن والأمان والاستقرار.. لم يخافوا التهديدات فمصائر الأوطان لا تحددها فئة مارقة أو جماعة إرهابية فاسدة تستغل الدين في غير موضعه.. حرموا خروج المواطنين للانتخاب لأنه ضد مصلحتهم، فعندما تتعارض المصالح ينكرون عليهم الانحياز للصالح العام.. ولكن أبناء الوطن خذلوهم وخرجوا متحدين الخوف والتهديدات لأنهم يؤمنون «فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين»، انتهت الانتخابات الرئاسية علي خير وجاء المشير عبدالفتاح السيسي رئيساً للجمهورية بإرادة حرة من المصريين الذين خرجوا للانتخابات، نجحت مصر ونجح المصريون في الاستحقاق الثاني وهو الانتخابات الرئاسية طبقاً لخريطة المستقبل التي وافق عليها الشعب في 3 يوليو الماضي عقب ثورة 30 يونية 2013 التي أطاحت بحكم المرشد وأعوانه محمد مرسي وأعضاء مكتب الإرشاد للجماعة الإرهابية. الآن حان وقت الاستحقاق الثالث من خريطة المستقبل.. فبعد الدستور وانتخاب الرئيس حان وقت البرلمان وقد تم إعداد قانون مباشرة الحقوق السياسية التي انتهت من إعداده اللجنة التي شكلها رئيس الجمهورية وتم طرحه للحوار المجتمعي.. جاء مشروع القانون ليعفي ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة من التصويت، في الاستفتاءات والانتخابات طوال مدة خدمتهم.. بالإضافة إلي حرمان المتهمين بإفساد الحياة السياسية لمدة خمس سنوات من تاريخ صدور حكم قضائي بذلك.. كذلك تم حرمان المتهربين من الضرائب من المشاركة لمدة خمس سنوات.. كذلك أقر مشروع القانون حرمان لصوص القطاع العام ومرتكبي الجرائم المخلة بالشرف والأمانة وجرائم التقاعس من مباشرة حقوقهم السياسية 4 سنوات من تاريخ حكم قضائي نهائي وبات.. ومنذ طرح مشروع القانون للمناقشة المجتمعية اختلفت الآراء بين من يؤيد الأخذ بالنظام الفردي فقط وبين من يؤيد نظام الانتخاب بالقوائم.. وهناك طرف ثالث يؤيد الأخذ بالنظام المختلط الفردي والقائمة.. هناك اختلاف في تحديد النسب فمن يؤيد 75٪ للفردي و25٪ للقائمة.. وآخر يري ضرورة تقسيم المقاعد بين الفردي والقائمة بنسبة 50٪ لكل نظام. اللجنة التي أعدت مشروع القانون استقرت علي الأخذ بالنظام المختلط حيث خصصت 480 مقعداً للفردي بنسبة 80٪ و120 مقعداً للقائمة بنسبة 20٪ فقط ليصبح عدد النواب 600 نائباً واستقر رأي اللجنة علي أن يقوم رئيس الجمهورية بتعيين 30 نائباً ليصبح إجمالي عدد أعضاء بمجلس النواب 630 عضواً.. وقامت الدنيا ولم تقعد خاصة بين الأحزاب التي تري أن النظام الفردي سيجعل الغلبة في البرلمان القادم لأصحاب المال والنفوذ.. وسيخلق تكتلات بين فلول الوطني المنحل والجماعة الإرهابية للسيطرة علي مقاعد مجلس النواب.. الأحزاب تري أن هذه النسبة للمقاعد الفردية تضعف من الأحزاب وتجعلها غير قادرة علي تنفيذ برامجها لأن أغلبية البرلمان ستكون للمقاعد الفردية.. مما يجعل من إمكانية تحقيق أغلبية برلمانية لتشكيل مسألة في غاية الصعوبة بسبب تفتيت المقاعد بين الفردي والأحزاب.. وربما يصل الأمر إلي عدم دستورية القانون كما حدث في قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي صدر عقب الاستفتاء علي تعديل مواد الدستور عام 2011.. حيث حدد 75٪ للقوائم و25٪ للفردي وسمح للأحزاب التنافس علي المقاعد الفردية مما أخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين الأحزاب والأفراد.. الذي أدي إلي صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بانعدام مجلس الشعب. الدستور أجاز الأخذ بالنظام الفردي أو القائمة أو الجمع بأي نسبة بينهما بما يحقق التمثيل العادل للسكان في المحافظات.. ولكن مع أن الدستور لم يحدد نظاماً بعينه للانتخابات فمن الواجب أن يراعي المشرع أهمية تقوية الأحزاب السياسية من أجل تحقيق الديمقراطية، فحين تقوي الأحزاب ستصبح هناك حكومة قوية ومعارضة قوية أيضاً، وهذا في صالح الوطن والمواطن ولصالح الديمقراطية في البلاد.. وقد رأت الأحزاب أن نسبة 50٪ للفردي و50٪ للقائمة ضمان لتمثيل كافة القوي الحزبية والسياسية.. ووجود مجلس نيابي قوي قادر علي سن القوانين المعبرة عن آمال وأحلام المصريين التي بددها البرلمان السابق حين أصدر قوانين معوجة لصالح الأهل والعشيرة والجماعة ومن يدور في فلكهم.. علي الرئيس المنتخب أن ينحاز إلي الأحزاب قبل أن يصدر مشروع قانون الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية.. وأن يراعي جيداً مصالح كل الأطراف شركاء الوطن أفراد وأحزاب وجماعات سياسية.. لابد من دراسة مشروع القانون جيداً وعرضه علي إدارة الفتوي والتشريع بمجلس الدولة والأخذ بتعديلاتها لنتجنب عدم دستورية القانون.. وبالتالي يضيع علي الدولة مليارات الجنيهات يتم إنفاقها علي الدعاية الانتخابية وعملية إجراء الانتخابات نفسها. الرئيس المنتخب انتقل إليه عبء التشريع وهو الذي سيصدر قانوني مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية وأصبح لزاماً عليه أن يحقق مصالحة وطنية وإشراك كل الأحزاب والقوي الوطنية في الانتخابات.. فالانحياز للفردي علي حساب القوائم أمر لي يكون مفيداً لمستقبل البرلمان والحياة النيابية والديمقراطية في مصر.. لابد من إحداث توازن بين القائمة والفردي ومراعاة عدم تغول طرف علي آخر حتي لا نواجه بحكم الدستورية ببطلان أو انعدام المجلس بعد انعقاده.. نرجو ألا يعيد التاريخ نفسه ونقع في نفس الأخطاء السابقة إرضاء لأحزاب أو أفراد وعدم التكبر والعناد من قبل القيادة السياسية الجديدة، فمصر لم تعد تحتمل تجارب أو افتكاسات لا تقودنا للأمام وتعود بنا إلي الخلف مرة أخري.. لابد من إعلاء شأن الوطن وقيمته فوق الجميع حتي ننعم بحياة برلمانية سليمة نضمن فيها سلامة التشريعات وحتي لا نضع البرلمان القادم تحت مقصلة المحكمة الدستورية.. يا سيادة الرئيس في التأني السلامة ومصر فوق الجميع.