تفجرت المطالب الفئوية من جديد، بسبب الحد الأدنى للأجور وزيادة المرتبات، وزايد البعض في مطالبه لتشمل النواحى الإدارية والسياسية.. وربما تكون عدوى المطالب الفئوية هي أحد أهم أسباب استقالة أو إقالة حكومة الدكتور الببلاوى التي قامت بمهامها خلال الأشهر الماضية في ظروف غاية في الصعوبة. بداية، لا أحد ينكر علي العاملين بأجهزة وقطاعات الدولة المطالبة بحقوقهم، ولا على أي مواطن حقه في الطموح لتحسين ظروفه المعيشية.. ولكن السؤال من أين وكيف ومتى؟! نعم حدثت ثورتان في مصر ولم يشعر العامة بتغيير حقيقى في أمور كثيرة، وحدث نوع من الإحباط بسبب ارتفاع سقف الطموح عند عامة المصريين، وانتظارهم لنتائج فورية للثورتين وهو أمر لم يتحقق، ولن يتحقق في ظل المؤامرات الخارجية والداخلية والفوضى التي تضرب البلاد وتسبب مزيداً من التدهور الاقتصادي، وهو أمر يهدد بإفشال أي حكومة قادمة.. بل ويهدد بهدم الدولة المصرية ذاتها لأن أي حكومة لن تملك عصا سحرية لإصلاح ما أفسدته أنظمة في عقود طويلة.. وأي تغيير أو تحسن اقتصادى لن يحدث إلا بخطوات عملية وتنمية حقيقية وبأيدى الشعب نفسه، وهو أمر لن يحدث بين ليلة وضحاها أو في ظل إضرابات واعتصامات. صحيح المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة للمهندس إبراهيم محلب، المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة لأنه نموذج ناجح وأثبت كفاءة عالية من كل المهام التي تولاها ولكنه يجب أن يكون صريحاً مع الشعب وحاسماً مع مرؤوسيه حتي يستطيع تحقيق الحد الأدنى من مطالب وطموحات هذا الشعب. ويكفى الحكومة القادمة أن تحقق الاستقرار الأمني في هذا الوطن حتى يعود الانضباط والاستقرار وهو أمر من المؤكد له عائد اقتصادى بدءاً من عودة الحركة السياحية التي تمثل مورداً مهماً وعائداً سريعاً بحل كثير من المشاكل.. أيضاً الاستقرار الأمني يعني عودة الاستثمارات مرة أخرى سواء كانت عربية أو أجنبية ومحلية بحيث تكون البداية الحقيقية للتنمية في مصر وتنشيط حركة السوق وفتح مجالات جديدة للعمل، وعوضاً عن المشروعات الوطنية الكبرى التي تحتاج لسنوات حتي يشعر المواطن بنتائجها. يكفي الحكومة القادمة أيضاً أن تكون حكومة مواجهة الفساد والفوضى الإدارية في الدولة حتي يشعر المواطن أن هناك تغييراً قد حدث بالفعل في مصر بعد الثورة، وهو أمر يحتاج إعادة نظر في كثير من المحافظين وبعض كبار المسئولين في الهيئات ومؤسسات الدولة الذين مازالوا يفكرون بالعقلية القديمة والأساليب الروتينية ويتعاملون بشكل يومي ومباشر مع المواطنين ويصبحون واجهة سيئة لأي حكومة مهما كانت كفاءتها أو قدرتها وفكرها ويزيدون المواطنين إحباطاً علي إحباطهم. باختصار.. إذا كانت هذه الحكومة سوف تعجز عن تغيير الوضع الاقتصادى بشكل فورى، لأنه فوق طاقة الدولة نفسها وفوق قدرات أي حكومة ويحتاج بعض الوقت.. فعلى الأقل أن تكون الحكومة لديها البديل الذي تقدمه للشعب حتي يصبر علي التحسن الاقتصادى، ويكون شعوره بالرضا وأفعاله بالمشاركة والعمل والإنتاج، بدلاً من الإحباط الذي يؤدى إلي مزيد من الفوضى، يمكن أن يؤدى إلي هدم أغلى الأوطان علي رؤوسنا جميعاً.