إذا أردت أن تعرف مستقبل وطن فانظر إلى حال المرأة فيه. إن كانت بخير فابتسم، فالغد أجمل، وإن كانت غير ذلك فاستعد لخوض معارك لا حصر لها مع القبح والجمود والتخلف، واعلم أن الأمة الناهضة تعرف قدر نسائها وتمنحهم الاحترام الواجب والتقدير المستحق. أكتب لكم ذلك وظاهرة التحٌرش تطفح فى شوارعنا، لا فتاة تسير وحدها آمنة أو مطمئنة، لا امرأة تلبس ما تريد وقتما تريد وتتحرك بحرية فى ظل عيون متلصصة، وعقول مغلقة.. أى أيام سوداء عصفت ببلادنا فأعادتها قروناً من الزمن صارت فيه كل امرأة مُتهمة، وكل أنثى مطمعاً!.. أى بداوة مستوردة هبطت على سماواتنا فخنقت الذوق والتحضر واللياقة، وبثت التعصب والتطرف والشك الدائم!.. أى حيوانية طافحة انسلّت فى دواخلنا كفيروس صحراوى مقيت فخلع عنا جمالنا التاريخى وأصالتنا الأبدية! يزعجنى هذا التحيز ضد تاء التأنيث، تلك الكراهية المُعلنة التى تُخفى ولَه عارم، تقلقنى تصرفات الصبية تجاه النساء فى المواصلات العامة، فى أماكن العمل، فى الهيئات الخدمية، فى الجامعات وأماكن الدراسة، وفى الشوارع والميادين، تمتد الأيدى وتعبث بأجساد حرة لا لشىء سوى أن صاحبات تلك الأجساد ولدن نساء، تنطلق البذاءات وتخلع الكلمات ثياب العفة والأدب والبراءة والنقاء. ما هذه مصرٌ، فمصر تغولت فى الزمن المباركى المُغرق فى الفساد والبداوة والتردى، وصارت صوتاً نشازاً بين الأمم فى الأخلاق والسلوك، علينا أن نعترف بأننا فى حاجة لإعادة تأهيل وتعريف للمبادئ والقيم علينا أن نقر بأننا لسنا أصحاب أعظم حضارة، وإنما كنا وأن الماضى ما سمى ماضيا إلا لمُضيه، وعلينا أن نعلم أننا لسنا خير أمة أخرجت للناس، لأن الخيرية هى خيرية المعاملات قبل أى شىء. لمرة أخرى وأخرى أقول لكم: المجد للنساء.. كلما زادت مشاركة المرأة كلما تراجع القبح، واتسع التحضر، وتجدد الأمل فى وطن يستعيد نقاءه وصفاءه وجينات عظمته، ومتى أطلت الضفائر على بلادى أطل الخير، والظل، والسلامة.. يسقط المجتمع الذكورى، والفكر الذكورى، والأدب الذكورى، والفن الذكورى، والعمل الذكورى. التحرش قُبح، وكراهية النساء حقارة، والنظر لكل امرأة باعتبارها فتنة تخلف لا يليق أبداً بمصر أم الدنيا ومرشدة البشرية.. ماذا جرى؟.. وكيف؟.. ولمَ؟ يقول جورج ضرغام فى حزن: «أريد أن أرحل عن بلدى/ عن اسمى/ عن حرفى الساكن فيها/ هناك على جملة فعلية أكثر حدوثاً/ على العشب والسرير.. أريد أن أرحل فقد خدعنا الشعراء والسياسيون/ ملعونة السياسة/ ومانشتات الصحف اليومية/ ولجان تقصى الحقائق/ ملعون التصويت لغير امرأة تجيد الشعر».. والله أعلم.