مع كامل تأييدنا للعمال وحقهم فى تنظيم إضرابات واعتصامات للتعبير عن وجهة نظرهم، فهذا حق دستورى وقانونى لهم، وفى مصر الحديثة الديمقراطية من حق أى مواطن أن يعبر عن رأيه بالطريق الذى كفله القانون.. لكن يبقى مسألة فى غاية الأهمية وهى تعطيل الإنتاج ووقف العمل، فمع عظيم الأسف لايزال المواطنون يتعاملون مع الاعتصامات والإضرابات بطرق غير قانونية، فإما تنتهى بكارثة ويروح ضحيتها أشخاص أو يتعرض آخرون لإصابات وإما تتعطل الدنيا ويتأثر المواطنون بهذا الإضراب أو تلك الاعتصامات. وبات تنظيم أى قطاع لإضراب أو اعتصام أو تظاهر، بمثابة كارثة لاتحمد عقباها، وكلنا رأينا ماذا فعلت ولاتزال تفعل الجماعة الإرهابية من استغلال لهذا الحق القانونى فى مآس ينتج عنها فى نهاية المطاف قتلى وجرحى وتعطيل لمصالح الناس ولا أكون مبالغاً إذا قلت إن هذه الاعتصامات أو التظاهرات باتت حقاً يراد به باطل! والناس جميعها باتت تتأزم من هذه الأفعال الصبيانية التى تحدث الآن.. فمثلاً نجد أفراداً لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، يعطلون المرور ويؤخرون المواطنين عن الذهاب الى أعمالهم، وآخرين يثيرون المشاكل مع خلق الله ويرتكبون أفعالاً استفزازية مثيرة. أما عمال مصر الوطنيون مثلاً فى شركات الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وكفر الدوار فمن حقهم أن ينتفضوا ضد أى فساد يرتكب داخل هذه الشركات، ومن حقهم أن يثوروا من أجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية، ولهم كل الحق فى تنظيم إضرابات واعتصامات وفقاً للقانون والدستور.. ولكن يبقى هل من حقهم تعطيل حركة الإنتاج وإغلاق المصانع بالضبة والمفتاح وتكبيد الدولة خسائر فادحة.. هل هؤلاء على حق بهذا الشكل؟!.. وهل الظروف الراهنة التى تمر بها البلاد حالياً تسمح لهؤلاء بالقيام بهذه الإضرابات؟!.. ونفس الأمر ينطبق على الأطباء والصيادلة، فقد اختاروا وقتاً غير مناسب بالمرة، للقيام بهذه الإضرابات من أجل مثلاً تحقيق منافع أو مكاسب مادية، فى ظل الظروف غير المواتية لتحقيق هذه المطالب.. عمال الغزل فى المحلة وكفر الدوار والأطباء وخلافهم الذين يهددون بتنظيم إضرابات أو اعتصامات، إنما يرهقون الدولة التى تعانى من خلل اقتصادى كبير، ويزيدون الأعباء المثقلة على كاهلها.. وصحيح أنها حكومة رخوة وضعيفة إلا أن هذه الإضرابات أو تلك الاعتصامات تزيدها ضعفاً على ضعف وتزيد من كبوتها التى تفشل فى النهوض منها. التوقيت غير مناسب الآن لهذه الإضرابات، فلا الحكومة تستطيع أن تلبى مطالب أصحاب الحق المصريين، ولا العمال يقدرون على تحقيق مطالبهم المشروعة من تصحيح هذا الخلل.. ولذلك يجب أن يعى هؤلاء المضربون ماذا يفعلون؟!.. وعليهم أن يختاروا التوقيت المناسب للمطالبة بحقوقهم، بالإضافة الى ضرورة عدم تعطيل الانتاج ويكفى ما تعانيه الدولة من كارثة بل كوارث بسبب الاقتصاد المنهار، وحالة الركود الشديدة التى يعانى منها الاقتصاد كفيلة وحدها بأن يتكاتف الجميع للعبور بالبلاد من هذه الأزمة الطاحنة، فالحياة المصرية لم تعد فيها رفاهية، وعلى الجميع أن يعى هذا الدرس جيداً، وبات العمل أكثر من ضرورة ملحة للنهوض من هذه الكبوة التى طال أمدها.. مرة أخرى لا نمانع فى قيام العمال وغيرهم باستعمال الحق المشروع فى الإضراب والاعتصام من أجل تحقيق مآربهم والحصول على حقوقهم الضائعة.. وليس من حقهم تعطيل الانتاج ومصالح الناس حتى تنقشع الغمة ويأتى الله بحكومة قوية تعيد مصر الى مكانتها، بعد خيبة الأمل التى نعيش فيها.