العمل أولويات. وهناك ما يُعرف ب «فقه الأولويات» الذى من المفترض أن تنتهجه السلطة الحاكمة فى ترتيب ملفات العمل الوطنى الأهم ثم الأقل أهمية وهكذا. القدرات محدودة، والزمن قاسٍ، والمطالب مرتفعة، والعمل يحتاج إلى ترتيب دائم. فجأة قفز حظر «المواقع الإباحية على الإنترنت» على قمة أولويات هذه الأمة. حملة ضد مفاسد ومعاصٍ متحركة تغزو الحاسبات الآلية، وتقذف حمائم الشهوة التى تلهب خيال الشباب الجريح. بالتأكيد المناظر الإباحية قبح، وتحويل الإنسان -رجلاً وامرأة- إلى كائن مستهلك وخاضع للاستهلاك بعد أن تحول عملياً إلى «سلعة» هو قبح أيضاً. ورغم أن الإنترنت به الكثير من محركات الشهوة والفتن والبغضاء، إلا أن نفراً من مواطنينا لم ير فيه سوى المعاصى الجنسية ونسى أن به مساجلات دينية تحض على كراهية، وتشهيراً بأبرياء تُنتهك خصوصياتهم، كل ذلك كان موضوع مبادرة طُرحت قبل الثورة بأسابيع تحت عنوان «إنترنت بلا فتنة» كان فيها مشايخ ومواقع إلكترونية وشخصيات عامة لكنها ما لبثت أن اختفت فتنة الكلام والمساجلات والغضب والتشهير، وانتهى الأمر إلى أن أزمة الإنترنت فى المواقع الإباحية. نعم هذه المواقع تعبر عن قبح ذميم، ولكن القمامة فى الشارع التى تؤلم العين وتزكم الأنوف تعبر هى الأخرى عن قبح. مشاهد العاطلين على المقاهى هى قبح اجتماعى. العنف فى الشوارع والمشاجرات التى تشهد استخدام كل أنواع البذاءات من شتائم وحتى أسلحة نارية هى فى ذاتها قبح. التحرش الجنسى بالنساء فى الشارع هو قبح، الغش التجارى قبح، التلاعب فى الأسعار قبح.. إلخ. كل هذه المظاهر التى ذكرتها القبح فيها إجبارى وليس اختيارياً. لا يملك المواطن أن يفلت منه أو يتحاشاه. قبح مفروض على المواطن لا يملك سوى الهامش المحدود للتعامل معه. قبح الإنترنت اختيارى وليس إجبارياً. يحتاج إلى شخص لديه كمبيوتر، وإنترنت بسرعة عالية، وغرف خاصة مغلقة حتى يستطيع مشاهدة فيلم إباحى، ليس كل مواطن قادراً على ذلك، وهى مسألة اختيار وإمكانية ورغبة. أما القبح المفروض فهو إجبارى يؤذى المواطن رغماً عن إرادته يكاد لا يفرق بين مواطن وآخر الكل فى المعاناة من القبح سواء. الأفاضل الذين يرون فى المواقع الإباحية الخطر الأساسى عليهم أن يتطلعوا بأبصارهم لما يجرى فى المجتمع المصرى ليعرفوا مكامن الخطر الحقيقى المتمثل فى تحول الدين إلى شكل عند الناس بعيداً عن مضمون التدين ذاته، رغم أننى لا أقبل الإباحية الإلكترونية من منطلق فلسفى يرفض استهلاك الكيان الإنسانى وتحويله إلى سلعة. المطلوب أولاً ترتيب أولويات القبح من إزالة المفروض منه ثم فتح المجال للتعامل مع القبح الاختيارى. كفى اهتماماً بالشكل على حساب المضمون. وكفى ادعاءً بالتطهر أمام الناس بينما البيت من الداخل يحتاج إلى تطهير.