من المؤكد أن ثورات الربيع العربي أحيت الحلم، الذي استمر أكثر من ستين عاما بتحرير الأرض الفلسطينية التي مازالت تحت الاحتلال الإسرائيلي في أكبر جريمة احتلال في التاريخ، وكأن العرب في غيبوبة لا يرون الإبادة العرقية التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني، ومازال تساقط الضحايا مستمرا والمهانة العربية مستمرة، والجيل العربي الذي عاش النكبة يكاد يختفي قبل أن يحقق حلمه بتحرير فلسطين. إننا مازلنا نهتف ونثور ونتظاهر ونشجب وندين ونعقد مؤتمرات وقمما عربية وندوات، نستجدي ونستعطف الغرب ولا نملك من الأمر شيئا. ثلاث سنوات هي عمر الربيع العربي ولم نخط خطوة نحو الحلم، فهل نندهش ونقلب أيدينا في الهواء أم نخبط رؤوسنا في الحائط؟! عندما نري إسرائيل مازالت خنجرا في قلب الأمة العربية؟ أم نفقد الثقة في إرادتنا كشعوب تابعة للأمة العربية المنكوبة بإسرائيل؟ أم نفقد الثقة أيضا في قادتنا الذين أداروا النكبة؟ وجعلوا فلسطين الدولة الوحيدة التي مازالت تعاني من استعمار تقليدي في القرن الواحد والعشرين بعد الفشل في تحريرها سواء تحت راية الثورات العسكرية أو الثورات الشعبية. عن إدارة الصراع العربي بعد ثورات الربيع العربي يقول د. سمير غطاس رئيس منتدي الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية: إن الشعوب العربية تنفست الصعداء بعد ثورات الربيع بعدما تأكد أنهم سينفذون إرادتهم ويطرحون رؤيتهم علي الحاكم العربي مهما كان والتفتت الأنظار الي مصر أكبر دولة عربية في المنطقة إذ كيف سندير الأزمة الفلسطينية بعد مجيء محمد مرسي أول رئيس مدني الي السلطة ولكن المفاجأة أن الرئيس الإخواني حافظ علي أمن إسرائيل بل تعهد بهذا الأمن والتشديد عليه ووافق علي حل مشكلة إسرائيل الخاصة بالتكدس السكاني في قطاع غزة والتي صدر بخصوصها دراسة إسرائيلية عام 2009 لچنرال إسرائيلي يدعي «بيرا ايمني» وكان مستشار الأمن القومي لدي «شارون»، وطالبت الدراسة بتوسيع قطاع غزة ب600 كيلو متر مربع من أراضي سيناء، وفي نفس المساحة التي حددها «بيرا» كان هناك مشروع تمليك الأراضي للأجانب في سيناء خلال حكم الإخوان لكن القوات المسلحة فطنت الي هذه المؤامرة وألغت المشروع بالإضافة الي تجنيس حوالي 50 ألف فلسطيني بالجنسية المصرية خلال عام من حكم «مرسي»، وظهرت شركة تدعي أنها وطنية وثبت بعد ذلك أنها تابعة للتنظيم الدولي للإخوان وعرضت بناء مليون وحدة سكنية في سيناء في ذات المنطقة، مع أن إجمالي بدو سيناء يقرب من 400 ألف نسمة، ويتساءل: إذن المليون وحدة سكنية لمن؟! إنها لفلسطينييغزة وبالتالي الخدمات الجليلة التي قدمها «مرسي» لأمن إسرائيل جعلت أمريكا تساند الإخوان، والشيء الآخر هو إغلاق ملف الصراع العربي الإسرائيلي بمحاولة فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية. إهانة ومذلة وأشار «غطاس» الي الاتفاق الذي تم بين حماس وإسرائيل برعاية «مرسي» الذي ينص في البند الثاني منه علي إهانة ومذلة للجانب العربي وللقضية الفلسطينية ولدماء الشهداء ونضال الشعوب العربية، لأنه نص علي إيقاف الجانب الفلسطيني أعماله العدائية ضد إسرائيل، وهنا وافقت حماس التي تتشدق بالمقاومة علي وصف الأعمال البطولية ضد الاحتلال، والتي تسعي الي تحرير الأرض بالأعمال العدائية، وتم هذا تحت رعاية ومباركة محمد مرسي الإخواني، ولهذا أشاد كل من «نتنياهو» و«ليبرمان» و«إيهود باراك» بالرئيس «مرسي» لأنه حافظ علي أمن إسرائيل، وأكدت صحيفة «ها آرتس» الإسرائيلية أن «مرسي» وافق علي ما لم يوافق عليه «مبارك» بوضع مجسات تجسس علي الحدود المصرية وتلك كانت طريقة إدارة الصراع مع إسرائيل في عهد الإخوان الذين دبروا مخططا تجاه الجيش المصري بمحاولة تفكيكه بتوريطه في مستنقع الإرهاب داخل سيناء أو بتوريط قيادته بالحرب مع إسرائيل، ومن ثم تغيير قياداته والاستيلاء عليه بتعيين قيادات موالية لجماعة الإخوان ثم تحويل الجيش المصري الي ميليشيات تابعة لتنظيم الإخوان لصالح أمن إسرائيل. الضعف العربي اللواء طلعت مسلم الخبير العسكري والاستراتيجي قال إنه لا يوجد حاليا من يدير هذا الصراع وهذا الشعور السائد لغالبية الشعوب العربية بل ربما داخل دوائر صنع القرار لأن العناصر الفاعلة في الدول العربية مثل مصر وسوريا والعراق مشغولة بصراعات داخلية، والجامعة العربية التي كانت تمثل مؤسسة أو هيئة إقليمية تساند الحق العربي في قضيته العادلة تعطلت كثيرا عن إدارة هذا الصراع، وأصبح شغلها الشاغل إدارة الصراع العربي - العربي بين الدول العربية وللأسف لا تديره لصالح الأمة العربية ومصالحها بل لصالح الصراع العربي نفسه!! بما يزيد من الانقسامات والاستقطابات العربية بما يصب في صالح الدولة الإسرائيلية بزيادة قوتها ونفوذها الذي تستمده من الضعف العربي. كابوس مزعج وعن مستقبل هذا الصراع أكد «مسلم» أن الشعب الفلسطيني أصبح يواجه إسرائيل وآلتها العسكرية بمفرده دون مساند أو مدافع عنه، وللأسف نفس الشعب دخل في خلاف مع بعض الدول التي يعتمد عليها مثل مصر وسوريا، والعراق خرجت منذ سنوات من معادلة الصراع مع إسرائيل بسبب صراعاته الداخلية التي استمرت سنوات وواضح جدا أنها مؤهلة للاستمرار سنوات أخري. ورغم كل هذا يري اللواء طلعت مسلم أن مستقبل القضية الفلسطينية قد يكون مرتبطا بظهور هيئة ما أو مؤسسة أو شخص يستطيع أن يلم الشمل العربي ويوحد صفوفه وكلمته مرة أخري ويقدم صورة وأسلوبا وخطابا جديدا لإدارة هذا الصراع، الذي لن ينتهي بين الشعوب العربية وبين إسرائيل، ولكن هذا علي المستوي الفعلي والرسمي يحتاج الي تغييرات هيكلية علي مستوي الأنظمة والمؤسسات العربية المختلفة وبالطبع يحتاج أيضا الي زمن ليس بالقصير لإعادة إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، بما يخدم القضية العربية التي أصبحت كابوسا مزعجا تريد إسرائيل للعرب أن يتعايشوا معه دون شكوي أو تذمر. استكانة وانبطاح ويقدم أحمد الجمال القطب الناصري الكبير رؤية خاصة عن الصراع العربي الإسرائيلي بأنه ليس صراع حرب وآلات عسكرية لأنه في الأصل صراع حضاري في مختلفة الجوانب الحضارية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية لأن الحروب وآلتها العسكرية وحلقانها الساخنة من الممكن أن تشهد هدوءا أو برودا أو صلحا أو اعترافا أو استكانة، أو انبطاحا ومع هذا سيبقي الصراع العربي الإسرائيلي استعماريا مع كيان صهيوني مغتصب يتمثل في الدولة العبرية ومشروعها الاستيطاني القائم علي الحقوق العربية وأراضي الشعب الفلسطيني كما حدث في جنوب أفريقيا. وأضاف: الدول العربية لن تستطيع أن تحسم الصراع لصالحها إلا بعد أن تصبح قادرة علي المستوي الحضاري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي ومن ثم العلمي والتقني للاستمرار في هذا الصراع لأن هذه حوائط الصد التي تواجه المشروع الاستعماري الذي لم ولن ينتهي ومستمر وما حدث من ثورات الربيع العربي واتجاه الدول العربية الي الديمقراطية والحكم المدني والقضاء علي الفساد والاستبداد الذي فشل في إدارة الصراع مع إسرائيل، علامة صحية في الجسد العربي الذي يواجه إسرائيل، ولكن الأهم أن نبني ونستكمل ونتحمل وننهض لكي نقوي الجوانب التي يتفوق فيها العدو الإسرائيلي وأولها العلم الذي سيجر خلفه باقي الحلقات المتشابكة للنهوض والصمود والتصدي للصراع. العجز والقصور حتي نتطلع الي المستقبل لابد من الاستفادة من دروس التاريخ هكذا بدأ الإعلامي أحمد سعيد، مدير صوت العرب الأسبق، كلامه وأضاف: الصراع في السابق أداره جيل مهزوم ولم نستغل تضحيات شهدائنا في 1973، وبطولاتهم واخترنا حليفا لأمريكا غير صادق معنا، والآن نحاول أن نفرض كل هذا علي الأجيال القادمة.. أي جيل الهزيمة يفرض علي المستقبل جريمته بمعاهدة السلام، بالإضافة الي أن الشعوب العربية حُكمت في ظل نوع من أنواع العجز والقصور كما حدث في 1967 وصولا الي كامب ديفيد وإلا فما الداعي لقيام ثورات الربيع العربي إلا لتغيير هذا الواقع، ويطالب «سعيد» بتوريث الأجيال العربية القادمة الحلم العربي باسترداد فلسطين ولنجعل الأقلية تقول السلام والأغلبية تقول استرداد فلسطين لأن اليهود لم ييأسوا وورثوا حلمهم بالعودة وإقامة الدولة للأجيال اللاحقة لهم ووضع حاخامات اليهود تراتيل دينية تحض علي ذلك ومنها ترتيل بتول «يلتصق لساني بسقف حلقي إن نسيتك ولم أذكرك يا أورشليم» والحاخام كان يعلم هذا الترتيل لتلاميذه حتي يورثوا الحلم جيل بعد جيلا الي أن نجحوا في استغلال ظروف كثيرة عالمية وإقليمية وأقاموا الدولة. فترة انكماش ولا يطالب أحمد سعيد بإشعال الحرب لأن العرب تعلم حقيقة قدراتها ولهذا يدعو الي ترك العنتريات جانبا لأن الدولة العربية الآن أضعف ولو قويت ستضرب علي رأسها من أمريكا، ولكن الحاكم الذي سيخضع بحجة السلام سيكون حسابه عن شعبه وعند الله، ومع أن العرب تعيش في فترة انكماش إلا أن إسرائيل قلقة من أن يفرخ الربيع العربي قيادات أو أنظمة تستطيع النهوض بدولها والتصدي لها مع أن أمريكا و إسرائيل تغلغلتا في المنطقة العربية وتحكمتا في السياسة العربية سواء كانت ملكية أو جمهورية أو تابعة مثل العراق أو تحاول أن تتحرر كما يحدث في مصر. أما الباقي فهو مستسلم ومسترخ لأمريكا وإسرائيل وهذا هو المطروح في ليبيا والسودان، لأن المنطقة العربية خاضعة لمناورات وعبث إسرائيلي وصل بعضه الي القوات المسلحة في أكثر من دولة عربية.