يثار كل عام وخاصة فى مصر، جدل كبير بين علماء المسلمين حول حكم تهنئة المسيحيين بأعيادهم؛ إذ ينقسم الناس إلى فريقين مؤيد ومعارض، ولكل رأيه وقوله. أكد الشيخ سعد الفقى وكيل وزارة أوقاف كفر الشيخ أن الإسلام لا يمنع تهنئة الأقباط فى أعيادهم، بل يرى أنه من البر تهنئتهم فى أفراحهم ومواساتهم فى أتراحهم، عملاً بقول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُم اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُم فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُم أَن تَبرّوهُم وَتُقْسِطُوا إلَيْهِم إنَّ اللهَ يُحِبّ المُقْسِطِين}، مشيرًا إلى أن اختلافنا معهم فى عقيدتهم لا يمنعنا من البر إليهم والإحسان. وقال الفقى: لا يوجد نص شرعى يحول دون تهنئة الأقباط بأعيادهم، وإذا كانوا هم يهنئوننا بأعيادنا رغم أنهم لا يؤمنون بها، فما الذى يضيرنا إذا بادلناهم التهنئة فى أعيادهم. ويستنكر الفقى الرأى الذى يحرم تهنئة المسيحيين، فى الوقت الذى أباح لنا الإسلام الزواج منهم، وهل من العقل أو المنطق أن يرفض الرجل المسلم تهنئة زوجته المسيحية فى مثل هذه المناسبات، فالمسلم منوط به أن يوصلها الى دار عبادتها، فهو مأمور شرعًا بحمايتها. ويضيف الفقى أنه من المؤسف أن مثل هذه الدعاوى ممن يفتقدون لغة المنطق وليسوا أهلاً للفتيا تصيب مبدأ المواطنة الذى نحرص جميعًا على ترسيخه فى مقتل، وأولى بهم أن يبحثوا فى الفروض ودعونا من الفروع التى أغرقونا فيها حتى صرنا أضحوكة أمام العالم، فالإسلام دين الرحمة، وأولى بنا جميعًا أن نتراحم نحن أبناء الوطن الواحد. من جانبه قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) احتفل بنجاة سيدنا موسى، لافتا إلى أن ما يثار حاليا عن تهنئة الأقباط جهل بالدين الإسلامى. واعتبر كريمة، أن من يفتون بتحريم تهنئة الأقباط فى أعيادهم «معتل الفكر ولديهم غلظة فى قلوبهم وما يريدون إلا الفتنة وجهلة بالدين الإسلامى» . واستشهد كريمة، كلامه بآيات من القران الكريم «فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم» وقال أيضا {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} معتبرا الأقباط شركاء فى الوطن لهم حقوق وعليهم واجبات. وأختتم كريمة كلامه موجها تهنئته للأقباط وبعيدهم داعيا الله عز وجل ان يحفظ مصر من جهل بعض الاسلاميين وغلظة قلوبهم .. و أكد الدكتور بكر عوض عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أن الدين الإسلامى أمرنا بالعدل مع الأقباط، ومن العدل تهنئتهم فى أعيادهم بتحية أفضل من تحيتهم لنا، وهذا ليس إقرار لدينهم وشعائرهم، ولكنه فقط واجب اجتماعي، على حد تعبيره. وأضاف أن على الزاعمين بعدم تهنئة الأقباط بأعيادهم، إعلان ما أستندوا له من آيات قرآنية، ومن أحاديث شريفة فى هذا القرار، مُشيراً إلى أن الإسلام أوصى بالحب والتآلف والسلام، ولا يجب الاستماع لهذه الفتاوى التى تزيد الاحتقان الداخلى. و قالت الدكتورة أمنة نصير العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، إنه يجب على المسلم أن يهنئ جاره القبطى فى أعياده الرسمية متسائلة ما المانع من أن يهنئه فمن غير المعقول أن يتزوج المسلم من القبطية وألا يهنئها بأعيادها، ومن غير المعقول أن يلتحم الدم بالعظام وينتج من ذلك أبناء من خلال الزواج بين المسلم والقبطية، وأن يحرم بعض الأشخاص تهنئة الاقباط بأعيادهم فمن حكم الشرعى يجوز أن يهنئ المسلم أخاه القبطي. وأوضحت العميدة السابقة بجامعة الأزهر أنه من ناحية البعد الإنسانى والنفسى فلابد أن يكون هناك ود ومحبة بين الأقباط والمسلمين، فالإسلام اهتم اهتمامًا شديدًا بالعلاقات الإنسانية وقد ذكر الله، عز وجل، فى كتابه الكريم: {ولقد كرمنا بنى آدم} فهنا وجه الله، عز وجل، كلامه لبنى آدم جميعًا لم يفرق بين المسلم أو المسيحى أو اليهودي، هنا الخطاب كان موجهًا للجميع البشر فعندما يكون جارى مسيحياً أنا أهتم أن أهنئه فى عيده. وأضافت نصير، يجب على أصحاب المقالات والآراء الهدامة التى تحاول أن تقضى على سماحة الإسلام أن يتعلموا أخلاق الإسلام الحقيقية والتى أوصى بها الرسول، عليه الصلاة والسلام، وجاء هذا فى الحديث الشريف «مازال جبريل يوصنى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» أن يهتم بجاره حتى لو كان من غير ملته وعقيدته. و قال الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الشريف السابق: ما المانع من تهنئة الأقباط بعيدهم فعلى مر الزمان والمجتمع المصرى فى لحمة واحدة لا فرق بين المسلم والقبطى وطوال الفترات الماضية المسلم يهنئ القبطى والقبطى أيضا يهنئ المسلم فى الأعياد وقال الله تعالى فى كتابه العزيز {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}، فالآية واضحة هنا بأنه لا يوجد مانع من المعاملة الحسنة بين المسلمين والإخوة الأقباط. وأشار إلى أن الإسلام أباح لنا أن نتزوج من الأقباط فكيف لا نهنئهم بأعيادهم {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}. أشار عاشور إلى إن من يقول لا يجوز أن نهنئ الأخوة الأقباط بأعيادهم لا يعلم من الدين شيئًا ويقول تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين} والأقباط لا يقاتلوننا فى الدين بل على العكس يقاتلون معنا أعداء الله وأعداء الوطن ويبنون معنا البلاد، لأنها تخص الجميع، لافتًا إلى أن الإسلام يحث على المحبة وعلى التسامح، والرسالات السماوية لم تنه عن المعاملة بين أبناء العقيدة والملة الأخرى.