وهل ننسي كيف صدرت جريدة الوفد في 22 مارس 1984؟.. إنها ذكريات راسخة في العقل.. ثابتة في الوجدان .. ولكن ربما بسبب ما نعيشه الآن من أحداث، ينسي البعض كيف ولدت جريدة الوفد.. ولا كيف خرجت عملاقة ومن العدد الأول.. ولكن قبل أن تصدر، كانت هناك جلسات وجلسات لهذا الصدور.. البداية، كانت عندما رشح أستاذنا مصطفي أمين، الأخ العزيز مصطفي شردي وكان وقتها مديراً لتحرير مجلة آخر ساعة، لكي يصبح رئيساً لتحرير الوفد، وكان ذلك في ديسمبر 1983.. أقول رشح استاذنا مصطفي بك لرئيس حزب الوفد فؤاد باشا سراج الدين ليصبح رئيساً لتحرير الوفد.. وأخبرني الصديق الغالي مصطفي شردي أن مصطفي أمين قال له: عليك باثنين يجب أن يعملا معك هما عباس الطرابيلي وجمال بدوي، ليكونا معك في هذه المهمة الجديدة.. بعد أن اختارنا مصطفي شردي للعمل معه في إصدار أول صحيفة يومية في أبوظبي هي «الاتحاد» .. وكان ذلك في نوفمبر 1971.. المهم ذهبنا - نحن الثلاثة - لنقابل فؤاد باشا، وفوجئنا برد فعله.. قال لنا بالحرف الواحد: أنتم مازلتم صغاراً في السن.. وأمامي عدة أسماء لكي أرشح أحدهم رئيساً للجريدة.. منهم: أحمد أبوالفتح، وجلال الدين الحمامصي، وعبدالحميد الإسلامبولي، وكلهم أساتذة كبار ولهم - أيضاً تجارب عظيمة في إصدار العديد من الصحف، قبل ثورة يوليو 1952.. وكأن أستاذنا مصطفي أمين يعرف ما يدور في عقل فؤاد باشا.. إذ رن جرس التليفون في قصره بجاردن سيتي وقال له مصطفي أمين أرجوك، لا تتسرع في قرارك، فقط استمع إليهم.. وسوف تري.. وبالفعل تحدثنا طويلاً.. شرحنا أفكارنا.. قدمنا تجربتنا.. وفجأة وجدنا فؤاد باشا يبتسم ويقول: علي خيرة الله، أنا موافق، ابدأوا!! هنا قلت للباشا.. ولكن لي شرطاً!! وتعجب الباشا.. ولكنه لم يرد، فقط قال: استمر.. قلت أسأله: كم من مساحة الجريدة تريدنا أن نخصصه لأخبار وقضايا الشعب والوطن.. وكم من مساحتها يخصص لأخبار الحزب وقيادته؟.. وكعادته لم يخبرنا، ولكنه ألقي بالكرة في ملعبنا، قال لنا: أنت.. كم تقترح؟ رددت: 90٪ من المساحة لقضايا الوطن و10٪ لأخبار الحزب؟ هنا دق الباشا بيده بعنف لم نره من قبل، وقال: ده كلام فاضي.. وتخيلت الباشا يريدها 50٪ لقضايا الشعب و50٪ لأخبار الحزب.. ولكنه أردف بشدة وحزم.. بل 99٪ لقضايا الوطن ومشاكله.. و1٪ فقط لأخبار الحزب.. هنا قلت للباشا - رحمه الله - ونحن نوافق علي هذه النسبة.. نحن نريدها جريدة شعبية تعبر عن قضايا الوطن.. ولا نريدها مجرد «لسان حال حزب الوفد».. وابتسمنا، وأنا أقول: عند ذلك نقبل العمل مع معاليكم وكانت البداية.. وأتذكر - في نفس الجلسة - أن ابتسم لنا الباشا وهو يقول: أريد أن يتعاون معكم صحفي ممتاز يعمل في جريدة الأحرار، كان هو الوحيد الذي يحرص علي نشر اخبار نشاط حزب الوفد.. هو سعيد عبدالخالق.. وهناك أيضاً صحفي شاب ابن صحفي عظيم له تاريخ هو «ابني» محمد عبدالقدوس نجل الصحفي الكبير إحسان عبدالقدوس، فقد كان زميلي في المعتقل الذي اعتقلنا فيه الرئيس أنور السادات، في اعتقالات سبتمبر الشهيرة.. وهكذا بدأنا نحن «الخمسة» مشوار إصدار «الوفد» وكان معنا صحفي عزيز - أمد الله في عمره- هو الصديق العزيز حازم هاشم.. أي كان الستة هم الكتيبة الأولي التي تولت الإعداد لإصدار الوفد.. وكنا نعقد اجتماعاتنا في أول مقر لحزب الوفد - وهو أحد فيلات عائلة بدراوي بجوار مبني محافظة الجيزة. ثم امتدت اجتماعاتنا - من قصر الباشا في جاردن سيتي وبالذات في غرفة الطعام الشهيرة - إلي شقة في عمارة تحت الانشاء بميدان الحجاز بمنطقة المهندسين يمتلكها الوفدي القديم عدلي المولد صاحب جريدة صوت الأمة التي كان يصدرها قبل يوليو 1952.. وهنا أتذكر أن أول صحفي خارج هؤلاء يعمل بالوفد هو العزيز مجدي سرحان الذي كان يزورني بمكتبي في اخبار اليوم وكان حديث التخرج.. بحثاً عن عمل في بلاط صاحبة الجلالة.. وانطلقنا نبحث عمن يقبل أن يضحي بموقعه ليعمل في صحيفة تحت الانشاء وكان في مقدمة هؤلاء الراحل مجدي مهنا.. ومعنا صحفي مصور واحد أمد الله في عمره هو الصديق العزيز عبدالوهاب السهيتي. تلك كانت البداية.. التي نجحنا في إصدار عددها الأول يوم الخميس 22 مارس 1984.. وكانت هي الميلاد الحقيقي لجريدة الوفد الاسبوعية، التي قفز توزيعها سريعاً إلي 800 ألف نسخة من العدد الواحد.. وكان يحول كلماتنا إلي صفحات الصديق العزيز عبدالنبي عبدالباري أبرع سكرتير تحرير في مصر أيامها.. وكانت أيام!!