منذ اندلاع ثورة 25 يناير وتتصاعد وتيرة إضرابات العمال ليتركوا بصمة فى كل نقلة أو تغيير يحدث فى مصر, ودائما ما يكون لاحتجاجات العمال دور فى تغير الحكومة أو إقالة وزير على الأقل, وذلك لعدم قدرة هذه الحكومات ووزرائها على التعامل مع أزمتهم وحلها. وفى رصد عام للإضرابات العمالية منذ 3 سنوات, نجد انه فى عام 2011 احتج العمال والموظفين فى القطاع العام والخاص بشكل يومى ومستمر, وظل مطلب تثبيت العمالة المؤقتة وزيادة الأجور وصرف الحوافز والعلاوات المتأخرة هو المطلب الأبرز من بين مطالب العمال والموظفين خلال تلك الاحتجاجات. لم يكن هذان المطلبان هما فقط اللذين احتج من أجلهما العمال والموظفين، بل شملت المطالب أيضا إيقاف الفصل والتهديد به وشتى أصناف التعسف تجاه العمال، والتهديد بغلق المصانع والشركات, وتشريد المئات بل الآلاف من العمال في بعض الأحيان، هذا بالإضافة إلى مطلب تنفيذ الأحكام الخاصة بعودة الشركات للقطاع العام, وتستمر هذه المطالب حتى الآن. ومن أبرز القطاعات والشركات التى قامت بالاضرابات " قطاع الطيران المدني, و قطاع التعليم وقطاع البترول, وموظفو الهيئة العامة للاستعلامات, وعمال الشركة الدولية لتجارة الجملة, وعمال شركة لاشين للبلاستيك، وراميدا للأدوية، وعمال المطابع الخاصة التابعة للهيئة العامة للكتاب، وعمال ميجاتكستايل, ومصنع للطوب بنوسة البحر التابعة لمركز المنصورة محافظة الدقهلية, وعمال شركة طنطا للكتان، وشركات للغزل والنسيج بمدينة السادات ومنها: ميجاتيكس والكان والنيل والأهرام للغزل والنسيج”، وغيرها من القطاعات والمصانع والشركات". وقد بلغ مجمل عدد الاحتجاجات خلال النصف الثاني من شهر نوفمبر لعام 2011، 60 حالة احتجاج في القطاعين “الحكومي، والخاص”, وليس هناك فارق كبير بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص من حيث عدد الاحتجاجات، فقد بلغ عدد المواقع التي احتجت في القطاع الحكومي31 موقعا، وفي القطاع الخاص 29 موقعا. وتنوعت أشكال الاحتجاجات في القطاعين ما بين 19 وقفة احتجاجية، 17 حالة اعتصام، 17 حالة إضراب، وحالتين تهديد بالإضراب، وحالة واحدة لإضراب عن الطعام، وحالتين تهديد بالاعتصام، حالتين قطع طريق. وقد بلغ مجمل عدد الاحتجاجات في القطاعين الحكومي والخاص خلال النصف الأول من شهر ديسمبر 2011، 89 حالة احتجاج, حيث حاز القطاع الحكومي على النصيب الأكبر من عدد الاحتجاجات, وإحتج 61 موقعا، في مقابل 28 آخرين في القطاع الخاص. وتنوعت أشكال الاحتجاجات في كلا القطاعين ما بين 28 اعتصام، 27 وقفة احتجاجية، 25 حالة إضراب عن العمل، وثلاث حالات إضراب عن الطعام، حالتين تهديد بالاعتصام، حالتين قطع طريق، حالة تهديد بالإضراب، وحالة تجمهر. وظلت احتجاجات العمال مستمر حتى صعود جماعة الاخوان للحكم بمنتصف عام 2012, فتعالت أصوات اضربات العمال والموظفين بعد خيبة أمل المواطنين فى أداء الرئيس المعزول محمد مرسى واهدار حقوق العمال وتصريحات انصاره التى كانت تستفز المصريين, فحسب دراسات المركز المصرى للدراسات الاجتماعية والاقتصادية ارتفع سقف الاحتجاجات الاجتماعية فى شهر يوليو, حيث تجاوزت 615 احتجاج وهو ما يتجاوز اجمالى الاحتجاجات التى تمت خلال 12 شهر من عام 2010 قبل الثورة. وفى اغسطس 2012 تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة الدكتور هشام قنديل الذى استفز العمال والمصريين باكملهم بتصريحاته حول تخفيف احمال الانوار فى المنازل, و رفع اسعار انابيب الغاز وسعر الغاز والمازوت لشركات الكهرباء, مما أدي لرفع شرائح استهلاك الكهرباء مع توالي قطع التيار الكهربائي, وتطبيق الحد الادنى والخلاف عن وعده. أصدر الرئيس المعزول محمد مرسي سلسلة قوانين في 6 ديسمبر 2012برفع ضريبة المبيعات علي مجموعة من السلع الأساسية شملت زيت الطعام والعديد من السلع الأساسية, وبدلاً من صدور قانون النقابات العمالية الجديد أصدر الرئيس مرسي قرار جمهوري بالقانون رقم 97 لسنه 2012 بتعديل أحكام القانون الخاص بالنقابات العمالية ليؤكد تمسكه بالبنيان الاستبدادي المعادي للحريات النقابية، ولتبدأ مرحلة أخونة النقابات العامة والاتحاد العام والتضييق على النقابات المستقلة. لذلك جاء عقاب كل هذه القرارات وخيمه على الجماعة, وجاء رد الفعل الاحتجاجي من مختلف الطبقات الاجتماعية حيث بدأ العمال فى الاحتجاج خلال عام 2012 ليزيد عدد الاحتجاجات التي تم رصدها عن 3,817 احتجاج لتفوق الاحتجاجات التي تمت علي مدي الفترة ما 2000 و 2010 والتي لم تتجاوز 3,313 احتجاج. يعكس ذلك حجم الإحباط الذي أصاب الطبقة العاملة وكافة الطبقات الشعبية بعد عام من الثورة المصرية والذي دفعهم لاستخدام مختلف وسائل الاحتجاج للدفاع عن حقوقهم التي لم يحصلوا عليها. وحسب دراسات المركز المصرى للدراسات الاجتماعية والاقتصادية, جاء المناطق الاكثر احتجاجاً محافظة القاهرة أكبر المحافظات احتجاجا خلال عام 2012 من خلال 684 احتجاج شكلت 18% من إجمالي الاحتجاجات في جميع المحافظات, ويرجع ارتفاع عدد الاحتجاجات في القاهرة إلي المركزية الادارية ووجود كل الوزارات والهيئات وإدارات الشركات الكبرى في القاهرة وجاءت محافظة الغربية "تضم المحلة الكبرىوطنطا" في المرتبة الثانية بحوالي 282 احتجاج تشكل 7.4 % من إجمالى الاحتجاجات, وبعدها الإسكندرية 233 احتجاج تمثل 6.1 %, و الشرقية 222 احتجاج, والمنيا 212 احتجاج يليها السويس 191, والدقهلية 182 احتجاج وكفر الشيخ 161 احتجاج, كما شهدت محافظة الجيزة 86 احتجاج تمثل 2.3% من إجمالى الاحتجاجات. شهدت محافظات الدلتا 1,208 احتجاج تمثل 30.6 % من إجمالي الاحتجاجات التي شاهدتها مصر, وتعد الغربية أكثر المحافظات احتجاجا وهو ما اتضح عند التصويت علي الدستور, فقد صوت 52 % من سكان الغربية ضد الدستور الجديد و تأتي محافظاتالدقهليةوالشرقية وكفر الشيخ علي رأس المحافظات المحتجة في الدلتا, تعد محافظتي محافظات الدلتا,المنوفية ودمياط الأقل من حيث عدد الاحتجاجات. لقد فجرت ثورة 25 يناير طاقات ثورية ظلت كامنة في صفوف المصري لسنوات وخرجت مختلف الفئات الاجتماعية لتعبرعن غضبها, وقد شهد عام 2012 حدوث أكثر من 1,656 احتجاج شملت جميع محافظات مصر وللاسباب اقتصادية واجتماعية متنوعة. وقامت الطبقة العاملة خلال عام 2012 بأكثر من 1,969 احتجاج عمالى فى جميع المحافظات والقطاعات الانتاجية فى الحكومة والقطاعين الخاص والعام, وترجع أسباب الاحتجاجات العمالية إلى تحسين الاجور والمطالبة بزيادتها وصرف الحوافز والبدلات والأرباح ورفع المكافآت السنوية ووقف الفصل التعسفى وتثبيت العماله المؤقتة, وكان من ضمن الاحتجاجات.. احتجاج العمال ضد الفساد وسوء الادارة وقد مثلت هذه الاحتجاجات أكثر 36 % من الاحتجاجات العمالية. ولم يمر عام 2012 من احتجاجات موظفى الحكومة رغم سيطرة الاخوان على بعض الوزرات, فشهد القطاع الحكومى 1355 احتجاج بمتوسط 4 احتجاجات يومياً, وجاءت هذه الاحتجاجات للمطالبة تثبيت المتعاقدين بعقود مؤقتة, ومشاكل البدلات والمزايا والمكافآت, مشاكل مواجهة الفساد والنقل, الفصل التعسفي. وظلت الاحتجاجات والاعتصامات تضرب مصر حتى سقوط حكم الاخوان فى 30 يوينو, و تجددت أمال الشعب المصرى مرة أخرى بعد ان كانت خيبت أمالهم فى ظل حكم الارهابية, ولكن لم تستمر فرحة المصريين طويلاً, فارتفعت وتيرة الإضرابات العمالية لتزيد من الضغط الشعبي على الحكومة لتحقيق مطالب المواطنين، وسط اتهامات بالفشل وعدم القدرة على إدارة المرحلة الانتقالية الاستثنائية التي تشهدها البلاد، حيث اندلعت سلسلة من الاعتصامات والاحتجاجات الفئوية العمالية في تطور مفاجئ، يُنذر بمخاطر اقتصادية واجتماعية جسيمة، بالإضافة إلى تعطيل الكثير من المشروعات بسبب تعطل العمل ووقف عجلة الإنتاج في كثير من المصانع والشركات الكبرى. ففي نوفمبر الماضي اندلعت الاحتجاجات والإضرابات العمالية في كافة المحافظات للمطالبة بحقوق العمال ولم تمر سوى أشهر قليلة حتى اشتعلت الاحتجاجات مرة أخرى، فلم تتخذ الحكومة منذ توليها مسئولية إدارة البلاد أي إجراءات أو خطوات جادة في طريق تحقيق الحريات النقابية العمالية، وتطبيق الحد الأدنى للأجور, وتعديل قوانين العمل لصالح العامل المصري لحمايته. فجاءت تلك الاحتجاجات الفئوية تزامنًا مع ظروف عصيبة تمر بها البلاد مع فصيل الإسلام السياسي في مصر الممثل في جماعة الإخوان "الإرهابية" التي تقوم باستغلال الظروف المعيشية الصعبة التي يحياها المواطنون واللعب على أوتار العوز في الشارع المصري. وبدأت سلسلة الإضرابات على مدار الأيام الماضية في عدد كبير من شركات القطاع العام للمطالبة بالحد الأدنى للأجور أسوة بالجهاز الإداري بالدولة وجاء على رأس المحتجين عمال "غزل المحلة"، وتضامن معهم في مطالبهم عمال شركة طنطا للكتان وغزل شبين كما أعلنوا الإضراب لرفض الحكومة تنفيذ أحكام القضاء بعودة شركاتهم لقطاع الأعمال وتشغيلها وعودة العمال للإنتاج، وبعد أسبوعين متتاليين من الإضراب استجابت الحكومة للمطالب العمالية عقب الاتفاق الذي عقده العمال مع وزير القوى العاملة كمال أبوعيطة لتنفيذ مطالبهم لتنتهي أزمة عمال غزل المحلة. ومع تزايدت حدة الاعتصامات وارتفاع حد الاضربات ووقف الحكومة مكتوفة الايدى أمام هذا الحد, استقالت حكومة الببلاوى وقال الببلاوي أثناء تقديم استقالته للرئيس المؤقت عدلى منصور, إن حكومته عملت على إخراج مصر من النفق الضيق، مشيرا إلى أن البلاد تواجه وضعا بالغ الاختلاط وأمامها آفاق هائلة للتقدم وفي نفس الوقت مخاطر". وتابع أن الحكومة بذلت كل جهد لتجاوز الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد سواء من الناحية الأمنية والسياسية، لكنه أشار إلى أن هذا لا يمنع من وجود اختلالات ومواجهة شرسة مع طرف لا يريد لهذا البلد الخير. وهكذا سقطت حكومة الببلاوى كغيرها من الحكومات التى سابقتها وكأن الاضربات و الاحتجاجات " المسمار الاخير فى نعش كل حكومة".