عقود طويلة مرت سيطرت فيها جماعة الإخوان المسلمين التى أعلنتها حكومة الببلاوى المستقيلة جماعة إرهابية على النقابات المهنية فى مصر لم تتهاون خلالها فى نهب أموال النقابة لخدمة أغراضها السياسية البعيدة كلياً عن العمل النقابى. وعلى الرغم من وصول تلك الجماعة إلى منصب النقيب ومجلسه عن طريق الانتخابات، إلا أن أعضاء النقابة غير المنتمين للإخوان والمحسوبين على التيار المدنى أعلنوا مناهضة المجالس الإخوانية والتصدى لممارساتهم داخل النقابات. فلم تفلح محاولات التيارات المدنية للنقابات لعقود طويلة، حيث نجحت فيها «الإرهابية» فى تكميم أفواه تلك التيار، وتمكنت من السير قدماً نحو تحقيق أهدافها المنشودة بتسخير صناديق النقابات فى الإنفاق على عمل الجماعة السرى إبان حكم الرئيس المخلوع مبارك. ومع قيام ثورة يناير قبل ثلاث سنوات، انتعش تنظيم «الإرهابية» ليطفو على السطح السياسى وسيطر على مقاليد البلاد رسمياً، دون الحاجة إلى العمل السرى الذى اعتادت عليه فى عصر مبارك. فكان مشهد استحواذ الإخوان على النقابات المهنية أكثر وضوحاً، ولم يخف أعضاء النقابات انتماءاتهم الإخوانية عن العامة، وهو الأمر الذى نجحت فيه فى العصور البائدة. إلا أن هذا المشهد لم يدم طويلاً فسرعان ما لفظ المصريون ذلك الفصيل الخائن للدين وللوطن والشعب. ولم ينس الجميع انقلاب المشهد النقابى رأساً على عقب بعد اندلاع ثورة 30 يونية من العام الماضى، التى أطاحت بحكم الإخوان، وبالتالى أضعفت وضعهم داخل جميع النقابات بعد أن عادت من جديد جماعة محظورة ومن ثم إرهابية.. فاستطاع عدد من النقابات من التخلص من إخوانها عن طريق الانتخابات التى تصادف موعدها بعد الثورة ببضعة أشهر، وتمكنت أخرى بعقد جمعية عمومية طارئة صوت خلالها على سحب الثقة من النقيب ومجلسه الإخوانى.. وفيما تصارع عدد آخر الوقت للحاق بسباق نفض الإخوان من مجالسها. نقابة الأطباء وكانت نقابة الأطباء هى أولى ورقات التوت التى سقطت لتزعزع تربع جماعة الإخوان على عرش النقابات المهنية. فبعد سيطرة الإخوان على «الأطباء» منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضى، استطاعت «30 يونية» أن تخط شهادة وفاة الإخوان على عرش النقابات بانتخابات التجديد النصفى لمجلس نقابة الأطباء فى 13 ديسمبر الماضى. فعلى الرغم من توغل تلك الجماعة داخل النقابات المهنية لسنوات طويلة تقدر بالعقود سيطرت خلالها على مجلس النقابة ومخصصاته المالية، التى خدمت بشكل كبير نشاطات الجماعة السرية. وكانت أبرز الموارد المالية المنهوبة هى أموال لجنة الإغاثة، بشهادة الشهود من نشطاء «الأطباء» الذين لم تقف الرغبة الإخوانية لنهش مخصصات النقابة المالية أمام ثورة هؤلاء، الذين يعتبر صوتهم حفنة بالنسبة لجحافل الإخوان داخل النقابة. ولهثاً وراء الأموال أصر نقابيو الإخوان بالأطباء على بسط سيطرتهم على منصب أمين صندوق النقابة بالإضافة إلى رئيس لجنة الإغاثة، باعتبارهما «الدجاجة التى تبيض الذهب» للجماعة التى لا تبحث سوى عن تحقيق مصالحها الشخصية، وإن كانت على حساب أعضاء النقابة والملف الطبى للدولة. كما أن الجدير بالذكر استمرار سيطرة الموظفين المنتمين فكرياً لجماعة الإخوان فى عدد من إدارات النقابة حتى الآن، ويرجع ذلك منذ عدة عقود بعد تولى الجماعة لشئون النقابة، وأرجع عدد من النقابيين ذلك إلى رغبة الإخوان فى إحكام السيطرة على جميع الشئون داخل «الأطباء». وفيما جاءت انتخابات التجديد النصفى لمجلس النقابة فى شهر ديسمبر من العام الماضى، لتكون أولى شرارات تطهير النقابات المهنية فى مصر من أذناب الجماعة، بعد أن اكتسح تيار الاستقلال للمرة للأولى منذ عام 82 ليحصد العدد الأكبر من مقاعد مجلس النقابة العامة، لتصل نسبة تمثيل التيار 15 عضواً فى مقابل 9 أعضاء فقط لتيار الإخوان المسلمين، وبالتالى أصبح من حق «الاستقلال» إعادة تشكيل المجلس واللجان النقابة الفرعية والتى سقطت هذه المرة فى جعبة التيار المدنى بالنقابة. فكانت مشكلة تيار الإخوان المسلمين داخل نقابة الأطباء، استغلال النقابة فى العمل السياسى بعد إحكام نظام مبارك قبضته على عمل الإخوان فى الشارع، وبالتالى تسييس النقابة واستغلال مقدراتها المالية كانا الحل الأمثل لتلك الجماعة المحظورة وعملها السرى آنذاك. من جانبه، أكد الدكتور خالد سمير أمين صندوق نقابة الأطباء والمحسوب على تيار الاستقلال تحويل النقابة جميع معاملاتها المالية إبان مجلس الإخوان إلى الجهاز المركزى للمحاسبات للكشف والتدقيق، مشيراً إلى اكتشاف المجلس الجديد لعدد من المخالفات المالية الفادحة فى صندوق النقابة وخاصة فى أموال «الإغاثة»، لافتاً إلى السمعة غير الطيبة لإدارة الإخوان للجنة منذ سنوات طويلة. وحيث كشف أمين صندوق النقابة مؤخراً عن تجاوزات صارخة اكتشفها «المركزى للمحاسابات» من نهب أموال النقابة، بمعرفة أحد الموظفين بالنقابة. نقابة التجاريين وكانت نقابة التجاريين أول النقابات المنضمة إلى الأطباء، حيث اكتسح بها تيار الاستقلال بفوز الدكتور حافظ مندور وبلغت نسبة المدنيين بالانتخابات الجديدة ما يقرب من 75%، على حساب التيار الدينى. وأعادت تلك الانتخابات الحياة من جديد للنقابة، بعد أكثر من 23 عاماً من بقاء المجلس الإخوانى داخل أروقة النقابة، بسبب عدم إجراء أى انتخابات منذ عقود. وأصاب التجاريين نفس مصير الأطباء، حيث كشف تقرير المركزى للمحاسبات قبل عامين نهب وتلاعب القائمين على النقابة لأموالها، الأمر الذى تسبب فى إهدار ما يقرب من مليون ونصف المليون جنيه. نقابة المهندسين أما فى نقابة المهندسين بدأ الإخوان فى الإعلان رسمياً عن انتماءاتهم فى عام 1985، واستطاعوا السيطرة جزئياً عليها بعد خمس سنوات فقط. وفيما استعاطت الجماعة إحكام سيطرتها تماماً على النقابة على يد القيادى الإخوانى محمد على بشر، الذى تولى ملف أخونتها بعد تكليفه من قبل الجماعة بذلك الدور.. فلم يتوقف دور بشر عند حد سيطرة الإخوان على مجلس النقابة ولجانها النوعية فقط، بل امتدت يدا بشر إلى فرض تعيين أعضاء جماعة الإخوان فى الوظائف الإدارية الخاصة بالنقابة ووصلت رواتبهم إلى ما يقرب من 5 ملايين جنيه!!! وجاء وضع نقابة المهندسين مشابهاً فى مضمونه ل«الأطباء» بشكل كبير، بعد عقد جمعية عمومية طارئة للمهندسين قبل ثلاثة أسابيع للتصويت على سحب الثقة من المهندس ماجد خلوصى نقيب الإخوان والمجلس الإخوانى أيضاً، اللذين سيطرا على النقابة وممتلكاتها من مبان ومخصصات مالية، حيث تصل قيمة أموال النقابة إلى أكثر من مليار جنيه وديعة. فقرر مهندسو مصر الثورة استعادة أكبر وأقدم معاقل الإخوان فى النقابات المهنية وهى «المهندسين»، والتى تعتبر سيطرة الإخوان عليها أقدم بسنوات طويلة من سيطرتهم على «الأطباء». وعلى الرغم من محاولات إخوان «المهندسين» المضنية فى إفشال «عمومية» سحب الثقة بالإضافة إلى اتهاماتهم المسبقة للجنة القضائية المشرفة على التصويت بالتزوير، إلا أنه تلاشت جميع هذه المظاهر الإخوانية الهدامة بعد إصرارهم المستميت على حضور الفرز الذى حضره 200 مهندس فى 100 لجنة، بعد موافقة اللجنة القضائية التى مثلت مهندسين على كل صندوق واحداً منهم من تيار الاستقلال والآخر من الإخوان.. والتى انتهت بسحب الثقة من النقيب الإخوانى ومجلسه بالموافقة التى بلغت 8887 مقابل 6876 صوتاً رافضاً للتغيير. وكشف المهندس طارق النبراوى وأحد المرشحين على مقعد النقيب عن الانتهاكات المالية الصارخة التى ارتكبها مجلس الإخوان، حيث قامت بإنفاق ما يقرب من مليون جنيه من أموال النقابة على الدعاية للرئيس المعزول وحملته الانتخابية. وحول انتخابات النقابة، قررت اللجنة المشرفة على الانتخابات والتى كان قد شكلها المهندس محمد عبدالمطلب وزير الرى، إغلاق باب الترشح على مقاعد النقابة المختلفة الثلاثاء الماضى والتى كانت قد فتحت أبوابها فى 17 فبراير الماضى. وأعلنت اللجنة ترشح ما يقرب من 15 مهندساً على منصب النقيب، جاء أبرزهم المهندس طارق النبراوى مؤسس تيار الاستقلال بالنقابة، والمهندس عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالى الأسبق، والمهندس مصطفى أبوزيد مرشح حركة تمرد المهندسين. كما حددت اللجنة فى وقتٍ سابق إجراء الانتخابات فى 4 و5 إبريل المقبل على مقاعد النقابة العامة والفرعيات. نقابة الصيادلة ولم يختلف الأمر كثيراً فى نقابة الصيادلة، حيث اعتبرها النقيب ومجلسه الإخوانى مصدراً آخر من مصادر تمويل الجماعة، حيث دفع صندوق النقابة جزءاً من فاتورة الدعاية للرئيس المعزول، غير استغلال أموالها منذ عقود طويلة فى العمل السرى للجماعة قبل الثورة وبعدها. أما الأمر المثير للدهشة، استمرار الدكتور محمد عبدالجواد نقيب الصيادلة فى منصبه إلى أكثر من عقدين من الزمان، استباحت فيهما الإخوان مقدرات النقابة دون وجه حق. حاول الصيادلة اللحاق بنقابتى الأطباء والمهندسين فى التخلص من نقيبها الإخوانى ومجلسه، إلا أنهم فشلوا فى تحقيق الهدف المنشود وحالات القبضة الإخوانية للنقابة دون نجاح حركة «تمرد الصيادلة» من اللحاق بقطار تحرر النقابات المهنية من الإخوان. وانتهت المعركة بين الإخوان والتيار المدنى داخل النقابة إلى استمرار النزاع، بين التيار الدينى الذى استحل أموال «الصيادلة» لأغراضه السياسية وبين التيار الآخر المدنى الذى يهدف إلى الأرتقاء الجدى بأحوال الصيادلة المصريين الذين تجرعوا الذل منذ صعود الإخوان إلى مجلسها. نقابة المهن التعليمية فالوضع داخل نقابة المعلمين كان أكثر سخرية بعد هروب نقيب المعلمين الدكتور أحمد الحلوانى، رئيس لجنة التعليم بحزب الحرية والعدالة، إلى تركيا، بعد أن ألقت الأجهزة الأمنية القبض على نقيب الإخوان بالجيزة. وكانت السبب وراء القبض على نقيب الجيزة وغلق الأمن لعدد من نقابات المعلمين فى المحافظات بعد تحويلها إلى أوكار لدعم الإخوان، وتنظيم اجتماعات سرية لتنظيم عمل الجماعة الإرهابية فى الشارع والخروج فى تظاهرات تنديداً ب 30 يونية، ومطالبة بعودة الرئيس المعزول مرسى. وفشلت الدعوى القضائية التى أقامها تيار الاستقلال فى نقابة المعلمين فى حل مجلس النقابة الإخوانى، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بعدم اختصاصها فى نظر الدعوى.. الأمر الذى سرعان ما قضى على أمل التيار المدنى فى التخلص من بسط سيطرته، وأكد المعلمون استغلال الإخوان لأموال النقابة كغيرها من النقابات فى خدمة أهداف إرهاب الجماعة. وتقدم عدد من المعلمين بأوراق رسمية تثبت إنفاق النقابة عن طريق مجلسها الإخوانى على اتوبيسات نقل المعلمين الإخوان إلى اعتصامى «رابعة» و«النهضة» وتوفير وجبات يومية لهم بلغت أكثر من مليونى جنيه من صندوق النقابة!!! وانتهت أزمة انتخابات «المعلمين» ببقاء الوضع كما هو عليه، بعد أن امتنع المعلمون عن الذهاب إلى انتخابات التجديد النصفى فى 27 فبراير الماضى. الأمر الذى أدى إلى إصدار أحكام قضائية بحل عدد من النقابات الفرعية، كما حُلت فرعيات أخرى للمعلمين فى بعض المحافظات بقرار من المحافظين.