مفتاح شعيب الجريمة الإرهابية التي أودت بحياة 14 جندياً جزائرياً في كمين بمنطقة تيزي وزو أكدت حجم التهديد المتربص بالجزائر، وليس رداً على انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة، مثلما يريد ذلك بعض الأصوات المحترفة في إيقاد نيران الفتن وتفجير الأوطان، فالإرهاب ليس على الجزائر بجديد، ولكنه قد يجد في السجالات الناجمة عن الانتخابات وقوداً يتزود به لارتكاب جرائم لا تقل فظاعة عما سبق . في الانتخابات الجزائرية الأخيرة التي أفضت إلى احتفاظ بوتفليقة بالرئاسة خمس سنوات أخرى حدثت خروقات وتجاوزات تم الاعتراف بها رسمياً، ولكنها لم تفسد اللعبة الديمقراطية ولم ترق إلى "التزوير الشامل"، فقد اعترفت جهات عدة بمن فيهم المتسابقون بأن الاقتراع الرئاسي جرى نسبياً وفق المعايير المعقولة، وحتى علي بن فليس الذي رفض الاعتراف بالنتيجة لم ينسحب من الحياة السياسية احتجاجاً، بل اعتبر ما حققه خطوة دعته إلى التفكير في تأسيس حزب سيعمل لاحقاً على ترجمة تطلعات الجزائر في التنمية والاستقرار وتعزيز مكتسبات ما بعد محنة سنوات الإرهاب الدامية . البحث عن الأمن وصيانة السلم الأهلي هو هاجس الجزائر وقادتها على مختلف مشاربهم، والتصويت الكثيف الذي حظي به الرئيس بوتفليقة كان تصويتاً لفائدة مشروعه أكثر منه تصويتاً لشخصه هو باعتباره متسابقاً ضمن كوكبة من المرشحين إلى قصر المرادية، ولو جرت جريمة تيزي وزو عشية الاقتراع الرئاسي لقفزت نتيجة بوتفليقة إلى أكثر من 90 في المئة من الأصوات، لأن كوابيس الإرهاب وجرائمه مازالت ماثلة في ذاكرة الأغلبية الساحقة من الجزائريين وموقظة لوعيها، مثلما تستحضر الذاكرة ذاتها الدور الذي لعبه بوتفليقة في الخروج من العشرية السوداء وتحقيق عهده إنجازات أمنية فارقة ومكاسب سياسية لم تعتصم أبداً من النقد . البعض قد يرى في إعادة انتخاب رجل يشكو من متاعب صحية مجازفة قد تأتي بتداعيات سلبية، ولكن حين يكون البلد مستهدفاً ومطمعاً لأجندات عدة تريد إلحاقه بطاحونة الفتن الدائرة في المنطقة، يصبح التعلق بالرموز أمراً لا مراء فيه، وعندها لن تخضع الرغبة في التغيير إلى مقايضة الواقع بالمجهول . وبالنسبة إلى الجزائريين فلديهم أكثر من عبرة في هذا السياق، وإذا كانت ذاكرتهم الوطنية تحتفظ بتجربة، ففي الواقع الإقليمي هناك أكثر من تجربة ودليل، ويكفي الحال الليبية عبرة لمن يريد أن يعتبر في هذا الزمن الأغبر . ورغم ما تحقق للجزائر من تقدم في محاربة الإرهاب والتطرف لم تخرج بعد من دائرة تهديده . وقلما يمر يوم من دون أنباء عن مواجهة مع إرهابيين أو سقوط ضحايا من أجهزة الأمن والجيش أو مصادرة أسلحة ومخدرات، وهذا يعني أن الإرهاب مستمر في مشروعه، وإذا كانت الجزائر قبل 20 عاماً هي وحدها من تجرع ويلات الإرهاب، ها هي المنطقة كلها تتلظى من لسعاته وتتجند لمقاومته . والتصدي لهذه الآفة ومكافحتها لا يقل شرفاً عن حروب التحرير ضد الاستعمار، وربما قدر الجزائر أن تكون لها في الحالين منزلة لا تقبل المساومة . نقلا عن صحيفة الخليج