ساهمت في إصدار العديد من الصحف، داخل مصر وخارجها، ولكنني لا أنسي أبداً كيف أصدرنا جريدة الوفد.. ولا كيف رشح استاذنا مصطفي أمين الصديق العزيز مصطفي شردي رئيساً لتحريرها.. وكيف نصحه بأن يختارني - ومعي - العزيز جمال بدوي لنكون ميمنة قوة الوفد وعن يساره.. ولن أنسي لقاءنا الأول مع الزعيم الراحل فؤاد باشا سراج الدين، في المقر الأول المؤقت لحزب الوفد المجاور لمقر محافظة الجيزة.. ثم توالت اللقاءات في قصر الباشا في جاردن سيتي.. وهناك طلب الباشا منا أن نستعين بالزميل سعيد عبد الخالق لأنه كان ينشر أخبار حزب الوفد في جريدة الأحرار التي كان يعمل بها.. وشهدت شقة - في عمارة تحت التشطيب بميدان الحجاز بالمهندسين ملك للوفدي القديم عدلي المولد صاحب جريدة صوت الأمة الوفدية قبل ثورة يوليو - أقول شهدت هذه الشقة مع غرفة المائدة في قصر الباشا اجتماعاتنا الأولي ونحن نضع اللمسات الأولي لجريدة الوفد، التي تقرر أن تصدر أسبوعياً في مرحلتها الأولي، ومازلت أحتفظ في بيتي بكل هذه المخططات لهذه الاجتماعات التي حددت ملامح تلك الصحيفة التي هزت عرش السلطان ودكت أركان الفساد.. وسلطت الأضواء علي حقيقة ما يجري في مصر. كنا كتيبة فدائية صغيرة العدد.. أتذكر منها العزيز عبد النبي عبد الباري الذي تولي الأعمال الفنية سكرتيراً للتحرير وسعيد عبد الخالق الذي تولي الجانب الإخباري وأعمال الديسك والمراجعة وحازم هاشم.. وتوليت أنا مسئولية جانب التحقيقات الصحفية والدراسات بجانب المسئولية المالية والإدارية واختيار الصحفيين المتعاونين معنا.. وكان معنا - من اليوم الأول - الزميل مجدي سرحان رئيس التحرير التنفيذي الحالي للوفد، واستعنا بعدد محدود من أفضل صحفيي الصحف القومية وكان منهم الراحل مجدي مهنا، كنا نقول لهم إنهم يجدون أخباراً هامة لن تنشرها صحفهم الحكومية هذه.. ولكنها ما نحتاجه.. وكان العدد محدوداً للغاية.. والميزانية محدودة.. وكان معنا العزيز عبد الوهاب السهيتي مصوراً وحيداً للجريدة!! وكنا نعد الصفحات ونجمعها في مطابع أخبار اليوم.. ثم ننطلق إلي مطابع دار التعاون علي طريق حلوان الزراعي حيث تطبع هناك.. ثم تحملها سيارات توزيع الأخبار إلي مختلف مدن مصر.. إلي أن خاننا مدير أمن دار التعاون وأبلغ السلطان عن فحوي المانشيت الرئيسي.. وهنا قررنا ترك مطبعة التعاون ولجأنا إلي لجنة تحكيم لننجو من غرامة فسخ العقد.. وكان السبب مانشيت الوفد عن سرقة أحراز قضية تنظيم الجهاد الشهيرة، فصادرت الحكومة العدد الرابع هذا .. ولن أنسي كيف طلبني العزيز مصطفي شردي فجراً بعد مصادرة العدد.. فانطلقت إلي مقر الجريدة بالمهندسين وجمعت كل صور بروفات الصفحات وأخفيتها تحت ملابسي وحول وسطي تحسباً لقيام «الأمن» باقتحام الجريدة وسرقتها حتي يمنع صدور العدد.. حتي لو قررت المحكمة الإفراج عن العمل فيلجأ الأمن إلي إتلاف نسخ العدد.. وفضحنا الحكومة وكشفنا الأمن.. ونزلنا إلي الجماهير.. وكانت هذه العملية الخسيسة من الحكومة جواز المرور لانطلاق جريدة الوفد.. وشجعنا ذلك علي العمل بجرأة أكبر وتحولت الوفد إلي جرس إنذار بحجم سماء مصر كلها بهدف إيقاظ الأمة المصرية وأصبحت «الوفد» هي لسان الأمة الأمين الذي يعبر عن آلام الشعب.. يكشف أخطاء الحكومة.. ومساوئ النظام في عصر كان غيرنا يخشي حتي أن يتكلم.. نقول ذلك لأن الوفد - حزباً وصحيفة - كانت هي الصوت الأعلي.. المعارض للنظام.. المقاوم للفساد بينما كان غيرنا يغط في نومه.. أو يعمل تحت الأرض.. أما نحن ولأننا حزب الليبرالية الوحيد أيامها فكانت جريدتنا هي الصوت الوحيد المعبر.. وها هي صفحات الوفد موجودة.. تروي تلك المعارضة الشرسة والنظيفة لنظام كان يحاربنا بكل شراسة.. في زمن كان من يستأسد «الآن» لا يجرؤ علي الكلام.. وهذه صحفيتنا تؤكد ما قدمناه لشعب مصر.. بل تكشف ما لم يقدمه الذين يتحكمون فينا الآن.. وشتان بين هذا وذاك.. تلك هي صحفيتنا التي تدخل اليوم عامها الثلاثين..