وكأننا انتهينا من حل كل مشاكلنا.. ولم يعد لدينا إلا قانون التظاهر.. أحزاب وقوى ثورية، تضم رموزًا وقامات كنا - ومازلنا - ننتظر منهم كل الخير، لكنهم أوشكوا على اصابتنا بخيبة الأمل والشكوك فيما إذا كانوا حقًا يدركون خطورة ما يمر به الوطن من ظروف حرجة وعصيبة تقتضى الوعى بأولويات العمل من أجل مواجهة تلك المؤامرة الخارجية الشيطانية التى تكشفت كل خيوطها، ولم يعد خافيًا على كل ذى بصر وبصيرة من هى أطراف هذه المؤامرة؟ وما هى أهدافهم الخبيثة؟ ولمصلحة من يتآمرون؟ مصر على أعتاب استحقاق مهم وكبير، لانتخاب رئيس للبلاد تنفيذًا لخريطة المستقبل التى ساهمت فى رسمها كل الأحزاب والقوى الثورية.. وتجرى هذه الانتخابات وسط حقول من ألغام الإرهاب التى يريد زارعوها الانقضاض من جديد على رقاب العباد لتقييدها بأغلال الجهل والتسلط باسم الدين، بينما الدين مما يفعلون برىء.. وللأسف فإن هذه القوى والأحزاب تفرغت وكرست كل جهودها لمعركة خاسرة وصغيرة لاسقاط قانون التظاهر الذى صدر وأصبح واقعًا ودخل حيز التنفيذ بموافقة ومباركة من قوى وأحزاب كبرى فى المجتمع، وبعد حوار ساهم فيه الجميع وانتهى إلى اقرار الغالبية بمضمونه.. لكن هؤلاء ممن يفترض فيهم الوعى السياسى الكافى، ووطنيتهم ليست محل شك أو انتقاص نراهم وكأنهم يعتبرون فعل التظاهر فى حد ذاته أهم من مصير وطن يتهدده استغلال جماعات وتنظيمات مارقة لهذا الحق - التظاهر - باعتباره وسيلة ديمقراطية للتعبير عن الرأى، ليمارسوا به الإرهاب الفكرى والعنصرى والطائفى والدينى ضد الشعب الذى انكوى بنيران حكمهم الظلامى عامًا كاملاً، كدنا نصل فيه إلى درجة اليأس من أن هناك بريق أمل يمكن أن يقودنا إلى طريق الخلاص من مستنقع الاستبداد الإخوانى، لولا وقفة الشعب التاريخية العظيمة فى 30 يونية الذى خرج فارضًا إرادته لتصحيح المسار واستعادة الثورة من مختطفيها، تلك الوقفة التى ما كان ليكتب لها النجاح لو لم يحمها الجيش والشرطة اللذان التف حولهما الشعب من جديد، ومنحهما ثقته، وهما جديران بها طالما حافظا على العهد والوعد بحماية مكتسبات الثورة وتحقيق أهدافها. يزعجهم ويثير غضبهم - ويزعجنا نحن أيضا - محاكمة البعض من الشباب الذين نحسبهم ثوارًا وطنيين سطروا بجهدهم وعرقهم ودمائهم تاريخ الثورة.. لكن يزعجنا أيضًا أن يظهر هؤلاء الشباب بهذا الحجم من ضيق الأفق والرعونة لدرجة التحدى العمدى والمستفز لهيبة الدولة، والاصرار على التظاهر دون اعتبار أو احترام للقانون الذى جاء لينظم ولا يمنع هذا الحق أسوة بما يحدث فى أعرق وأعتى الدول فى الديمقراطية والحريات. والحقيقة أنهم هم الذين وضعوا أنفسهم فى هذا المأزق بمخالفتهم للقانون، وهم الذين سيدفعون وحدهم ثمن هذه المخالفة. ولا أرى فى هذا الموقف المحير من جانب هؤلاء الشباب، إلا تعبيرا عن محنة حقيقية، تتمثل فى استغراقهم فى «يوتوبيا الحالة الثورية» التى أعجزتهم عن تحديد معالم طريقهم.. نسألهم ببساطة ماذا تريدون حقًا الآن؟ وما الذى نستطيع فعلاً أن نحققه مما تريدون فى خضم تلك الأمواج العاتية التى تلاطم سفينة الوطن؟ أنتم تريدون ديمقراطية لا تأتى بالإخوان الإرهابيين ومن على شاكلتهم إلى الحكم من خلال الصناديق الانتخابية، بينما أنتم ونحن وهذه حقيقة مؤسفة، غير قادرين كقوى مدنية على تقديم البديل المقنع للشعب الذى لم يصل بعد - وهذا للأسف أيضا - إلى درجة كافية من النضوج السياسى والديمقراطى تؤهله للاختيار الصحيح، خاصة فى ظل الخلل الهيكلى الذى تعانى منه معظم التنظيمات السياسية المدنية لأسباب يطول شرحها ولا محل هنا للإسهاب فى عرضها. نقولها بصراحة وصدق.. هذا هو وضعنا الحقيقى الذى يجب أن نعيه بموضوعية وشجاعة إذا كنا جادين فعلاً فى سعينا لتغييره.. وغير ذلك لن يكون أكثر من حرث فى الماء أو مبارزة مع طواحين الهواء. أفيقوا يرحمكم الله.. فليست بالمظاهرات فقط تحيا الأوطان.