قطع المياه 6 ساعات ببعض مناطق الجيزة لتحويل خط رئيسي    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    جوتيريش:نصف مليون شخص بغزة محاصرون في مجاعة    ضبط 50 محلًا بدون ترخيص وتنفيذ 40 حكمًا قضائيًا بحملة أمنية بالفيوم    لمحبي الآكلات الجديدة.. حضري «الفاصوليا البيضاء» على الطريقة التونسية (الخطوات والمكونات)    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    جامعة أسوان تهنئ البروفيسور مجدي يعقوب لتكريمه من جمعية القلب الأمريكية    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    بورسعيد.. أجمل شاطئ وأرخص مصيف| كيف كانت الحياة في المدينة الباسلة عام 1960؟    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    الأمم المتحدة تعلن المجاعة رسميًا.. ماذا يحدث في غزة؟    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    أسوان يستضيف بلدية المحلة في الجولة الأولى بدوري المحترفين    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة مراجعة للمشهد السياسي الراهن
نشر في أخبار مصر يوم 12 - 09 - 2010

الذين عاشوا الحياة السياسية المصرية خلال نصف القرن الأخير سوف يجدون السنوات الأخيرة مفعمة بالحيوية والنشاط والحركة في اتجاهات متعددة‏,‏ أغلبها علي السطح يمس السياسة وأوضاعها ونظمها‏.
ولكنها عند العمق تموج بالتغيير والتبديل للحقائق الاقتصادية والاجتماعية المصرية‏.‏ لم يعد هناك ذاك الركود المرتبط بالحزب التعبوي الواحد‏,‏ ولا بات هناك ذلك الانتظار حتي يأتي تعيين الحكومة في واحدة من الوزارات أو الهيئات والشركات العامة‏,‏ ولا بات هناك رمضان ينتظر فيه الناس الفزورة بعد الإفطار وصلاة المغرب‏,‏ بل باتت الشكوي هي كثرة الاختيارات المتاحة‏,‏ ولا أصبح لدي أحد رأي أو فكرة إلا ووجد لها مجالا للوصول بها إلي الرأي العام سواء من خلال الصحف التي لم تعد قومية فقط بل أصبحت حزبية ومستقلة وخاصة‏,‏ وإذا لم يكن هناك مجال أو مساحة في كل ذلك فإن المواقع علي‏'‏ النت‏'‏ فيها ما يكفي وزيادة‏,‏ ولو كان الإنسان حريصا وبارعا لفتح الله عليه بمدونة يصل بها إلي الرأي العام‏.‏ ولم يحدث في تاريخ مصر الحديث أن أصبح ممكنا لشخص واحد معارض أن يحصل علي العديد من الساعات التليفزيونية المطولة لكي يطرح وجهات نظره الكاملة فيما يريد تغييره في الحياة المصرية‏.‏ وعندما لم يعد لديه جديد يقدمه تراجع قليلا وبرز آخرون يطرحون ما لديهم من خطط قومية ووطنية علي الرأي العام‏;‏ ولا بأس أحيانا من إعادة فحص ودراسة التاريخ المصري كله‏,‏ حيث لا يستثني أحد ولا يستبعد أحد من القادة والزعماء‏.‏
وبالنسبة لي فإنني لا أقف حيث توجد كثرة من المنزعجين مما يجري‏,‏ والانزعاج بعضه قلق علي مصر‏,‏ والآخر خوف من البلبلة والاختراق الأجنبي‏.‏ وبصورة عامة فإن الحديث عن الانفلات والفوضي فيه خلط كبير مع تلك الحالة من الحيوية‏,‏ والجدة‏,‏ التي تجعل الخضة أحيانا لها ما يبررها بالنسبة لأجيال عاشت في حياة ساكنة لا تعرف حالة الفوران الطبيعية في أيام التغيير‏,‏ ولا يجري في بالها كيف تتغير الحياة مع قدوم اقتصاد السوق وما فيه من سباق وتنافس وتغير في المقادير والأقدار‏,‏ ولا يطرق عقلها تلك الحالة من الدهشة والتوتر الذي يصاحب تلك الثورة التكنولوجية التي تقلب حياتنا رأسا علي عقب‏.‏ وببساطة شديدة فإن ما يجري في مصر هو ما يجري في كل البلاد الأخري التي سبقتنا علي طريق النضج والتنمية‏,‏ وهو مثلها يجري بطريقة سلمية‏,‏ وبرغم انتظار جمعي لثورة وفورة وانقلاب وتغيير مفاجئ فإن الحياة المصرية تسير في مسارها الذي يتواءم مع الأيام والعصور‏.‏
وشهدت الشهور الماضية انشغالا مستمرا بالشخصيات المحتمل أن تدخل سباق انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في الثلث الأخير من عام‏2011,‏ بحيث برز شن حملات ووضع ملصقات وتجميع توقيعات لدعم هذا المرشح أو ذاك‏.‏ كما ظهرت أيضا حملات مضادة لتأييد هذا ومعارضة الآخر‏,‏ ونشطت الجمعية الوطنية للتغيير في المحافظات المختلفة‏,‏ ورفعت شعار سنغير معا‏,‏ وتركز اهتمامها علي تحقيق مطالب سبعة‏,‏ بما يشير إلي أن هناك ما يمكن تسميته حرق مراحل أو القفز فوق المشهد السياسي القائم‏,‏ لأن مصر مقبلة علي خطوة بالغة الأهمية وهي انتخابات مجلس الشعب لدور الانعقاد‏2010-2015‏ التي يفترض إيلاء الاهتمام المركزي بها في اللحظة الآنية‏.‏ الحزب الوطني الديمقراطي من جانبه يسير بطريقته الخاصة خطوة خطوة‏,‏ ومعركة بعد معركة‏,‏ وهو من ناحية لديه برنامج محدد واضح التفاصيل لتغيير البلاد‏,‏ ومن ثم فإن مهمته الأولي من خلال حكومته‏,‏ وحركته السياسية هي التأكد من الانتهاء مما وعد به الرأي العام في الانتخابات الرئاسية السابقة‏.‏ ومن ناحية أخري فإن الحزب لا يذهب بعيدا في الجدل السياسي وإنما يناضل من أجل التعامل مع الكثرة الهائلة من أعضائه الذين يريدون الترشح لعضوية مجلس الشعب والذين تراوحت التقديرات بشأنهم بين ثلاثة آلاف وأربعة عشر ألفا يريدون الأمر بشكل أو بآخر‏.‏ ولكن الحزب يدرك أن عملية التدقيق بالنسبة له مصيرية‏,‏ فرغم كل ما يقال عن التزوير من قبل المعارضة‏,‏ والاعتراف بالتجاوزات من قبل الحزب الوطني‏,‏ فإن الحقيقة تقول إن الحزب قد حصل علي‏38%‏ فقط من عدد الأصوات في انتخابات عام‏2000,‏ و‏32%‏ في انتخابات عام‏2005‏ الأخيرة‏.‏ هذا التراجع من الأمور الطبيعية عندما يكون الحزب في السلطة‏,‏ وعندما يتم التخفيف من هذا التراجع بانضمام جبهة واسعة وعريضة من أعضاء المجلس التشريعي من المؤمنين بمبادئ الحزب فإن ذلك لا ينفي حاجة الحزب لتفعيل قاعدته الأساسية وهو ما يركز عليه الحزب حاليا‏.‏
المسألة هكذا تلخص حال المشهد السياسي المصري الآن‏:‏ المعارضة تريد تغييرا كليا وتقفز من الانتخابات البرلمانية إلي الانتخابات الرئاسية‏,‏ وتعطي التغيير في النظام السياسي كله أولوية علي ما عداه من تغييرات‏.‏ وفيما عدا المقترحات المقدمة للتغييرات في النظام الانتخابي وبعض مواد الدستور‏,‏ فإن المعارضة لم تقدم فكرة واحدة للرأي العام حول أي من القضايا العامة الجوهرية المصرية‏,‏ من أول الزيادة السكانية حتي التعليم والتنمية الاقتصادية والعمرانية إلي آخر ما يخص مسار الحياة اليومية للمواطنين‏.‏ والحجة التي لا تكف المعارضة عن ترديدها هي أن كل أشكال القصور والأزمات سوف تنتهي ساعة وصولها إلي الحكم حيث يستقيم الطريق ويقوم ميزان العدل‏.‏ مثل ذلك لا يوجد في بلاد أخري‏,‏ فالغالبية الساحقة من مشكلاتنا تعود إلي أمور هيكلية‏,‏ بعضها يعود للعلاقة بين الماضي والحاضر‏,‏ والموارد والاحتياجات‏,‏ وأسلوب التنمية في المجتمع ومدي تقبل الرأي العام لتغييرات جوهرية في الحياة كما جري في بلدان أخري وضعت خطوطا فاصلة بين الماضي والمستقبل‏.‏
علي الجانب الآخر يمارس الحزب الوطني الديمقراطي السياسة علي طريقته حينما يضعها في أولوية منخفضة بالتأكيد عن المعارضة‏,‏ وبرغم الأهمية القصوي للإعلام وما يملكه الحزب وحكومته من أدوات فإن عدد نجوم الحزب محدود علي الأقل مقارنة بالمعارضة‏,‏ وعلي الأغلب فإنهم يلزمون موقفا دفاعيا‏,‏ وعندما تتعقد القضايا كما هو متوقع فإنه لا يوجد من يعرف صياغتها بالطريقة التي تصل إلي الرأي العام‏.‏ ولكن ما كان محدودا في المجال العام اختلف كثيرا داخل الحزب الذي أصبح أكثر تنظيما وقدرة علي جذب الشباب‏(65%‏ من الحزب الآن‏)‏ وتعبئتهم في اتجاه الحركة علي المستوي المحلي‏.‏ وفي الوقت نفسه فإن التغيير الذي يجري في المجالات الاقتصادية والاجتماعية يتم علي قدم وساق بقدر ما يعتقد الحزب بقدرة الشعب علي تحمله‏.‏ والواقع أن تراكم الخطوات خلق أوضاعا جديدة تماما للأرض التي صار التنافس عليها سباقا لم يكن متصورا منذ سنوات قليلة‏,‏ والمرأة التي حققت اختراقات في مجالات القضاء وعضوية البرلمان والوظائف العامة لم يكن متصورا منذ فترة ليست بعيدة‏,‏ والمواطنة باتت واحدة من الأخلاقيات العامة حتي لو كانت جماعة لا تعتقد فيها كثيرا‏,‏ وبرغم استمرار الكثير من التقاليد الاشتراكية فإن تقاليد المبادرة الفردية والتنافس في السوق حفرت لنفسها طريقا موازيا خاصة لدي الأجيال الجديدة التي دخل‏19‏ مليونا منها إلي شبكات النت حتي وضعت العالم بين أصابعها‏.‏ ويا للمعجزة‏,‏ فإن الشعب المصري قد بات أخيرا من الشعوب التي تدفع الضرائب من الدخل إلي المبيعات إلي العقار‏,‏ وعندما يحدث ذلك فإن أولي خطوات المواطنة تصبح حقيقة واقعة لأن العقد السياسي القائم علي مواطن لا يدفع شيئا مقابل وصاية الدولة عليه قد وصل إلي نهايته‏,‏ وأصبح الموظف العام أجيرا عند جماعة المواطنين حيث يحصل علي مرتبه من عائد ضرائبهم‏.‏
التغييرات الجارية بعد ذلك كثيرة‏,‏ وبعضها لقي رفضا من أقلية واستحسانا من أغلبية‏,‏ أو ربما جري العكس في أمور بعينها‏,‏ كان فيها علي الدولة أن تقود‏,‏ ولكن الواقع هو أن التغيير قد جري‏,‏ وربما لا تظهر آثاره كلها في اللحظة‏,‏ نفسها ولا يتم إدراك مفاعل التغيير التراكمي‏,‏ ولكن ذلك وظيفة الزمن وقدرته علي تفعيل ذلك كله وهو ما يراهن عليه الحزب الوطني الديمقراطي ويريد استكماله خلال السنوات القادمة‏.‏ ومن هنا تأتي أهمية المعركة البرلمانية المقبلة لأنها هي المجال الذي من خلاله تستطيع المعارضة تحقيق أهدافها السياسية المشروعة بما فيها تلك الأهداف الدستورية المشروعة أيضا التي تمتد المطالبات بها من القوي السياسية المعارضة إلي داخل الحزب الوطني نفسه‏.‏ الفارق هنا هو أن السياسة في الدول الناضجة لا تتغير إلا من خلال المؤسسات‏,‏ بل إن المؤسسات نفسها لا تتغير إلا من خلال إجراءات وتشريعات تقوم بهذه المهمة‏,‏ وما عدا ذلك ينتمي إلي طريقة أخري في التفكير الثوري الذي يقلب الأمور رأسا علي عقب تهز المجتمع وتكلفه آلاما وعنتا شديدا لا يمكن تكراره مرات متعددة‏.‏ وقد أخذت مصر نصيبها من الثورة وآن الأوان لكي تترسخ مسيرة المؤسسية والشرعية حتي لو كانت أكثر بطئا‏,‏ وأقل استجابة لمطالبات المصلحين‏.‏
وللحق فإن مصر تمتلك خبرة تاريخية عميقة في الممارسة البرلمانية‏,‏ يبلغ عمرها أكثر من‏135‏ عاما‏,‏ وتعاقبت علي البلاد أكثر من‏32‏ هيئة نيابية تراوح عدد أعضائها ما بين‏75‏ عضوا و‏454‏ عضوا‏,‏ وذلك منذ عام‏1866‏ حينما أنشأ الخديو إسماعيل مجلس شوري النواب الذي استمر في أداء مهامه حتي مارس‏1882.‏ وفي مايو‏1883‏ حينما كانت مصر خاضعة للاحتلال البريطاني أنشأ الخديو توفيق مجلس شوري القوانين والجمعية العمومية‏.‏ وفي عام‏1913,‏ تم إنشاء الجمعية التشريعية التي واصلت عملها النيابي حتي يونيو‏1914,‏ عندما تجمدت الحياة النيابية بسبب نشوب الحرب العالمية الأولي‏,‏ ثم صدر أمر بحلها في أبريل‏1923.‏ ومع تبلور دستور‏1923,‏ تألف البرلمان من مجلسين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ‏,‏ وتتالت المجالس النيابية بمرور الوقت‏,‏ وتعرضت غالبيتها للحل بمرسوم ملكي قبل انتهاء مدتها القانونية‏,‏ وكان آخر حل حدث في أعقاب حريق القاهرة في يناير‏1952,‏ وظلت مصر دون برلمان حتي قيام ثورة يوليو من العام نفسه‏.‏
وفي فبراير‏1953,‏ تم الإعلان عن مرحلة انتقالية مدتها ثلاث سنوات يتم خلالها ممارسة السلطة التشريعية من خلال مجلس قيادة الثورة‏,‏ وساد هذا الوضع حتي صدور دستور‏1956.‏ وعلي أساسه‏,‏ تم انتخاب أول مجلس نيابي بعد الثورة وسمي مجلس الأمة الذي بدأ عمله في يوليو‏1957‏ واستمر حتي مارس‏1958.‏ ومع حدوث وحدة اندماجية بين مصر وسوريا خلال الفترة‏(1958-1961),‏ صدر الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة‏,‏ وتم تشكيل مجلس الأمة للدولة الجديدة بقرار من رئيس الجمهورية علي أن يكون نصف أعضائه علي الأقل من بين أعضاء مجلس الأمة المصري ومجلس النواب السوري‏.‏ وبعد الانفصال السوري في سبتمبر‏1961,‏ عاشت مصر دون برلمان حتي مارس‏1964,‏ حينما صدر دستور مؤقت قام في ظله مجلس الأمة‏,‏ وظل هذا الوضع قائما حتي صدور الدستور الدائم لمصر في عام‏1971.‏
ووفقا لدستور‏1971,‏ يتمثل الاختصاص التشريعي بصفة أساسية في مجلس الشعب‏,‏ الذي صار يتألف من أربعمائة وأربعة وأربعين عضوا يختارون بطريق الانتخاب المباشر في‏222‏ دائرة انتخابية‏,‏ وينتخب عن كل منها عضوان أحدهما علي الأقل من العمال والفلاحين‏,‏ بالإضافة إلي العشرة أعضاء الذين يعينهم رئيس الجمهورية‏.‏ وتشير نصوص الدستور الحالي في المادة‏86‏ إلي أنه يتولي مجلس الشعب سلطة التشريع ويقرر السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة‏,‏ كما يمارس الرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية‏,‏ وذلك كله علي الوجه المبين في الدستور‏.‏ وعلي هذا الدستور جرت ثلاث مرات من التعديل كان أولها ما جري عام‏1980‏ الذي أطلق عدد مرات انتخاب رئيس الجمهورية‏,‏ وجعل مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع‏,‏ أما الصحافة فصارت سلطة رابعة‏.‏ وثانيها جاء في عام‏2005‏ حينما تم تغيير المادة‏76‏ من الدستور التي جعلت انتخاب رئيس الجمهورية تنافسيا ومن الشعب مباشرة‏;‏ أما ثالثها فجاء في عام‏2007‏ حينما تم تعديل‏34‏ مادة من الدستور نصت صراحة علي المواطنة كأساس للمجتمع السياسي‏,‏ وأعطت النظام السياسي مرونة أكبر في التعامل مع الأوضاع الاقتصادية دون تقييد اشتراكي من نوع أو آخر‏.‏
وفي الظن أن انتخابات مجلس الشعب لعام‏2010‏ يمكنها أن تكون واحدة من العلامات الفارقة في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية‏,‏ حيث إن مجلس الشعب الجديد سوف يعمل في إطار مهام سياسية تتعلق باحتمالات تحديد المرشحين لرئاسة الجمهورية‏,‏ ومناقشة مشروعات قوانين تتعلق بالإصلاح السياسي والتطور الاقتصادي‏,‏ وقوانين أخري تتصل بعلاقات قوي المجتمع‏.‏ فالأعضاء الجدد في البرلمان الذين يفترض أنهم انتخبوا بفعل قدرتهم علي تحقيق المصالح المباشرة لأبناء دوائرهم سوف يجدون أنفسهم مهتمين ومهمومين بمهام وطنية عامة‏.‏ ولكن الملاحظ علي هذه الانتخابات أنها تقع في إطار التناقض نفسه الذي شاب جميع الانتخابات البرلمانية السابقة‏.‏ فمن ناحية فإن الشكوي عالية من ضعف وتهافت ضمانات النزاهة في العملية الانتخابية‏;‏ ويقابلها من جانب آخر إقبال مذهل‏,‏ وتنافس أحيانا مخيف‏,‏ علي الترشيح لنيل المقعد النيابي‏.‏ وفي عام‏1976‏ عندما جرت أول انتخابات تعددية بعد ثورة يوليو تسابق‏1660‏ مرشحا علي‏350‏ مقعدا نيابيا بمعدل تنافسي قدره‏4.74‏ لكل مقعد‏;‏ وظل هذا المعدل في الارتفاع في كل الانتخابات التالية حتي وصل في انتخابات عام‏2000‏ إلي‏3957‏ مرشحا يتسابقون علي‏444‏ مقعدا بمعدل تنافسي قدره‏8.91;‏ وفي انتخابات عام‏2005‏ قفز المعدل مرة أخري حينما بلغ عدد المرشحين‏5177‏ مرشحا بمعدل تنافسي قدره‏11.65.‏
كيف نفسر هذا القدر من التناقض ما بين النقد الحاد لإجراءات العملية الانتخابية‏,‏ والتنافسية الأكثر حدة من أجل الحصول علي المقعد النيابي‏,‏ والسلبية غير العادية للمواطنين والممتدة طوال التاريخ المصري المعاصر باستثناء عدد محدود من الانتخابات؟ المسألة بالتأكيد تحتاج إلي الكثير من الاجتهادات التي أكثرها ذيوعا ما يجري في الانتخابات من تجاوزات‏;‏ ولكن ما يجري إهماله في الاجتهاد دائما هو الثقافة السياسية‏,‏ وعجز القوي السياسية المختلفة عن طرح أمور تهم الشعب المصري بالفعل وحاجاته الأساسية‏.‏ إن الضمانة الأساسية لنزاهة الانتخابات هي المشاركة الواسعة من الشعب المصري‏,‏ حيث يستحيل ساعتها تقرير نتيجة التصويت بعيدا عن الحالة الجماهيرية‏;‏ وفي الانتخابات الأخيرة جرت تحسينات ملحوظة مثل الصندوق الزجاجي‏,‏ والحبر الانتخابي الذي نتمني أن يكون من الأنواع الجيدة التي لا تزول بسرعة هذه المرة‏,‏ بالإضافة إلي رقابة القضاء والمجتمع المدني‏.‏ ومادامت المراقبة الأجنبية للانتخابات من الأمور المرفوضة من قوي سياسية كثيرة داخل وخارج الحزب الوطني الديمقراطي‏;‏ فإن الإضافة هذا العام لكل ما سبق سوف تأتي من الإعلام المحلي والدولي الذي لم يحدث أن كان في مصر علي الصورة التي هو عليها الآن‏.‏
المسألة الآن هي أنه آن الأوان لكي ننزل إلي الأرض مرة أخري‏,‏ ونبدأ من حيث انتهينا لكي ننطلق إلي الأمام‏,‏ والمهم أن يكون لدينا دائما قوة الدفع والعزيمة والفكر الذي يجعل هذه الانطلاقة ممكنة وآمنة‏.‏
*نقلا عن صحيفة الاهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.