الاهتمام بحقوق الشهداء وتشغيل العاطلين وتحقيق العدالة الانتقالية واستعادة هيبة الدولة، يجب ألا ينسينا الاهتمام بالأيتام سواء في دور الرعاية الاجتماعية أو خارجها، خصوصاً الأيتام المعاقين حركياً وجسمانياً من خلال توفير احتياجاتهم وتوفير سبل الرعاية اللازمة لحمايتهم حتي يسهل دمجهم في المجتمع، فرعاية المعاقين واجب وطني وديني. ويطالب خبراء اجتماع وصحة نفسية بضرورة توفير الرعاية المتكاملة للأيتام بواسطة فرق عمل متخصصة تقدم لهم التغذية والرعاية النفسية والجسدية مع التركيز علي ذوي الاحتياجات الخاصة وتوافر أمهات بديلات ذوات خبرة للتفاعل بشكل إيجابي مع الطفل المعاق وفقاً لخصوصية الإعاقة، وتنمية مهارات الموهوبين منهم حتي يسهل دمجهم في المجتمع. اهتز المجتمع مؤخراً عندما أقدم «هاني» طفل يتيم لم يتجاوز عمره 10 سنوات علي الانتحار، إثر اكتئاب نفسي، بعدما ظل يعاني في صمت من الإهمال والتجاهل والعجز والنقص واليأس في إحدي دور الرعاية الاجتماعية بالزقازيق، ناهيك عن التجاهل المجتمعي إلى أن ضاقت به السبل، وأصيب بحالة إحباط بعد قضائه 4 سنوات في الدار وقرر الانتحار شنقاً في غرفه نومه بالمؤسسة هروباً من حياته المعيشية الصعبة، على طريقة «البوعزيزي» أو العشماوية، ورغم تضارب الروايات حول الواقعة، فإن الإهمال وغياب دور الدولة هو السمة المسيطرة علي المشهد، فهو سبب كافٍ لفتح ملف الأيتام المسكوت عنه ليذكر المجتمع بحقوقهم المهدرة.. فمن حق الأيتام الحصول علي الرعاية المناسبة، وتحقيق أحلامهم، وعدم عزلهم في مؤسسات خاصة بهم بسبب فقدان الأبوين، لذا فهم بحاجة إلي الاهتمام والرعاية المتكاملة والتعامل معهم كأفراد طبيعيين لكى يشعروا بأنهم بشر ولهم حقوق ومعترف بوجودهم في المجتمع، حتي لا يتكرر انتحار «هاني» مع طفل آخر. رعاية الأيتام القليل من دور الأيتام تخصص مشاريع كبرى تتكفل بالأطفال الأيتام مادياً ومعنوياً، والدولة للأسف لم تتبن مسئولية رعاية الأيتام بشكل أكبر وأوسع من ذي قبل، فلا يزال حديثها مقصوراً على الشو الإعلامى فقط.. فنري الأضواء والكاميرات تتسلط على نجوم الفن والإعلام والسياسة وهم يتبادلون الصور التذكارية معهم.. وبعد أن تطفأ الأضواء الإعلامية يعود كل الأطفال إلى أماكنهم والباقى إلى أعمالهم، وكأن شيئاً لم يكن، ومن ثم يجب تفعيل آليات التواصل والمشاركة المجتمعية مع الأيتام من خلال إقامة احتفالات دائمة بالأيتام ليس يوماً فقط بل أسبوعياً أو شهرياً يتم فيه دراسة أحوالهم واحتياجاتهم، وتوفير سبل الرعاية اللازمة لحمايتهم والتخفيف عنهم، حتي يسهل دمجهم فى المجتمع، وهو أمر ضروري وواجب ديني.. علينا الانتباه لذلك. «علي إبراهيم» 16 عاماً، معاق حركياً وجسمانياً، ويقيم في دار ملائكة الهرم بجمعية الأورمان، حاصل علي ثاني بطولة للكاراتيه من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، يتمتع بالذكاء الفطري ونظرته مؤثرة تبحث عن الأمل، كما يعشق الرسم وعندما يرسم يعود سريعاً للعبة ال «بلاي ستيشن» التي تجمعه مع إخوته في الدار. وهناك أيضاً «مصطفي عز» 17 عاماً، وهو خجول مع الأغراب إلا أن مظاهر الفرحة تغلب علي ملامح وجهه البريئة عند رؤية الزائرين، رأيته مع إخوته يلهو ويلعب بالكرة والبيانو، وبعد انتهاء اللعب يذهب لتناول وجبة الغداء بصحبة أمهات الدار وباقي العاملين. ويقول «ياسر كمال إبراهيم» 16عاماً: «أنا بحب أتفرج علي الكرتون وكمان ألعب لعبتي المفضلة وهي كرة القدم مع إخوتي في الملجأ».. ثم سكت لثوان، وقال: «نفسي أطلع طيار». أما «إبراهيم»، فهو طفل لم يتجاوز عمره بضعة أشهر، شاهدته في حجرة الأطفال مستريحاً علي كتف الأم البديلة ولا يمل من رؤيتها، بل ينهل من حنانها الدافئ لصغر سنه فهي المخصصة لرعايته في الدار.. وعند الحديث معها عن صحة الرضيع، قالت: «حاله أفضل بكثير من وقت مجيئه للدار وهو طفل محبوب من كل العاملين في الدار». ويقول «وسام مراد»: «أنا أحب ألعب كاراتيه وأختار ألوان التلوين»، وفوجئت بطلبه الأقرب للرجاء.. عندما قال: «عاوز أشوفكم تاني.. متتأخروش علينا». أمهات بديلة إيهاب فؤاد، مدير دار ملائكة الهرم، يقول: نحن نستقبل مختلف الحالات من سن يوم إلي عام كامل، ويوجد لدينا 18 أماً بديلة قائمة علي رعاية 33 طفلاً مجهول النسب، عن طريق اتباع منظومة متكاملة للاعتناء بالتغذية والصحة النفسية والجسدية يقوم عليها فريق عمل متميز ومتخصص فى جميع المجالات، ويتم الاعتناء بالتغذية عن طريق تقديم 3 وجبات يومياً، كما يتم الاعتناء بالصحة الجسدية عن طريق طبيب متخصص يقوم بالكشف الدورى على الأطفال، ويتم الاعتناء بالصحة النفسية عن طريق إخصائى نفسى الجمعية، ونقدم الرعاية الصحية وبرامج إعادة التأهيل وبرامج التعليم الخاصة بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ويشرف عليها أساتذة للتعليم يتمتعون بالمهارات والمعرفة الحديثة حول التدريس، مع وجود أمهات بديلات ذوات خبرة للتفاعل بشكل إيجابي مع الطفل المعاق وفقاً لخصوصية الإعاقة. وتابع: قد تكون الاحتياجات الخاصة إعاقة جسدية، تنموية، سلوكية أو عاطفية، وقد تظهر في أي مرحلة من عمر الطفل، ولدينا أنواع مختلفة من الاحتياجات الخاصة، وأعراضها في الأطفال تتراوح بين الاعتدال والشدة، فمنها التوحد ومتلازمة الداون والصرع والتخلف العقلي وصعوبة التعلم والصمم وضعف السمع والعاهات البصرية وصعوبة الكلام وضعف الخطاب والشلل الدماغي وإصابات الدماغ.. فمثلاً نجد شاباً معاقاً ذهنياً يبلغ عمره 24 سنة وقدرته العقلية 4 سنوات. مساعدة المعاقين اللواء ممدوح شعبان، المنسق العام للاحتفالات، المدير العام لجمعية الأورمان، يقول: يوجد بجميع فروع الأورمان ما يزيد علي 220 أماً بديلة ترعي 200 ألف طفل من مجهولي النسب لما لها آثارها الإيجابية علي نفسية تلك الفئات.. واحتفلت الجمعية هذا العام بيوم اليتيم بعد ترتيب واتخاذ إجراءات تنظيمية وتنسيقية لذهاب الأطفال إلي الأماكن الترفيهية والملاهي والمطاعم والنوادي، وشراء الملابس الجديدة والهدايا، بهدف إدخال البهجة، وقد حضر عدد كبير من الوزراء والشخصيات العامة والفنانيين ووفد من دول عربية وممثلين عن مؤسسات عربية وإقليمية للأعمال الإنسانية، من أجل إرسال رسالة للعالم تؤكد أن مصر بريادتها الإنسانية وحضارتها التاريخية تحرص علي الحفاظ علي حقوق الطفل وأنها مازالت قادرة علي إبهار العالم بذلك. وأضاف: أنفقت الجمعية مائة مليون جنيه علي شراء أجهزة تعويضية لمساعدة الأيتام المعاقين وإجراء عمليات جراحية في القلب والعيون، بخلاف المساهمة في المشروعات التنموية لصالح أولاد الدار في ربوع مصر. الدكتور أحمد يحيي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة السويس، يري أن المشاعر الإنسانية ضرورية حتي تستمر الحياة.. فإذا فقدنا تلك المشاعر تتحول الحياة إلي نمط آلي لا قيمة ولا معني له، ومن أهم القيم الإنسانية أن نتواصل مع من فقدوا آباءهم وأمهاتهم لتعويض شعورهم بالحرمان المستمر، مما يجعل مسئولية المجتمع توفير لحظات لممارسة هذه المشاعر مثل: الأعياد والاحتفالات التي تقام لهذا الغرض، ومن أجملها وأهمها يوم اليتيم الذي احتفلنا به مؤخراً، وأتمني أن تنشر وتستمر مثل هذه اللقاءات والمناسبات لتكون يوماً كل شهر وليس يوما كل سنة، فالأيتام سواء صغاراً أو كباراً أكثر احتياجاً لمن يسري عنهم ويحنو عليهم ويشعرهم بالمحبة والتواصل، وكذلك الأم وكبار السن. الدكتور أحمد أبوالعزايم، رئيس الاتحاد العالمي السابق للصحة النفسية، يؤكد أن تقديم الرعاية الإنسانية للأطفال الأيتام، خاصة المعاقون يجب أن يكون أولي مهام الدولة باعتباره ضرورة وواجباً دينياً، ويمس بالتأكيد قضية المواطنة التي يطالب بها الجميع، مستشهداً بالآية الكريمة: «وليخش الذين لو تركوا خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله».. مضيفاً أن الأيتام يحتلون النسبة الأكبر من تلك الفئات المهمشة، الذين يتعرضون للحرمان الجسماني والعاطفي، كما أنهم يقعون فريسة للعنف والظلم والقهر، ولنتيجة فقدانهم الدعم الاجتماعي اللازم من جانب الدولة نجدهم يتحولون من ضحايا إلي مجرمين، بعدما حرموا من حنان الأبوين، مما ينتج عنه ظهور جيل يكره المجتمع. وتابع الدكتور «أبوالعزايم»: هؤلاء الأيتام يحتاجون إلي من يمسح دموعهم ويشعرهم بالآمان وإزالة العقبات وشرور الحياة، لذا يجب تذكرة أهل الخير وباقي فئات المجتمع بوجود هؤلاء الأطفال الذين يحتاجون للرعاية المتكاملة والعطف الدائم، مع توافر مهارات ومعاملة ذات خصوصية معينة عند التعامل معهم لتطوير مستويات أدائهم الذكائي والإبداعي، فهي قضية تخدش حياء المجتمع وتؤرقه اجتماعياً لكونها تشكل وصمة سيئة في جبين الوطن. وطالب بضرورة دمج فئة ذوي الإعاقة في المدارس وإلغاء الفروق التمييزية في التعامل معهم، وتوفير الأجهزة التي تمكنهم من التفاعل مع البيئة المحيطة بشكل إيجابي وفقاً لخصوصية الإعاقة، خاصة أن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاجون إلى عناية واهتمام فائقين.