جاء طرح قانون مجلس الشعب علي الرأي العام لمناقشته قبل صدوره.. بمثابة خطوة ايجابية من جانب المجلس الأعلي للقوات المسلحة. ولما كان الاقتراع أو الانتخاب من الحقوق السياسية الأصيلة للمواطن، التي يعبر من خلالها عن رأيه في اختيار حكامه وممثليه..، فإن هذه المناقشة تكتسب أهمية كبري. وفي السنوات الأخيرة، كانت مصر تطبق نظام الانتخاب الفردي، الذي يعود إلي عام 6681 عند تشكيل أول مجلس نيابي »وكان انتخابا غير مباشر يتم علي درجتين« إلي ان قرر أول برلمان مصري عقب ثورة 9191 تطبيق نظام الانتخاب المباشر، لكي تخطو مصر إلي الوراء عقب الانقلاب علي الدستور في الفترة من 0391 إلي 5391 وتعود إلي نظام الانتخاب غير المباشر الذي ألغي نهائيا لكي يعود نظام الانتخاب المباشر في انتخابات عام 6391 وقد أجريت لأول مرة في مصر انتخابات بنظام القائمة في عام 0891 وفي عام 4891 ثم اجريت انتخابات عام 7891 وفقا لنظام الانتخابات المختلط - الذي يجمع بين القوائم الانتخابية ومقاعد المستقلين- قبل ان تعود مصر إلي نظام الانتخاب الفردي مرة أخري. ومنذ ظهور المجالس النيابية المنتخبة في القرن الثامن عشر في العالم، أخذت الدول بالعديد من الأنظمة الانتخابية، من بينها نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة، وجمع البعض بين النظامين »الفردي والقائمة«. وفي مصر، ظل السؤال المطروح علي الدوام هو: ما هو النظام الانتخابي الأفضل الذي يتيح للمواطنين مشاركة فاعلة في الحياة السياسية؟ وقد تطورت الأنظمة الانتخابية من خلال الممارسة العملية. هناك نظام الانتخاب الفردي سواء بالأغلبية البسيطة أو الأغلبية المطلقة.. وكذلك نظام القائمة المطلقة والقائمة النسبية. وكما هو معروف فإن الانتخاب الفردي هو الذي يقوم فيه الناخب باختيار فرد واحد من بين المرشحين في دائرته، حيث يتم تقسيم البلاد إلي دوائر صغيرة نسبيا ينتخب كل منها نائبا واحدا. ووفقا لنظام الأغلبية البسيطة في الانتخاب الفردي، فإن المرشح الذي يحصل علي أكثرية الأصوات يفوز بالمقعد المخصص للدائرة.. أيا كانت هذه الأغلبية.. ولو افترضنا مثلا ان دائرة انتخابية يمثلها مرشحان اثنان وتقدم للانتخابات خمسة مرشحين، وجاءت نتيجة الاقتراع كالتالي: الأول 0082 صوت، والثاني 0012 صوت والثالث 0002 صوت والرابع 0081 صوت، والخامس ألف صوت، يفوز في هذه الحالة المرشحان الاول والثاني، وتحسم النتيجة لصالحهما علي الرغم من أن مجموع الاصوات التي حصلا عليها لا تشكل الأغلبية المطلقة لمجموع الناخبين! وطبقا لنظام الأغلبية المطلقة في الانتخاب الفردي، يفوز بالمقعد من يحصل علي نصف عدد اصوات المقترعين زائد واحد، وإذا لم يحصل أي مرشح علي هذا العدد، تجري الجولة الثانية »الإعادة« بين المرشحين اللذين حصلا علي أكثرية الاصوات في الجولة الاولي. ونظام الانتخاب الفردي له عيوب كثيرة- سواء كان بالأغلبية البسيطة أو المطلقة، لأنه يعني اهمال نسبة عالية من الاصوات قد تصل إلي 94٪ من الناخبين في كل دائرة انتخابية.. كما ان المنافسة بين المرشحين في ظل هذا النظام تتخذ بعدا شخصيا، ويكون المرشح أسير دائرته الانتخابية، وهو ما يتعارض مع مبدأ أساسي: ان النائب في البرلمان يمثل الأمة بأسرها. ونظرا لصغر حجم الدائرة الانتخابية، فإنه من السهل التأثير علي الناخبين بالمال مع انتشار الرشاوي الانتخابية مما يؤدي إلي ابتعاد أصحاب الكفاءات عن خوض الانتخابات أو عجزهم عن الفوز أمام سطوة المال والعصبيات العائلية والعشائرية والجهوية »الانتماء إلي منطقة جغرافية معينة«.. ونظام الانتخاب الفردي يؤدي إلي اقصاء أحزاب الاقلية من التمثيل البرلماني وحرمان الاقليات من التمثيل واستبعاد المرأة.. كما ان اختيار النواب في النظام الفردي لا يعتمد علي البرامج والمواقف السياسية بقدر اعتماده علي الصفات الشخصية والعوامل التقليدية. والنظام الفردي يؤدي إلي عزوف غير القادرين ماليا عن ترشيح أنفسهم، ويفتح الطريق أمام حزب واحد للاستحواذ علي جميع مقاعد الدائرة، كما ان كثرة الأصوات المهدرة يحرم نسبة هائلة من الناخبين من التمثيل في البرلمان. وأبرز مثال علي ذلك هو الانتخابات البرلمانية التي اجريت في بريطانيا في مايو سنة 5002 وفقا لنظام الأغليبة البسيطة في الانتخابات الفردية، والتي فاز فيها حزب العمال ب 653 مقعدا من مجموع مقاعد مجلس العموم البالغة 645 مقعدا. وكان نصيب هذا الحزب الفائز من مجموع الأصوات 6.53٪ بينما كان نصيب حزب المحافظين المنافس 3.23٪ من مجموع الأصوات.. ومع ذلك لم يحصل المحافظون سوي علي 791 مقعدا - أي بفارق 951 مقعدا- رغم ان الفارق في نسبة اصوات الناخبين بين الحزبين لا يتجاوز ثلاثة في المائة، ولو طبق نظام التمثيل النسبي لأصبحت حصة حزب العمال 722 مقعدا والمحافظين 802 مقاعد. وإذا كان النظام الفردي يجعل النائب يعمل وفق رغبات ناخبيه مما يؤدي إلي جعل الصالح العام في مرتبة ثانية.. فإن نظام الانتخاب بالقائمة النسبية يقضي علي النظرة الضيقة لوظيفة النائب التي تفرض عليه أن يكون نائب خدمات لابناء دائرته.. أو للمحظوظين منهم، وخاصة سماسرة جمع الأصوات. ويقضي نظام القائمة بأن يقوم الناخب باختيار قائمة تضم أكثر من فرد من بين القوائم المرشحة في الدائرة الانتخابية، التي تصبح كبيرة نسبيا.. ويتم توزيع المقاعد البرلمانية وفقا لنسبة الأصوات التي تحصل عليها كل قائمة.. فإذا كانت هناك دائرة انتخابية يمثلها ستة نواب ويصل عدد الناخبين فيها إلي 021 ألف صوت وحصلت القائمة »أ« علي 08 ألف صوت، والقائمة »ب« علي 04 ألف صوت، فان القائمة »أ« تحصل علي أربعة مقاعد والقائمة »ب« تحصل علي مقعدين.. ويتيح نظام القائمة النسبية للقوي السياسية المهمشة ان تمثل في البرلمان تمثيلا يتناسب مع وزنها وثقلها السياسي علي أرض الواقع من خلال الترشح علي قوائم الأحزاب لضمان وصولها إلي البرلمان ومن ثم، فإن هذا النظام يفسح المجال لتمثيل جميع القوي أو العناصر التي يتكون منها المجتمع الواحد، وهذا ما نحتاج إليه الآن.. والقائمة النسبية تزيد فرص وصول الاقباط والمرأة إلي البرلمان بعدد أكبر، وخاصة إذا احتل هؤلاء مراكز متقدمة في القوائم الانتخابية للأحزاب المختلفة. وكاتب هذه السطور يدعو إلي الأخذ بنظام القائمة النسبية، وليس النظام الفردي، لأنه يضفي المزيد من الحيوية علي النظام السياسي، ويترجم فكرة الديمقراطية إلي حقيقة علي أرض الواقع ويحد من النعرات العصبية ودور المال ويزيد من الاندماج والتلاحم الوطني.. كما انني أعارض نظام القوائم المغلقة التي تعني انتخاب القائمة بأكملها دون حذف أو اضافة، فالقائمة المفتوحة هي التي لا تلزم الحزب بتقديم مرشحين في كل الدوائر ولا تلزمه بعدد معين في أي دائرة، وهي مفتوحة لأي تحالف أو عناصر فردية ويجب استبعاد فكرة حصول الحزب علي نسبة معينة من مجموع أصوات المقترعين علي مستوي الجمهورية لكي يكون ممثلا في البرلمان. نحن نستحق نظام القائمة النسبية بعد ثورة شعبية جعلت كل مواطن مهموما بالشأن العام، مما يفرض علينا الارتقاء بالنظام الانتخابي وفتح باب المنافسة علي برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. كلمة السر.. للوصول إلي برلمان من نوع جديد.. هي القائمة النسبية.